- تحوّل ما بعد الزوال
مع انهيار النظام السابق في سوريا، وبدء مرحلة انتقالية تقودها قوى سياسية ومدنية جديدة، برز سؤال محوري حول شكل العلاقات الخارجية لسوريا في العهد الجديد.
لم تعد السياسة الخارجية خاضعة للاعتبارات الأمنية الضيقة، بل بدأت تعكس إرادة وطنية تسعى لاستعادة موقع سوريا الطبيعي في الإقليم والمجتمع الدولي.
وهذا المقال يستعرض بعض الإنجازات المحققة فعلًا في إطار هذا التحول، بالإضافة إلى محاولة رصد الاتجاهات المحتملة للعلاقات الدولية لسوريا الجديدة، من منظور سياسي وتحليلي.
بينما كانت روسيا وإيران شريكتين أساسيتين للنظام السابق، فإن سوريا الجديدة قد تميل إلى علاقات أكثر توازنًا، تحافظ على استقلالية القرار الوطني، مع انفتاح محسوب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة
إرث ثقيل من العزلة والتحالفات الأحادية
عانى النظام السابق من عزلة دولية طويلة بسبب خياراته السياسية وتحالفاته الصلبة مع إيران وروسيا، إلى جانب نهج أمني- عسكري أدى إلى قطيعة شبه تامة مع المحيطَين: العربي، والغربي.
في مرحلة ما بعد التحرير، سيكون على القيادة الجديدة التعامل مع هذا الإرث بعقلانية، وتحديد ما يجب تفكيكه، وما يجب الحفاظ عليه من البنية السابقة.
أولويات العلاقات الخارجية في سوريا الجديدة
- استعادة الدور الإقليمي: بدأت سوريا الجديدة في إعادة بناء علاقاتها الإقليمية على أسس المصالح المشتركة والاحترام المتبادل؛ فقد تمت إعادة فتح السفارات مع العديد من الدول العربية، وتم توقيع اتفاقيات تعاون جديدة في مجالات الطاقة والتجارة والأمن الغذائي، لا سيما مع الأردن والعراق ومصر.
كما عادت سوريا لتشغل مقعدها في جامعة الدول العربية بعد غياب طويل، وهو ما يشكل اعترافًا عربيًّا بتغير حقيقي في طبيعة النظام السياسي.
- انفتاح دولي على سوريا الجديدة: على المستوى الدولي، أظهرت دول أوروبية عديدة استعدادًا للتعامل مع الحكومة الجديدة في سوريا؛ إذ تمت دعوة سوريا لحضور مؤتمرات دولية حول إعادة الإعمار واللاجئين، وبدأت بعض الدول بتقديم مساعدات مباشرة للمؤسسات المستقلة والمجالس المحلية.
سوريا ما بعد الأسد تقف أمام لحظة فارقة، تعيد فيها صياغة علاقاتها الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية العليا، ويضمن استقلال قرارها السياسي، ويحقق تنمية اقتصادية مستدامة
كما عادت المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول اتفاقيات التجارة والتنمية، وتم إلغاء بعض العقوبات المفروضة سابقًا على الشخصيات والكيانات الحكومية.
- الانفتاح على الجوار العربي: من المرجح أن تسعى سوريا إلى استعادة موقعها الطبيعي ضمن محيطها العربي، خاصة مع دول الخليج ومصر والأردن.
هذا الانفتاح لا يقتصر على الاعتراف السياسي، بل يشمل شراكات اقتصادية واستثمارية قد تكون ضرورية لمرحلة إعادة الإعمار.
- إعادة التوازن في العلاقات الدولية: بينما كانت روسيا وإيران شريكتين أساسيتين للنظام السابق، فإن سوريا الجديدة قد تميل إلى علاقات أكثر توازنًا، تحافظ على استقلالية القرار الوطني، مع انفتاح محسوب على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، دون القطيعة مع الشرق.
طريق العودة إلى الخارطة الدولية
سوريا ما بعد الأسد تقف أمام لحظة فارقة، تعيد فيها صياغة علاقاتها الخارجية بما يخدم مصالحها الوطنية العليا، ويضمن استقلال قرارها السياسي، ويحقق تنمية اقتصادية مستدامة.
وقد أثبتت المرحلة الجديدة أن سوريا ليست محكومة بعزلتها السابقة، والعلاقات الخارجية لم تعد مجرد امتداد لصراعات داخلية، بل أصبحت وسيلة لتحقيق الاستقرار والتنمية.
ومع استمرار هذا التوجه، يمكن لسوريا أن تعود فاعلًا إقليميًّا ودوليًّا يحظى بالاحترام والشراكة، لا التوجس والعقوبات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.