شعار قسم مدونات

في رحاب آيات الحج والبيت الحرام

blogs الكعبة
سمّيت الكعبة بذلك لتكعيبها، أي تربيعها وارتفاعها ونتوئها، وارتفاع ذكرها في الدنيا واشتهار أمرها في العالم (رويترز)
  • {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}

وصف الله تعالى البيت الحرام بالمثابة التي يعود إليها الناس مرارًا وتكرارًا.. وبالأمن، حيث يأمن الناس على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. قال الله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [سورة البقرة: 125]. يعني: اذكر يا محمد للناس هذا الأمر الذي صيرناه لهم، والمراد به الكعبة لأنّها بيت الله، عزّ وجل، وأتى هنا بـ"الـ" التفخيم والتعظيم، يعني: البيت المعهود الذي لا يُجهل (قصص القرآن، محمد بن صالح العثيمين، ص 61).

وسمّيت الكعبة بذلك لتكعيبها، أي تربيعها وارتفاعها ونتوئها، وارتفاع ذكرها في الدنيا واشتهار أمرها في العالم، ولذلك يقولون لمن عظم أمره: فلان علا كعبه (بيت الله الحرام الكعبة، محمد عبدالله، ص 30).

وقد ذكر الله، سبحانه وتعالى، في كتابه الكريم عدة أسماء للكعبة، ومن هذه الأسماء: البيت العتيق، قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، وذُكرت في تسميته بالبيت العتيق عدة أسباب منها:

  • لأنَّ الله تعالى أعتقه من الجبابرة.
  • أنَّ العتيق بمعنى القديم.
  • أنّه لم يُملك قط.
  • لأنّه أعتق من الغرق زمن الطوفان (مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن، ابن الجوزي، ص 243).

سمّيت مكة بأم القرى لتقدمها على سائر القرى، وسميت بذلك لأنَّ الأرض منها دحيت وعنها حدثت، فصارت أمًا لها لحدوثها عنها، كحدوث الولد عن أمه. وسمّيت كذلك بالبلد الأمين: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}

وسمّيت مكة ببكة، حيث قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ..}، وفي سبب التسمية ذكر العلماء أقوالًا منها:

إعلان
  • لازدحام الناس عندها، والمعنى هو الزحم، إذ يُقال: بَكَّ فلان فلانًا إذا زحمه وصدمه، فهو يبكه بكًّا، وسميت البقعة بفعل المزدحمين بها (زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، 1/344).
  • لأنّها تبكّ أعناق الجبابرة، أي تدقها، فلم يقصدها جبار إلا قصمه الله (تفسير ابن كثير، 2/57).
  • لأنّها تقع من نخوة المتجبرين، يقال: بككت الرجل أي وضعت منه، ووردت نخوته، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها (زاد المسير في علم التفسير، ابن الجوزي، 1/343).

ومن أسمائها المسجد الحرام؛ قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} ]البقرة:144[ (بيت الله الحرام الكعبة، محمد عبد الله، ص31).

ومن أسمائها أم القرى؛ لشرفها وعلو كعبها على باقي القرى، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]، وقال تعالى: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [الأنعام:92].

وسمّيت بأم القرى لتقدمها على سائر القرى، وسميت بذلك لأنَّ الأرض منها دحيت وعنها حدثت، فصارت أمًا لها لحدوثها عنها، كحدوث الولد عن أمه. وسمّيت كذلك بالبلد الأمين: {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (ملة أبيكم إبراهيم، المرسومي، ص 186).

من رحمة الله سبحانه أن الدنيا تختفي من عقل الحاج وقلبه؛ لأنَّ الحجيج كلما كربهم شيء أو همهم شيء توجهوا إلى ربّهم وهم في بيته، فيذهب عنهم الهمّ والكرب، ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ}

{مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}: أي مرجعًا ومعادًا، كلما انصرفوا منه اشتاقوا إليه، فعادوا وثابوا إليه في الحج والعمرة والعبادة؛ فلا ينقضي منه الوطر ولا تشبع منه النفوس، ويثوبون إليه أيضًا في الصلاة بقلوبهم، ويتوجهون إليه بأجسادهم، ويتذكرونه في كل يوم وليلة (تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص 217).

إعلان

ويقول الشيخ محمد متولي الشعراوي في قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا}: "تأمل كلمة البيت وكلمة مثابة، بيت مأخوذ من البيتوتة، وهو المأوى الذي تأوي إليه، وتسكن فيه وتستريح، وتكون فيه زوجتك وأولادك، ولذلك سّميت الكعبة بيتًا؛ لأنّها المكان الذي يستريح إليه كل خلق الله، ومثابة يعني مرجعًا تذهب إليه وتعود، ولذلك فإن الذي يذهب إلى بيت الله الحرام مرة يجب أن يرجع مرات ومرات، إذن فهو مثابة؛ لأنه ذاق حلاوة وجوده في بيت ربّه، وأتحدى أن يوجد شخص في بيت الله الحرام يشغل ذهنه غير ذكر الله وكلامه وقرآنه وصلاته (تفسير الشعراوي، 1/575).

تنظر إلى الكعبة فيذهب كل ما في صدرك من ضيق وهم وحزن، ولا تتذكر أولادك ولا شؤون دنياك، ولو ظلت جاذبية بيت الله تعالى في قلوب الناس مستمرة؛ لتركوا كل شؤون دنياهم ليبقوا بجوار البيت، ولذلك كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حريصًا على أن يعود الناس إلى أوطانهم وأولادهم بعد انتهاء مناسك الحج مباشرة.

ومن رحمة الله سبحانه أن الدنيا تختفي من عقل الحاج وقلبه؛ لأنَّ الحجيج كلما كربهم شيء أو همهم شيء توجهوا إلى ربّهم وهم في بيته، فيذهب عنهم الهمّ والكرب، ولذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يقول: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم:37].. أفئدة وليست أجسامًا، وتهوي: أي يلقون أنفسهم إلى البيت.

إن من الخير أن تترك الناس يثوبون إلى بيت الله؛ ليمحو، الله سبحانه، ما في صدورهم من ضيق وهموم مشكلات الحياة (تفسير الشعراوي، 1/576).

و{أَمْنًا}: أي جعلناه آمنًا يأمن فيه الناس على دمائهم وأموالهم، ويأمن فيه حتى الصيد والأشجار أن تقطع، وهو محل آمن لمن يسكنه، وكان الرجل في الجاهلية يرى قاتل أبيه وأخيه في الحرم، فلا يتعرض له، وكانوا لا يُغيرون على مكة مع شركهم، ولأجل توفير الأمن فيه نهى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- عن حمل السلاح في مكة المكرمة فقال: لا يُحمل فيها سلاح لقتال (صحيح مسلم، رقم: 1374) (تفسير الزهراوين البقرة وآل عمران، محمد صالح المنجد، ص217).

إعلان

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان