الحج منهج حياة لا موسم عبادة فقط؛ فهو ليس مجرد شعيرة وطقوس ومناسك وأعمال بدنية حركية، بل مدرسة عظيمة تعلمنا كيف نبني أهدافنا في الحياة، وكيف نرتّب أولوياتنا، وكيف نتحرك نحوها بخطى ثابتة وزادٍ كافٍ ونفس متجردة؛ إنه نموذج حي لكيفية صنع القصد والتوجه الصحيح، وكيفية إدارة الحياة بكفاءة.
معنى الحج وارتباطه بالواقع الشامل الدائم للحياة
- المعنى العام للحج: هو القصد والتوجّه والنية نحو الغاية العظمى والأهداف الصحيحة.
- المعنى الخاص للحج: تمثله رحلة الحج كنموذج للحج؛ بالقصد والتوجه إلى بيت الله الحرام لتحقيق فريضة وركن من أركان الإسلام الخمسة، هو نموذج عملي لكيفية توجه الإنسان بحياته كلها إلى الله تعالى.
أعمال الحج كلها برنامج شامل يوضح متطلبات ومهارات ومراحل بناء الحياة بكل تفاصيلها، ويربي على تحقيق الأهداف بطريقة جماعية عالمية، ضمن أمة واحدة لا فرق فيها بين أعجمي وعربي، ولا بين أبيض وأسود
أعمال الحج تعلم كيفية إدارة كل شؤون الحياة
الحج يعلّم المسلم كيف يخطط ويعمل ويوفر متطلبات الحياة بأموال حلال، وكيف يتزود بالزاد المعين من العلم والتقوى والرفقة الصالحة (توفير نفقات ومتطلبات الحج)؛ وكيف يقرر الوجهة والقصد ويحدد موعد الانطلاق (أشهر الحج)؛ وكيف يقرر البداية ويبدأ بالنية والتطهر، ويحَّرم على نفسه ما حرمه الله تعالى، وينفك عن الدنيا ويتخلص من العادات والمألوفات (النية والإحرام)؛ وكيف يمارس التلبية والاستجابة الكاملة لله، تعالى، والخضوع الكامل له وحده بلا شريك ولا أغراض دنيوية (التلبية: لبيك اللهم لبيك)؛ وكيف يخرج وينطلق ويسير في الطريق الموصل، وكيف يحسن التعرف على الأماكن والمواقيت (الالتزام بالمواقيت).
الحج يربي على كيفية تحقيق الأركان وتنفيذ الخطة المحددة وفق النظام، وذلك من خلال:
- تكرار التمحور نحو الهدف المقصود عبر الطواف بأشواط عديدة (الطواف حول الكعبة).
- ثم استمداد مصادر الخير والصلاح والنهل من منابع البركات (الشرب من زمزم).
- ثم السعي وبذل الجهد والطاقة لأشواط عديدة لاستجلاب العون ممن يملك العون سبحانه؛ ببذل الجهد العملي المتكرر في دروب الحياة، والأمل الدائم المقرون بالحركة حتى الوصول للمبتغى (السعي بين الصفا والمروة).
- ثم التروية للجسد والروح للتمكن من استكمال الرحلة والمسير؛ بالاستعداد الذهني والروحي والجسمي لبذل أقصى الطاقات (يوم التروية بمنى).
- ثم الوقوف لتجديد المعرفة والتعرف والمراجعة والمحاسبة لتجديد التوبة وفتح صفحة جديدة (الوقوف بعرفة).
- ثم النفير للازدلاف والتقرب إلى الله تعالى (المبيت بمزدلفة).
- ثم الانطلاق لتحقيق المنى والأماني؛ برجم الشر ورأس الفتنة ومصدر المهددات، والتخلص من العقبات بمراحلها الثلاث، الصغرى والوسطى والكبرى (رمي الجمرات بمنى).
- وتعلم التضحية والفداء بالنفس والأبناء في سبيل المبادئ؛ بالإقامة في المكان الذي استعد فيه الابن للذبح وأطاع الأب واستجابت الأم واتفقت الأسرة كلها على أمر الله تعالى (الإقامة في منى يومين أو ثلاثة).
- وذبح الأنانية والانحراف والخلل، والتضحية بالشهوات التي تعيق السير في الطريق، والتضحية بالمال لله (ذبح الهدي).
- والتخلص من بعض المظاهر الشكلية والزينة الزائفة، التي كثيرًا ما تعيق عن المسير (حلق الشعر).
- محطة للترويح وتجديد النشاط؛ للانطلاق إلى مرحلة جديدة بعد غسل الروح وتجديد العهد مع الله تعالى (التحلل من الإحرام).
الحج مدرسة كبيرة تعلم الأمة كلها، وتصنع القادة الكبار، وهذا يتطلب بذل الجهود من الإعلام ومناهج التعليم والآباء والأمهات والمربين، لترسيخ التربية على معاني الحج ودروسه في بناء الفرد والأسرة والمجتمع والأمة والعالم، لتكون حياتهم كلها لله
الحج نموذج حضاري كامل
أعمال الحج كلها برنامج شامل يوضح متطلبات ومهارات ومراحل بناء الحياة بكل تفاصيلها، ويربي على تحقيق الأهداف بطريقة جماعية عالمية، ضمن أمة واحدة لا فرق فيها بين أعجمي وعربي، ولا بين أبيض وأسود، ولا بين قائد وجندي، أو وزير وغفير، أو عالم وعامي.. أمة واحدة بغاية واحدة، بأهداف مشتركة واحدة، وبوصلة واحدة؛ تعظم الشعائر، وترتبط بالمشاعر، وتشهد المنافع، وتعتمر لتعمر النفوس وتعمر بيت الله الحرام وتعمر الأرض كلها بمنهج الله تعالى.
أهمية توظيف مدرسة الحج للنهوض بالأمة
الحج مدرسة كبيرة تعلم الأمة كلها، وتصنع القادة الكبار، والأطفال الصغار، والرجال والنساء القاصدين الله، العاملين له، المضحين من أجله، الراسخين في الطريق نحوه سبحانه.
وهذا يتطلب بذل الجهود من الإعلام ومناهج التعليم والآباء والأمهات والمربين، لترسيخ التربية على معاني الحج ودروسه في بناء الفرد والأسرة والمجتمع والأمة والعالم، لتكون حياتهم كلها لله؛ بدوام قصده، والعمل بمنهجه، ونصرة دينه، والحج إليه سبحانه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.