شعار قسم مدونات

سوريا تعود للساحة الدولية

لقاء يجمع سمو ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري أحمد الشرع - المصدر: واس
لقاء جمع سمو ولي العهد السعودي والرئيس الأميركي والرئيس السوري أحمد الشرع (واس)

يمثل رفع العقوبات الأميركية عن الرئيس أحمد الشرع، ووزير الداخلية أنس خطاب، إضافةً إلى البنك المركزي السوري، والبنك التجاري، وميناءَي طرطوس واللاذقية، نقطة تحول محورية في مسار العلاقات السورية الدولية.

هذه الخطوة تعكس تغيرًا جوهريًا في السياسة الأميركية تجاه سوريا، وتشير بوضوح إلى رغبة واشنطن والغرب في إعادة تأهيل دمشق ودمجها من جديد في المحيطَين: الإقليمي والدولي. هذا التحول ينبع من إدراك متزايد للدور المحوري الذي تلعبه سوريا كعامل استقرار في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

يمثل رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري والبنك التجاري وميناءَ ي طرطوس واللاذقية انفراجة اقتصادية كبيرة لسوريا، التي عانت لسنوات من آثار العقوبات المدمرة على اقتصادها

البعد السياسي للقرار الأميركي

يعكس قرار رفع العقوبات اعترافًا أميركيًا ضمنيًا بفشل استمرار سياسة العزل والضغط، التي كانت تنتهجها واشنطن تجاه حكومة دمشق الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بعد القضاء على النظام البائد. من هنا، بدأت الإدارة الأميركية تدرك أن الواقع السياسي يفرض التعامل مع الحكومة السورية كأمر واقع لا مفر منه.

هذا التحول في الموقف الأميركي يأتي أيضًا في سياق إعادة ترتيب الأولويات الإستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، حيث باتت مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي على رأس هذه الأولويات، وهو ما يتطلب تعاونًا مع سوريا.

كما يشير رفع العقوبات عن شخصيات سياسية بارزة، مثل الرئيس أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب، إلى رغبة أميركية في فتح قنوات اتصال مباشرة مع صناع القرار في دمشق، وهو ما يمهد الطريق لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في المستقبل القريب.

الأبعاد الاقتصادية لرفع العقوبات

يمثل رفع العقوبات عن البنك المركزي السوري والبنك التجاري وميناءَي طرطوس واللاذقية انفراجة اقتصادية كبيرة لسوريا، التي عانت لسنوات من آثار العقوبات المدمرة على اقتصادها.

هذه الخطوة ستسمح بعودة التحويلات المالية الدولية، وتسهيل التجارة الخارجية، ما سيساهم في تخفيف الضغط على الليرة السورية، وتحسين قدرة الدولة على استيراد السلع الأساسية.

إعلان

كما أن رفع العقوبات عن الموانئ السورية سيعيد تنشيط حركة التجارة البحرية، ويفتح الباب أمام استثمارات جديدة في البنية التحتية للموانئ، ما سيعزز دور سوريا كمعبر تجاري إقليمي مهم يربط بين أوروبا وآسيا.

هذه التطورات الاقتصادية ستنعكس إيجابًا على حياة المواطن السوري العادي، من خلال تحسن فرص العمل وانخفاض أسعار السلع الأساسية وتحسن الخدمات العامة، وهو ما سيساهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي الذي يشكل ركيزة أساسية للاستقرار السياسي.

يأتي رفع العقوبات الأميركية في سياق تحولات إقليمية كبرى، حيث شهدت عودة للعلاقات بين سوريا والدول العربية، بدءًا من إعادة فتح السفارات وصولًا إلى عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية

البعد الإنساني لرفع العقوبات

لطالما كان للعقوبات الاقتصادية تأثير سلبي مباشر على الوضع الإنساني في سوريا؛ حيث عانى المواطنون العاديون من نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية والغذائية.

رفع العقوبات سيسمح بتدفق أكبر للمساعدات الإنسانية، وتسهيل عمل المنظمات الدولية في تقديم الخدمات الأساسية للسكان. كما سيساهم تحسن الوضع الاقتصادي في تهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وأوروبا، وهو ما سيخفف من أزمة اللجوء التي أرهقت المجتمع الدولي لسنوات، ويعيد بناء النسيج الاجتماعي السوري.

رفع العقوبات يعكس أيضًا اعترافًا دوليًا بأن العقوبات الاقتصادية غالبًا ما تؤثر سلبًا على المدنيين أكثر من تأثيرها على الحكومات، وأن تحقيق الأهداف السياسية لا ينبغي أن يكون على حساب المعاناة الإنسانية.

البعد الإقليمي والدولي

يأتي رفع العقوبات الأميركية في سياق تحولات إقليمية كبرى، حيث شهدت عودة للعلاقات بين سوريا والدول العربية، بدءًا من إعادة فتح السفارات وصولًا إلى عودة سوريا لمقعدها في جامعة الدول العربية.

هذا التحول الأميركي سيشجع المزيد من الدول العربية والأوروبية على تطبيع علاقاتها مع دمشق، ما سيعزز من دور سوريا الإقليمي ويساهم في تحقيق التوازن الإستراتيجي في المنطقة، خاصة في ظل التنافس الدولي المحتدم بين القوى الكبرى.

كما أن عودة سوريا للمشهد الدولي ستساهم في تعزيز جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، من خلال التنسيق الأمني والاستخباراتي مع مختلف الدول المعنية، وهو ما سينعكس إيجابًا على الأمن الإقليمي والدولي.

إن عودة سوريا للمشهد الإقليمي والدولي ستساهم -بلا شك- في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وستفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين مختلف دول المنطقة

التوقعات المستقبلية

من المتوقع أن يشهد المستقبل القريب المزيد من الخطوات الإيجابية في مسار إعادة تأهيل سوريا ودمجها في المجتمع الدولي، بما في ذلك رفع المزيد من العقوبات، وعودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مختلف دول العالم.

كما ستشهد سوريا على الأرجح تدفقًا متزايدًا للاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات إعادة الإعمار والبنية التحتية والطاقة، ما سيساهم في تسريع عملية التعافي الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة للشباب السوري.

وعلى الصعيد السياسي، قد تشهد سوريا تطورات إيجابية في مسار المصالحة الوطنية وإعادة دمج مختلف مكونات المجتمع السوري، بما يضمن استقرارًا سياسيًا طويل الأمد، يشكل أساسًا متينًا لنهضة شاملة.

يمثل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا نقطة تحول تاريخية في مسار الأزمة السورية، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العلاقات بين دمشق والمجتمع الدولي. هذا التحول يعكس إدراكًا متزايدًا للدور المحوري الذي تلعبه سوريا في استقرار المنطقة، ويؤكد على فشل سياسات العزل والضغط في تحقيق أهدافها.

إعلان

إن عودة سوريا للمشهد الإقليمي والدولي ستساهم -بلا شك- في تعزيز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، وستفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي والأمني بين مختلف دول المنطقة. كما ستمثل فرصة حقيقية للشعب السوري لتجاوز سنوات المعاناة، والبدء في بناء مستقبل أفضل يليق بتاريخ وحضارة هذا البلد العريق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان