شعار قسم مدونات

القبائل العربية في دارفور.. من وصمة الهزيمة إلى فرصة المصالحة؟

المصدر: موقع الأمم المتحدة لاجئون سودانيون في منطقة أدري الحدودية بين تشاد والسودان. يعد معبر أدرى شريان حياة مهما لمئات الآلاف بأنحاء السودان وخاصة في دارفور أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق إزاء تدهور الوضع الإنساني في شرق تشاد، في ظل التدفق الهائل للاجئين والعائدين من السودان المجاور، والنقص الحاد في التمويل. https://news.un.org/ar/story/2025/05/1141736
الكاتب: تُقدّر تقارير غير رسمية أن نحو 70% من القبائل العربية لم تشارك في حمل السلاح ضمن مليشيا الدعم السريع (موقع الأمم المتحدة)

بينما تضع الحرب أوزارها في دارفور، يلوح في الأفق شبح انتقام جماعي قد يعيد إنتاج جذور الأزمة! كيف يمكن إعادة دمج القبائل العربية التي رُبطت قسرًا بمليشيا مهزومة؟ امتداد هذه القبائل عبر حدود تشاد وليبيا يجعل أي خطاب إقصاء تهديدًا عابرًا للحدود، قد يفجّر نزاعات جديدة أو يستجلب تدخّلات إقليمية.

اليوم، تتفكك تحالفات الدعم السريع تدريجيًّا.. بيان "التنسيقية العامة لأبناء الرزيقات"، في 19 يونيو/ حزيران 2024، كان لحظة فارقة حين أعلنت البراءة من القتال تحت لافتة القبيلة

كيف تحوّل التعايش إلى اشتباه؟

تاريخيًّا، كانت القبائل العربية جزءًا من منظومة التعايش الأهلي في دارفور، مارست الرعي وشاركت في المجالس العرفية، وتحركت في نطاق لم تحكمه التقسيمات الإثنية بقدر ما حكمته المصالح والمواسم. لكن منذ مطلع الألفية، ومع ظهور مليشيات الجنجويد، تكرّس خطاب يربط العرب بالصراع الدموي، مختزلًا مجتمعًا متداخلًا في قالب عنفي واحد.

هل تفككت الولاءات؟

اليوم، تتفكك تحالفات الدعم السريع تدريجيًّا.. بيان "التنسيقية العامة لأبناء الرزيقات"، في 19 يونيو/ حزيران 2024، كان لحظة فارقة حين أعلنت البراءة من القتال تحت لافتة القبيلة. مثل هذه المواقف تدل على مراجعات اجتماعية عميقة، ترفض تجيير الهويات لمصلحة الحرب. يقول أحد أعيان العرب في شمال دارفور: "لم نقاتل لنربح مليشيا، بل لنعيش مع الجميع تحت دولة واحدة". ويضيف شيخ محلي: "مستقبل أولادنا أهم من ولاء مليشيا زائلة".

تُقدّر تقارير غير رسمية أن نحو 70% من القبائل العربية لم تشارك في حمل السلاح ضمن مليشيا الدعم السريع؛ وبينما تراقب دول الجوار مثل تشاد وليبيا هذه التحولات، تبقى المخاوف قائمة من احتمال توظيف بعض الجماعات الهاربة للحدود كورقة ضغط في أيدي أطراف خارجية، تبحث عن تعزيز نفوذها أو زعزعة استقرار السودان.

في العراق بعد 2003، فتح منطق العقاب الجماعي باب التمرد طويل الأمد. بينما في رواندا، تم تبني العدالة الفردية (الغاتشاكا) فساعدت في رأب الصدع الوطني

خطاب الكراهية والعدالة الانتقالية

بالتوازي مع التحولات، تصاعدت لهجة الكراهية في بعض الخطابات المدنية ووسائل التواصل، ما يعيد إنتاج الخوف من الثأر الجمعي. تقرير هيومن رايتس ووتش في يونيو/ حزيران 2025 أكد أن التحريض ضد القبائل العربية يهدد العدالة الانتقالية، وأعاد التذكير بمبدأ "لا جريمة بلا فرد". ولا يقتصر كبح خطاب الكراهية على النصوص القانونية، بل يتطلب برامج تدريب للإعلاميين ومشرفي منصات التواصل؛ لضمان عدم إعادة إنتاج التمييز أو شيطنة مكوّنات مجتمعية كاملة.

إعلان

ماذا تعلمنا من العراق ورواندا وجنوب أفريقيا؟

في العراق بعد 2003، فتح منطق العقاب الجماعي باب التمرد طويل الأمد. بينما في رواندا، تم تبني العدالة الفردية (الغاتشاكا) فساعدت في رأب الصدع الوطني. وفي جنوب أفريقيا، ورغم الانقسامات العرقية العميقة التي خلّفها نظام الأبارتايد، نجحت البلاد في اعتماد نموذج "العدالة التصالحية"، التي جمعت المذنبين والضحايا في لجان الحقيقة والمصالحة، فحالت دون انهيار الدولة في حرب أهلية شاملة.

إن أعظم نصر للسودان ليس كسر مليشيا متمردة، بل حماية نسيجه الأهلي من الكسر، واستعادة الأمل في دولة عادلة تتسع للجميع

خارطة طريق: كيف نكسب السلام؟

  • إن مستقبل دارفور يعتمد على خطوات عملية:

1- محاسبة الأفراد المتورطين وفق القانون دون وصم جماعي.

2- عقد مؤتمر مصالحة شامل بضمانة الدولة ومشاركة أممية.

3- دمج المجتمعات العربية في جهود الإعمار وتمكين تمثيلها العادل.

4- سن قوانين واضحة لتجريم التحريض الإثني وخطاب الكراهية.

إن تجاهل هذا الملف قد يدفع بعض المجموعات للبحث عن حماية خارجية عبر حدود تشاد أو ليبيا، وهو ما ينذر بتحويل الصراع إلى نزاع عابر للحدود.

قد تنتصر البندقية ساعة، لكن لا ينتصر وطنٌ إلا حين ينتصر على شهوة الانتقام. إن هزيمة المليشيا دون مصالحة القبائل ليست سوى هدنة مؤقتة للعنف؛ أما المصالحة فهي وحدها إعلان انتصار الوطن على فتنة الكراهية.

إن أعظم نصر للسودان ليس كسر مليشيا متمردة، بل حماية نسيجه الأهلي من الكسر، واستعادة الأمل في دولة عادلة تتسع للجميع.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان