شعار قسم مدونات

القيم الإنسانية في الشورى.. (الحرية والعدالة)

المسجد النبوي 241060945
الكاتب: كان النبي ﷺ سياسيًا محنكًا فقد أعطى الحرية للمسلمين وغيرهم وذلك من خلال دستور جامع لكل المواطنين (شترستوك)

إن شريعة الإسلام أقرّت الشورى الإنسانية في أبهى حُلة عرفها بنو البشر من حيث الشكل والمضمون؛ حيث جسدت الشورى في الإسلام قيم الحرية والعدالة والمساواة في المجتمع الإسلامي، ولم يقتصر ذلك على الرعايا المسلمين في الدولة الإسلامية، بل شمل غير المسلمين من أهل الذمة وغيرهم.

فقد ركز الإسلام من خلال إقراره للشورى على أهمية حرية الإنسان، وضرورة احترام كرامته، واعتبره مسؤولًا عن أفعاله أمام الله وأمام الناس، مستهدفًا بذلك حماية النفس والمال والعرض والكرامة الإنسانية بشكل متوازن.

إن من الواجب على الدولة الإسلامية أن تقيم العدل بين الناس، وتفسح المجال وتيسر السبل أمام كل إنسان يطلب حقه أن يصل إلى حقه بأيسر السبل وأسرعها، دون أن يكلفه ذلك جهدًا أو مالًا

وللحرية في النظام السياسي الإسلامي أنواع تشمل الفرد والجماعة، من أبرزها الحرية الشخصية، وهي أن يستطيع الفرد فعل ما يريد بشرط ألا يضر بالآخرين، وقد كفل الإسلام حرية الأفراد في الاعتقاد والفكر.. قال تعالى: {لا إكراه في الدِّين قد تبيَّن الرُّشد من الغيِّ فمن يكفر بالطَّاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميعٌ عليمٌ} [البقرة: 256]

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- سياسيًا محنكًا؛ فقد أعطى الحرية للمسلمين وغير المسلمين، وذلك من خلال دستور جامع لكل المواطنين، عندما أراد استيعاب اليهود كسكان للمدينة المنورة تحت رايته وحكمه، ولم يشأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اتخاذ سياسة الاستئصال أو التطهير الديني ضد غير المسلمين، بل كان نهجه إعطاء هامش أوسع للحريات الدينية (الشورى، د. سامي الصلاحات، ص329).

دلت صحيفة المدينة بوضوح وجلاء على عبقرية الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صياغة موادها، وتحديد علاقات الأطراف بعضها ببعض، فقد كانت موادها مترابطة وشاملة، وتصلح لعلاج الأوضاع في المدينة آنذاك، وفيها من القواعد والمبادئ ما يحقق العدالة المطلقة، والمساواة التامة بين البشر، وأن يتمتع بنو الإنسان، على اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأديانهم، بالحقوق والحريات بأنواعها (دولة الرسول من التكوين إلى التمكين، كامل الدقس، ص 420).

إعلان

ولا تزال المبادئ التي تضمنها الدستور -في جملتها- معمولًا بها، والأغلب أنها ستظل كذلك في مختلف نظم الحكم المعروفة إلى اليوم، وقد وصل إليها الناس بعد قرون من تقريرها في أول وثيقة سياسية دوَّنها الرسول، صلى الله عليه وسلم (النظام السياسي لأبي فارس، ص65)؛ فقد أعلنت الصحيفة أن الحريات مصونة، كحرية العقيدة والعبادة، وحق الأمن.. إلخ.

فحرية الدين مكفولة، «للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم»، وقد أنذرت الصحيفة بمعاقبة من يخالف هذا المبدأ، أو يكسر هذه القاعدة، وقد نصت الوثيقة على تحقيق العدل ومبدأ المساواة بين الناس.

إن في فقه أهل الذمة عند علماء الشريعة والسياسة الشرعية ما يشير إلى أن علماءنا كانوا منصفين وعادلين لأهل الذمة؛ وكان لهم حقوق على أساس المواطنة والحرية الكاملة لهم، وليس على أساس الدين والقومية

وعليها أن تمنع أي وسيلة من الوسائل التي من شأنها أن تعوق صاحب الحق عن الوصول إلى حقه.

لقد أوجب الإسلام على الحكام أن يقيموا العدل بين الناس دون النظر إلى لغاتهم أو أوطانهم، أو أحوالهم الاجتماعية، فهو يحكم بين المتخاصمين، ويحكم بالحق، ولا يهمه أن يكون المحكوم لهم أو عليهم أصدقاء أو أعداء، أغنياء أو فقراء، عمالًا أو أصحاب عمل.. قال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنَّكم شنآن قومٍ على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون} [المائدة: 8]، والمعنى: لا يحملنكم بغض قوم على ظلمهم، ومقتضى هذا أنه لا يحملنكم حب قوم على محاباتهم والميل إليهم (السيرة النبوية، د. علي الصلابي، ج1 ص 275 – 276).

وقال تعالى: {فلذلك فادعُ واستقم كما أُمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتابٍ وأُُمرت لأعدل بينكم الله ربُّنا وربُّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجَّة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير} [الشورى: 15].

وقد علق المودودي -رحمه الله- على هذه الآية قائلًا: "يعني أنني مأمور بالإنصاف دومًا، فليس من شأني أن أتعصب لأحد أو ضد أحد، وعلاقتي بالناس كلهم سواء، وهي علاقة العدل والإنصاف، فأنا نصير من كان الحق في جانبه، وخصيم من كان الحق ضده، وليس في ديني أي امتيازات لأي فرد كائنًا من كان، وليس لأقاربي حقوق وللغرباء حقوق أخرى، ولا للأكابر عندي مميزات لا يحصل عليها الأصاغر، والشرفاء والوضعاء عندي سواء، فالحق حق للجميع، والذنب والجرم ذنب للجميع، والحرام حرام على الكل، والحلال حلال للكل، والفرض فرض على الكل، حتى أنا لست مستثنى من سلطة القانون الإلهي (الحكومة الإسلامية لأبي الأعلى المودودي، ص202).

وقال تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًّا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتَّبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تُعرضوا فإنّ الله كان بما تعملون خبيرًا} [النساء:135].

إن دعامتَي العدل والحرية أصلان أساسيان في شريعتنا، ولا يخفى أنهما دعامتا القوة والاستقامة في جميع الممالك

إن في فقه أهل الذمة عند علماء الشريعة والسياسة الشرعية ما يشير إلى أن علماءنا كانوا منصفين وعادلين لأهل الذمة؛ وكان لهم حقوق على أساس المواطنة والحرية الكاملة لهم، وليس على أساس الدين والقومية، ولم يشهد عصر إسلامي على مدار الحضارة الإسلامية أي عملية تطهير عرقي أو استئصال ديني لأي جماعة دينية أو عرقية، بل كانت الديار الإسلامية دائمًا الحاضنة الأولى لأي جماعة تريد أن تحتفظ بكينونتها الدينية والثقافية، كما كان الحال مع اليهود وهروبهم من الأندلس (إسبانيا الحالية) جراء القمع الصليبي والتطهير الديني إلى دار الإسلام، ولم تكن العنصرية يومًا من الأيام حاضرةً في دعوة الإسلام.

إعلان

وقد توفرت في ظل الحكم الإسلامي دائمًا حرية العمل وحرية التعليم، وحرية التظلم ضد من يسبب لإنسان الأذى، ولو كان حاكمًا أو مسؤولًا في السلطة، وحرية السكن والإقامة.. إلخ، وذلك للمسلمين ولغير المسلمين.

كما أن حرية الفرد المسلم في إبداء رأيه والتعبير عنه مكفولة في الدولة الإسلامية، وكذلك حريته في الانتماء الفكري لأي جماعة تحت مظلة الإسلام، ما دامت هذه الجماعة تتخذ من الإسلام منهجًا فكريًا، ومن أصوله العقائدية قواعد في التفكير، فلا حرج على الفرد في هذا الانتماء، إذ إن الطبائع تختلف في الوسيلة، وتتفق في المآل والمصير، لا سيما إذا كان الطريق واحدًا، وهو طريق الإسلام.

إن دعامتَي العدل والحرية أصلان أساسيان في شريعتنا، ولا يخفى أنهما دعامتا القوة والاستقامة في جميع الممالك (الشورى فريضة إسلامية، د. علي الصلابي، ص155).

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان