شعار قسم مدونات

العيد بين جراح وأفراح

تشهد الحدائق والمتنزهات الأميركية زحماما من الجالية الإسلامية عقب انتهاء صلاه العيد
العيد مناسبة للفرح، وإظهار الفرح ليس مجرد استجابة لرغباتنا وميولنا، بل إنه يأتي في صميم الدين والشريعة (الجزيرة)

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد؛ هتاف تردده ملايين الحناجر، لترتجّ به أصقاع الأرض، ويبلغ صداه عنان السماء.. هو في هذا اليوم شعيرة لا بد أن تُنشر وتعلن، وشعار ينبغي أن يبرز ويعلو.

الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.. كلمات ينطق بها لسان المسلم، فتسري انتعاشًا في نفسه، ورفعًا لهمته، وارتقاءً لروحه.

الدعوة للفرح ليست دعوة لقتل المشاعر كي لا ترى الآلام، وإنما هي دعوة لنرى الصورة كاملة، ونبحث فيها عن الجوانب المشرقة، ولا شك أن جوانب الإشراق موجودة حاضرة، ولا ينكرها إلا جاحد

الله أكبر الله أكبر؛ يرددها الحجيج تعظيمًا لله، وخضوعًا لأمره، وإعلاء لشأنه، وبها يحطمون كبرياء الباطل والطاغوت.

ولا إله إلا الله؛ بها يقرون لله بالخلق والأمر، وأن لا أحد سواه متصرف بالكون، وهو المستحق للعبادة، فلا معبود بحق إلا الله.

والحمد لله؛ تحمل ثناءهم على الله أهل الثناء والحمد، وشكرهم إياه على أن وفقهم لأداء ركن الحج العظيم تلبية لأمره تعالى، واستجابة لأذان نبيه الكريم إبراهيم عليه السلام.

وفي العيد يهتف بالتكبير والتهليل والحمد لله؛ الغنيُّ مع الفقير والأبيض مع الأسود، فتستحضر نفوسهم حقيقة المساواة التي أرساها فيهم خالقهم وإلههم، وأن الله وحده صاحب العظمة والكبرياء والفضل والأمر، وهم خاضعون لشرعه ومنقادون لأمره، ليتراحموا فيما بينهم، ويعلموا أن ما تفضل الله به على الغني جعل فيه حقًا للفقير، وما أعطاه لذي المكانة والسلطان أراده وسيلة لإرساء شريعة الحق والعدل والإحسان.

ولأنه العيد، تموج في فضاء النفس خواطر أعياد مضت، ومن بين تلك تحضرني كلمات ربما صارت أشباهها مألوفة عندي اليوم، لكنها إذ سمعتها ذات عيد لأول مرة استوقفتني كي أتأملها وأعيش حقيقة معناها، وهي اليوم تدعوني من جديد لأحفظ لها حضورها وتأثيرها.

وفي الكلمات أن العيد مناسبة للفرح، وإظهار الفرح ليس مجرد استجابة لرغباتنا وميولنا، بل إنه يأتي في صميم الدين والشريعة!

إعلان

فإن أردنا التقرب إلى الله فلنعِش هذا الفرح مع تكبيرات العيد، وإن سعينا إلى رضوان ربنا فلنُزِح دواعي الحزن في هذا اليوم، ولنردد بألستنا وكل جوارحنا نشيد العيد.. الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.. ومع التكبير والتهليل حري بنا أن نفرح ونسعد، إذ تنتعش الأنفس وترتقي الأرواح وتعلو الهمم مع تمجيد قيّوم السماوات والأرض، والالتجاء إلى حمى مالك الملك.

والدعوة للفرح ليست دعوة لقتل المشاعر كي لا ترى الآلام، وإنما هي دعوة لنرى الصورة كاملة، ونبحث فيها عن الجوانب المشرقة، ولا شك أن جوانب الإشراق موجودة حاضرة، ولا ينكرها إلا جاحد..

لن نغفل عن حقيقة أن لنا في غزة أهلًا أثخنتهم جراح فوق الجراح، لكننا نوقن بأنها أوجاع تهون على من أدرك حقيقة الدنيا، وجعل همه الآخرة، والحق أننا وجدنا الآلام تتصاغر عندهم أمام عظمة ما يرجونه ونرجوه لهم من أجر وثواب، وليس في هذا القول خيال، بل إنه عين ما رأيناه ونراه منهم، في رضاهم عن الله، وفي إقبالهم على السير في الطريق التي ارتضاها الله لهم، وفي يقينهم بأنهم على خير، وأنهم فائزون.

