الولاية على البلدان في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه)

علي بن أبي طالب.. فداء النبي ومستشار الخلفاء وخاتمة الخلافة الراشدة
كان أبوبكر -رضي الله عنه- يشاور كثيرين من الصحابة قبل اختيار أحد من الأمراء، سواء على الجند أو على البلدان (مواقع التواصل الاجتماعي)

كان أبوبكر يستعمل الولاة في البلدان المختلفة، ويعهد إليهم بالولاية العامة في الإدارة، والحكم، والإمامة، وجباية الصدقات، وسائر أنواع الولايات، وكان ينظر إلى حسن اختيار الرسول للأمراء والولاة على البلدان، فيقتدي به في هذا العمل.

ولهذا نجده قد أقر جميع عمال الرسول الذين توفي الرسول (ﷺ) وهم على ولايتهم، ولم يعزل أحدًا منهم إلا ليعينه في مكان آخر أكثر أهميةً من موقعه الأول، وبرضاه، كما حدث لعمرو بن العاص.

وكانت مسؤوليات الولاة في عهد أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) بالدرجة الأولى امتدادًا لصلاحياتهم في عصر الرسول (ﷺ)، خصوصًا الولاة الذين سبق تعيينهم أيام الرسول (ﷺ)، ويمكن تلخيص أهم مسؤوليات الولاة في عصر أبي بكر، وهي:

  • إقامة الصلاة، وإمامة الناس: وهي المهمة الرئيسية لدى الولاة؛ نظرًا لما تحمله من معانٍ دينية ودنيوية، وسياسية واجتماعية، حيث الولاة يؤمون الناس، وعلى وجه الخصوص في صلاة الجمعة، والأمراء دائمًا كانت توكل إليهم الصلاة، سواء كانوا أمراء على البلدان، أم أمراء على الأجناد.
  • الجهاد: كان يقوم به أمراء الأجناد في بلاد الفتح، فكانوا يتولون أموره، وما فيه من مهام مختلفة بأنفسهم، أو ينيبون غيرهم في بعض المهام، كتقسيم الغنائم، أو المحافظة على الأسرى، أو غير ذلك، وكذلك ما يتبع هذا الجهاد من مهام أخرى، كمفاوضة الأعداء، وعقود المصالحة معهم، وغيرها.

كان للولاة دور رئيسي في تعليم الناس أمور دينهم، وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولون عليها، وكان كثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد، يعلمون الناس القرآن والأحكام، وذلك عملًا بسنة الرسول (ﷺ)

ويتساوى في المهمات الجهادية أمراء الأجناد في الشام، والعراق، وكذلك الأمراء في البلاد التي حدثت فيها الردة، كاليمن والبحرين وعمان ونجد، نظرًا لوجود تشابه في العمليات الجهادية مع اختلاف الأسباب الموجهة لهذه العمليات.

  • إدارة شؤون البلاد المفتوحة، وتعيين القضاة والعمال عليها من قبل الأمراء أنفسهم، وبإقرار من الخليفة أبي بكر، أو تعيين من أبي بكر (رضي الله عنه) عن طريق هؤلاء العمال (العمري، 1/55).
  • أخذ البيعة للخليفة: فقد قام الولاة في اليمن، وفي مكة والطائف وغيرها، بأخذ البيعة لأبي بكر (رضي الله عنه) من أهل البلاد التي كانوا يتولون عليها.
  • كانت هناك أمور مالية توكل إلى الولاة، أو إلى من يساعدهم ممن يعينهم الخليفة أو الوالي لأخذ الزكاة من الأغنياء، وتوزيعها على الفقراء، أو أخذ الجزية من غير المسلمين، وصرفها في محلها الشرعي، وهي امتداد لما قام به ولاة الرسول (ﷺ) في هذا الخصوص.
  • تجديد العهود القائمة من أيام الرسول (ﷺ): حيث قام والي نجران بتجديد العهد الذي كان بين أهلها وبين الرسول (ﷺ) بناءً على طلب نصارى نجران (العمري، 1/59).
  • كان من أهم مسؤوليات الولاة إقامة الحدود، وتأمين البلاد، وهم يجتهدون رأيهم فيما لم يكن فيه نص شرعي، كما فعل المهاجر بن أبي أمية بالمرأتين اللتين تغنتا بذم الرسول (ﷺ)، وفرحتا بوفاته، وسيأتي بيان ذلك -بإذن الله تعالى- في جهاد الصديق لأهل الردة.
  • كان للولاة دور رئيسي في تعليم الناس أمور دينهم، وفي نشر الإسلام في البلاد التي يتولون عليها، وكان كثير من هؤلاء الولاة يجلسون في المساجد، يعلمون الناس القرآن والأحكام، وذلك عملًا بسنة الرسول (ﷺ).
إعلان

وتعتبر هذه المهمة من أعظم المهام وأجلِّها في نظر الرسول (ﷺ) وخليفته أبي بكر، وقد اشتهر عن ولاة أبي بكر ذلك، حيث يتحدث أحد المؤرخين عن عمل زياد، والي أبي بكر على حضرموت، فيقول: فلما أصبح زياد غدا يقرئ الناس، كما كان يفعل قبل ذلك (الطبري، 3/165).

كان أبوبكر -رضي الله عنه- يشاور كثيرين من الصحابة قبل اختيار أحد من الأمراء، سواء على الجند أو على البلدان، ونجد في مقدمة مستشاري أبي بكر في هذا الأمر عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهما

وبهذا التعليم كان للولاة دور كبير في نشر الإسلام في ربوع البلاد التي يتولونها، وبهذا التعليم تثبت أقدام الإسلام، سواء في البلاد المفتوحة حديثة العهد بالإسلام، أو في البلاد التي كانت مسلمةً وارتدت، وهي حديثة عهد بالردة جاهلة بأحكام دينها، إضافة إلى أن البلاد المستقرة، كمكة والطائف والمدينة، كان بها من يقرئ الناس بأمر من الولاة أو الخليفة نفسه، ومن يعينه الخليفة على التعليم في هذه البلدان (العمري، 1/60).

وقد كان الوالي هو المسؤول مسؤوليةً مباشرةً عن إدارة الإقليم الذي يتولاه، وفي حالة سفر هذا الوالي، فإنه يتعين عليه أن يستخلف أو ينيب عنه من يقوم بعمله حتى يعود هذا الوالي إلى عمله، ومن ذلك أن المهاجر بن أبي أمية عينه الرسول (ﷺ) على كندة، ثم أقره أبوبكر بعد وفاة الرسول، ولم يصل المهاجر إلى اليمن مباشرةً، وتأخر نظرًا لمرضه، فأرسل إلى زياد بن لبيد ليقوم عنه بعمله حتى شفائه، وقدومه، وقد أقر أبوبكر ذلك (العمري، 1/61)، كذلك كان خالد أثناء ولايته للعراق ينيب عنه في الحيرة من يقوم بعمله حتى عودته.

وكان أبوبكر -رضي الله عنه- يشاور كثيرين من الصحابة قبل اختيار أحد من الأمراء، سواء على الجند أو على البلدان، ونجد في مقدمة مستشاري أبي بكر في هذا الأمر عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وغيرهما (العمري، 1/55).

كما كان أبو بكر -رضي الله عنه- يشاور الشخص الذي يريد توليته قبل أن يعينه، وعلى وجه الخصوص إذا أراد أن ينقل الشخص من ولاية إلى أخرى، كما حدث حينما أراد نقل عمرو بن العاص من ولايته التي ولاه عليها الرسول (ﷺ) إلى ولاية جند فلسطين، فلم يصدر أبو بكر قراره إلا بعد أن استشاره، وأخذ منه موافقةً على ذلك، وكذلك الحال بالنسبة للمهاجر بن أبي أمية، الذي خيره أبو بكر بين اليمن أو حضرموت، فاختار المهاجر اليمن، فعينه أبو بكر عليها.

كانت معاملة أبي بكر للولاة تتسم بالاحترام المتبادل، الذي لم تشبه شائبة. وأما عن الاتصالات بين الولاة وبين الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه- فقد كانت تجري بصفة دائمة، وكانت هذه الاتصالات تختص بمصالح الولاية، ومهام العمل

ومن الأمور التي سار عليها أبو بكر -رضي الله عنه- أنه كان يعمل بسنة النبي (ﷺ) في تولية بعض الناس على قومهم إذا وجد فيهم صلحاء، كالطائف وبعض القبائل، وكان أبو بكر -رضي الله عنه- عندما يريد أن يعين شخصًا على ولاية يكتب للشخص المعين عهدًا له على المنطقة التي ولاه عليها، كما أنه في كثير من الأحيان قد يحدد له طريقه إلى ولايته، وما يمر عليه من أماكن، خصوصًا إذا كان التعيين مختصًا بمنطقة لم تفتح بعد، ولم تدخل ضمن سلطات الدولة، ويتضح ذلك في حروب الردة، وفتوح الشام والعراق.

وقام الصديق أحيانًا بضم بعض الولايات إلى بعض، خصوصًا بعد الانتهاء من قتال المرتدين؛ فقد ضم أبو بكر كندة إلى زياد بن لبيد البياضي، وكان واليًا على حضرموت، واستمر بعد ذلك واليًا لحضرموت، وكندة (العمري، 1/55).

وكانت معاملة أبي بكر للولاة تتسم بالاحترام المتبادل، الذي لم تشبه شائبة. وأما عن الاتصالات بين الولاة وبين الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه- فقد كانت تجري بصفة دائمة، وكانت هذه الاتصالات تختص بمصالح الولاية، ومهام العمل، فقد كان الولاة كثيرًا ما يكتبون لأبي بكر في مختلف شؤونهم يستشيرونه، وكان أبو بكر يكتب لهم الإجابة عن استفساراتهم، أو يوجه لهم أوامره.

إعلان

وكانت الرسل تأتي بالأخبار من الولاة، سواء أخبار الجهاد أو -قبل ذلك- جبهات حروب المرتدين، وكذلك كان الولاة يبعثون بأخبار ولاياتهم من تلقاء أنفسهم، وكان الولاة يتصل بعضهم ببعض عن طريق الرسل، أو عن طريق الاتصال المباشر، واللقاءات، وتتمثل هذه اللقاءات والاتصالات بالدرجة الأولى بين ولاة اليمن وحضرموت بعضهم مع بعض.

وكذلك الحال بالنسبة لولاة الشام، الذين كانوا كثيرًا ما يجتمعون لتدارس أمورهم العسكرية بالدرجة الأولى، والكثير من مراسلات أبي بكر -رضي الله عنه- كانت تختص بحث الولاة على الزهد في الدنيا، وطلب الآخرة، وكانت بعض هذه النصائح تصدر على شكل كتب عامة رسمية من الخليفة نفسه إلى مختلف الولاة، وأمراء الأجناد (العمري، 1/56).

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان