شعار قسم مدونات

العيد في غزة وانتظار الموت

تخلو غزة من أي مظاهر للعيد في ظل الأوضاع الصعبة التي تحياها
الكاتب: في شوارع غزة التي كانت تتزين بالفوانيس في كل عيد لا يرى المرء اليوم سوى الدمار والخراب (الجزيرة)

يحل عيد الأضحى المبارك يوم الجمعة الموافق للسادس من شهر حزيران/ يونيو، بينما يعيش المسلمون، ولا سيما سكان قطاع غزة، أسوأ الظروف المعيشية منذ بدء العدوان المستمر في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

في ظل هذا الواقع المأساوي الذي يشمل القتل والتهجير والمجاعة، يستقبل أهالي القطاع العيد محملًا بتبعات المجازر المستمرة، والإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين.

تستذكر العائلات أن العيد فقد بهجته بعد أن سلبت الحرب أرواح أحبائها، وتركت الباقين يعيشون في خوف دائم من أصوات الانفجارات الناجمة عن قصف الاحتلال العنيف لكل شيء في قطاع غزة

يحل عيد الأضحى المبارك هذا العام، وهو العيد الرابع الذي يمر على الغزيين في ظل العدوان المستمر، الذي خلف أكثر من 179 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، أغلبهم من الأطفال والنساء، إضافة إلى ما يزيد على 11 ألف مفقود، ومئات الآلاف من النازحين. وما يزيد الوضع سوءًا هو المجاعة التي أودت بحياة كثيرين، بمن فيهم أطفال ونساء؛ فخلافًا للأعياد الثلاثة السابقة، يأتي هذا العيد وسط مجاعة غير مسبوقة، نتيجة لإغلاق الاحتلال المعابر أمام الإمدادات منذ 2 مارس/ آذار الماضي.

تستذكر العائلات أن العيد فقد بهجته بعد أن سلبت الحرب أرواح أحبائها، وتركت الباقين يعيشون في خوف دائم من أصوات الانفجارات الناجمة عن قصف الاحتلال العنيف لكل شيء في قطاع غزة، وقد قضى فقدان المسكن الآمن والملابس الجديدة النظيفة على فرحة العيد، إذ يعيش الناس في ظروف إنسانية قاسية داخل خيام مهترئة تعج بالحشرات والقوارض، ما يزيد من معاناتهم، وهم يؤكدون أن الحرب سرقت فرحتهم، ولم يبقَ ما يحتفلون به، فكثيرون ممن كانوا يجتمعون في هذه الأعياد والمناسبات قد استشهدوا، ولم يبقَ سوى ذكريات تزيد الجراح ألماً، خاصة في أيام العيد التي تمر على الفلسطينيين في قطاع غزة كالملح على الجرح.

غابت بهجة العيد عن غزة الجريحة، المنهكين أهلها، والمحاصرة من عدوٍّ بغيض محتل لا يعرف إلا القتل والخراب والفساد، ومن قريب يرى الظلم ويسمع ولا يحرّك ساكناً.

إعلان

انطفأت الألوان الزاهية والأضواء البراقة وضجيج الناس، وتلك الخطوات المتسارعة التي تملأ الأرصفة والشوارع والحارات، وحلّت محلها أصوات القصف والصراخ والفقد والدمار، لا ملابس جديدة إلا الأكفان إن وجدت، ولا بحث عن أماكن للتنزه سوى في النزوح المتكرر إلى أماكن أخرى.. القلوب ممتلئة بالحزن والوجع، والحياة شاحبة في العيون، والحناجر تغص بالألم. ترتجف الأصوات رهبةً وتفيض الدموع أسىً، وتكاد الصدور تختنق من ضيق الأنفاس، تتوقف عجلة الحياة للحظات من هول المصاب الجلل الذي يعجز عن استيعابه إنسان.

يتذكر سكان غزة كيف كانت ثلاجاتهم تمتلئ بلحوم الأضاحي، سواء أُهديت إليهم من الأقارب والجيران أم جاءتهم بعد ذبح أضاحيهم، أما الآن، فهم يتوقون إلى تذوق أي نوع من اللحوم التي اختفت من الأسواق منذ أشهر

على الرغم من الألم والمآسي المستمرة، يطل عيد الأضحى على غزة وسط الإبادة والقصف والجوع.. لا فرحة، لا زينة، ولا أصداء لضحكات الأطفال التي كانت تملأ الأرجاء. أكثر من ثمانية عشر شهرًا من الحرب المتواصلة حولت العيد إلى يوم آخر من أيام المعاناة، لا بيوت تستقبل الزوار، ولا أسواق تعج بالمتبضعين، ولا ساحات تفيض ببهجة الصغار.. أصبح العيد في غزة ذكرى حزينة، والأطفال الذين كانوا ينتظرونه بملابس جديدة وألعاب ملونة، يمضونه اليوم في أكفان، وبين الأنقاض أو في مخيمات النزوح، بحثًا عن حياة سُلبت منهم بفعل الحرب والمذابح اليومية.

يتذكر سكان غزة كيف كانت ثلاجاتهم تمتلئ بلحوم الأضاحي، سواء أُهديت إليهم من الأقارب والجيران أم جاءتهم بعد ذبح أضاحيهم، أما الآن، فهم يتوقون إلى تذوق أي نوع من اللحوم التي اختفت من الأسواق منذ أشهر، بعد أن كانت تدخل بكميات محدودة للغاية بسبب إجراءات الحصار "الإسرائيلي".

بدلًا من استقبال العيد بالبهجة، يُمضي سكان غزة أيامهم في البحث عن جثث أحبائهم، وانتشال الرفات من تحت الأنقاض، ودفن الشهداء الذين يسقطون يوميًّا

في شوارع غزة التي كانت تتزين بالفوانيس في كل عيد، لا يرى المرء اليوم سوى الدمار والخراب.. الأسواق التي كانت تعج بالحياة تحولت إلى أطلال، والمتاجر إما مدمرة أو خاوية بفعل الحصار. وفي بيوت غزة، حيث كان العيد يُستقبل بالكعك ورائحة القهوة، أصبح تأمين لقمة العيش معركة يومية، ونقص الغذاء والماء جعل أبسط مظاهر العيد ترفًا بعيد المنال، لم يعد العيد مناسبة للفرح، بل تحول إلى جرح مفتوح يذكّر أهلها بمن فقدوهم.

ومع كل قصف ومع كل شهيد، يزداد الألم، لكن يبقى الأمل معقودًا على انتهاء الحرب، ليعود العيد محملًا بالفرح الحقيقي، لا بوجع الفقد والنزوح. فبدلًا من استقبال العيد بالبهجة، يُمضي سكان غزة أيامهم في البحث عن جثث أحبائهم، وانتشال الرفات من تحت الأنقاض، ودفن الشهداء الذين يسقطون يوميًّا، والأحياء ينتظرون الموت عوضًا عن العيد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان