في السنوات الأخيرة، أصبحت قضية الهجرة، خاصة من دول الشرق الأوسط، موضوعًا مسيّسًا ومشحونًا بالعواطف.. ولسوء الحظ، غالبًا ما تكون عواطف سلبية.
في الخطاب العام، بما في ذلك في بولندا، نسمع بشكل متزايد أصواتًا تعارض وجود المهاجرين، وخصوصًا المسلمين. العديد من المعلقين والسياسيين يرضخون للخوف والصور النمطية دون معرفة الحقائق، ودون احترام للمأساة التي طالت الملايين.
تُظهر الإحصائيات الجنائية في ألمانيا والسويد والدانمارك أن معدلات الجريمة بين المهاجرين مشابهة لتلك التي بين المواطنين، وأن الفروقات غالبًا ما تعود إلى الفئة العمرية والوضع الاقتصادي
سوريا المدمّرة.. مأساة ملايين البشر
من أبرز أسباب الهجرة في العقد الأخير الحرب الأهلية في سوريا.. حرب وحشية ومدمرة ومعقدة للغاية، فيها نظام بشار الأسد من جهة، ومن جهة أخرى فصائل مسلحة مدعومة من دول غربية، وفي الخلفية صراعات مصالح إقليمية.. والنتيجة؟ أكثر من 13 مليون سوري -أي أكثر من نصف عدد سكان البلاد- اضطروا لمغادرة منازلهم (حالة الطوارئ في سوريا/ مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين).
المهاجرون يبنون مستقبل أوروبا
بدلاً من التعاطف، كثيرًا ما يُقابل السوريون بالريبة والكراهية! لكن الواقع مختلف تمامًا: اللاجئون يساهمون بشكل كبير في تنمية البلدان التي وصلوا إليها.
لنأخذ ألمانيا -وهي أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي- كمثال.. المجتمع الألماني يشيخ بسرعة، وهناك نقص كبير في الأيدي العاملة في قطاعات عديدة. منذ عام 2012، بدأ أكثر من 7000 طبيب سوري العمل في ألمانيا (الهيئة الاتحادية للأطباء في ألمانيا/ Bundesärztekammer، بيانات 2023)، تعلم كثير منهم اللغة من الصفر، وعادلوا شهاداتهم، وأكملوا دورات تدريبية إضافية. كذلك، أسس السوريون شركات، ومحلات، ومطاعم، وورش سيارات.. هم يندمجون، ويدفعون الضرائب، ويوفرون فرص عمل.
أمثلة مشابهة يمكن العثور عليها في الدانمارك، والسويد، والنرويج، وهولندا، وفرنسا.. في كل تلك الدول، سد المهاجرون من الشرق الأوسط الفجوات في سوق العمل، خاصة في قطاع الصحة والرعاية والخدمات اللوجيستية.
لا تعمّموا.. المجرمون موجودون في كل مكان
بطبيعة الحال، وكما في أي مجتمع، تحدث جرائم يرتكبها بعض المهاجرين، لكنّ المهاجرين ليسوا المسؤولين الرئيسيين عن الجريمة. تُظهر الإحصائيات الجنائية في ألمانيا والسويد والدانمارك أن معدلات الجريمة بين المهاجرين مشابهة لتلك التي بين المواطنين، وأن الفروقات غالبًا ما تعود إلى الفئة العمرية والوضع الاقتصادي (تقارير وزارات الداخلية الألمانية والسويدية والدانماركية، 2019–2023).
تحميل مجموعة كاملة مسؤولية أفعال أفراد منها ليس ظلمًا فقط، بل هو طريق نحو الكراهية والانقسام والتطرف.
أوجه ندائي إلى كل من يصدّق الدعاية المعادية للمهاجرين: لا تخلقوا مشكلة غير موجودة، لا تحرّضوا على أناس يبحثون فقط عن الأمان والكرامة والعيش بسلام
بولندا! محطة عبور لا أكثر
في بولندا نسمع كثيرًا أن البلاد "تُغرَق" بالمهاجرين من الدول الإسلامية! هذا مجرد خرافة.. بولندا ليست دولة جذابة بشكل خاص للاجئين؛ فالأجور منخفضة، واللغة صعبة، ولا توجد جاليات مهاجرة كبيرة.. ولهذا، تعتبر بولندا محطة عبور لكثيرين في طريقهم إلى أوروبا الغربية.
وفقًا لبيانات "يوروستات"/ Eurostat، فإن عدد اللاجئين السوريين في بولندا ضئيل للغاية مقارنةً بألمانيا أو السويد أو فرنسا (يوروستات/ Eurostat، طلبات اللجوء لأول مرة حسب الجنسية، تحديث 2024). ورغم ذلك، فإن المهاجرين يُستَخدمون في الخطاب السياسي ككبش فداء، لزرع الخوف وكسب الأصوات الانتخابية.
بدلًا من الخوف.. لنفهم
ولهذا، أوجه ندائي إلى كل من يصدّق الدعاية المعادية للمهاجرين: لا تخلقوا مشكلة غير موجودة، لا تحرّضوا على أناس يبحثون فقط عن الأمان والكرامة والعيش بسلام.. فلنختر التعاطف بدل الخوف، والمعرفة بدل الجهل، والإنسانية بدل الكراهية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.