حقيق بأهل غزة أن يفرحوا، ويحق لكل من آزرهم أن يفرح معهم، وحتى أولئك الذين تشوّفوا لفعل شيء ينصرون به إخوتهم، ولكن سُدّت أمامهم السبل

وإننا لنستذكر فيهم اليوم مشهد ذلك الصحابي الجليل الذي تلقى طعنة عدو غادرة، فما كان منه إلا أن قال "الله أكبر.. فزت ورب الكعبة"؛ كما نستذكر أصحاب الأخدود الذين لاقوا في ثباتهم على دينهم شيئًا فظيعًا من نار الدنيا وعذابها، ولكن الله أخبرنا عن مصيرهم الأبدي بعد ذلك في جنات تجري من تحتها الأنهار، وقال عنه: {ذلك الفوز العظيم}.. وكما فاز أولئك السابقون، يجد أهل غزة أنفسهم سائرين على طريق الفوز، ولهم أن يسعدوا ويفرحوا، وأن يرددوا بهتاف أقوى مما كان في أي عيد مضى: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

حقيق بأهل غزة أن يفرحوا، ويحق لكل من آزرهم أن يفرح معهم، وحتى أولئك الذين تشوّفوا لفعل شيء ينصرون به إخوتهم، ولكن سُدّت أمامهم السبل، وغلبتهم الحيرة فلم يجدوا ما يبذلونه إلا دعوة خالصة على ألسنتهم، وحُرقة صادقة في قلوبهم، ومشاعر ولاء صافية تسري في نفوسهم.. أولئك لهم أن يفرحوا، وليوقنوا بأن الله يعلم صدق نواياهم وأن لهم عليها الأجر والثواب، فليهنؤوا وليسعدوا.

ولنستبشر جميعًا بنصر الله يتحقق على أرض غزة العزة.. نصر يبدأ منها ثم يمتد ويتسع ليحطم آلة العدوان، ويكسر جبروته، فتتزلزل كراسي الطغاة الذين استمدوا قوتهم وأسباب وجودهم من أعداء الأمة، ليكون ذلك كله بشائر غد مشرق قادم، ترنو إليه الأبصار والبصائر، فتردد الألسنة بغبطة وسعادة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.

وتأخذنا خواطر العيد شرقًا وغربًا، ولكنها تأبى إلا أن تعود بنا إلى حيث بدأت في بلد الله الحرام، وبيته الحرام، وتغوص بنا في أعماق التاريخ لنرى نبي الله إبراهيم، عليه السلام، يودع زوجه هاجر ورضيعها إسماعيل بوادٍ غير ذي زرع، فتناديه كأنما تستعطفه "يا إبراهيم، أين تذهب وتتركنا؟" وتعيد ذلك مرارًا، ولا يلتفت إليها، ثم تقول: "آلله أمرك بهذا؟" ويرد: "نعم"، فتقول بيقين: "إذن لن يضيعنا"! وحين يشتد بها وبابنها العطش تنطلق ساعية بين الصفا والمروة في سبعة أشواط، ثم تصل موضع زمزم، فإذا هي بالملَك هناك قد بحث بعقبه حتى ظهر الماء.

إعلان

ونستحضر اليوم ذلك المشهد لنستيقن قرب الفرج، وبانتظار الفرج نعيش الفرح.. فما علينا إلا أن نتمسك بيقين هاجر بأن الله، تعالى، لن يضيعنا، ونسعى كما سعت إلى غاياتنا المشروعة، وبعدها سنعيش لذة الارتواء بعد الظمأ.

ألا فافرح يا من أنهكته الفاقة، فإن بعد العسر يسرًا.

افرح أيها المأسور ظلمًا، فزنزانات الطغاة لن تدوم.

افرح أيها المُبعد إلى بلاد غريبة، وانتظر أن تعود قريبًا إلى الوطن.

افرح أيها الموجوع من واقع أمته، فأصنام الأمس قد حطمها محمد، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وما دمت سائرًا على هديهم فإنك ستجد السبيل لتحطيم أصنام عصرية يُراد لها اليوم أن ترتفع.

افرحوا جميعًا وأنشدوا نشيد العيد: الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. لا إله إلا الله والله أكبر.. الله أكبر ولله الحمد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان