شعار قسم مدونات

بين طهران وتل أبيب: كيف ألغت التكنولوجيا المسافة في النزاع؟

شمال إسرائيل إثر الصاروخ الإيراني
شمال إسرائيل إثر الصاروخ الإيراني (الجزيرة)

لطالما شكّل البعد الجغرافي عاملًا حاسمًا في رسم موازين القوى والنزاعات العسكرية، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي تميزت بتضاريسها المتنوعة ومساحات شاسعة يصعب السيطرة عليها.

التحول في طبيعة الحروب يعيد تعريف مفهوم "المسافة"، لتصبح السيطرة على شبكات المعلومات، والخوارزميات، وأنظمة التحكم عن بُعد هي مفتاح التفوق العسكري، بدلًا من مجرد عدد الدبابات أو الجنود

بيدَ أن التطورات العسكرية الحديثة أظهرت أن المسافة بين الدول لم تعد عائقًا في الحروب، خصوصًا في الصراع المستعر بين إيران وإسرائيل.

الهجمات التي نفذها العدو الإسرائيلي مؤخرًا داخل الأراضي الإيرانية، مستهدفة مواقع حساسة وأهدافًا إستراتيجية، جاءت لتؤكد قدرة التكنولوجيا المتقدمة على تجاوز الحواجز الجغرافية.

إذ لم تعد الحاجة ملحّة لحشد جيوش ضخمة أو لعمليات برية معقدة، بل باتت الطائرات المسيّرة والصواريخ الموجهة بالذكاء الاصطناعي أدوات رئيسية تمكن من ضرب أهداف بعيدة بدقة متناهية وبخسائر محدودة.

وليس هذا فحسب، فالصراع في أوكرانيا يقدم نموذجًا آخر على تحول طبيعة الحروب، حيث تحولت ميادين القتال إلى ساحات افتراضية يسيطر عليها الذكاء الاصطناعي، والهجمات السيبرانية، والطائرات المسيّرة، مما قلّص من أهمية المعارك التقليدية والمواجهات المباشرة.

هذا التحول يعيد تعريف مفهوم "المسافة" في الحروب، لتصبح السيطرة على شبكات المعلومات، والخوارزميات، وأنظمة التحكم عن بُعد هي مفتاح التفوق العسكري، بدلًا من مجرد عدد الدبابات أو الجنود.

في خضم هذا الواقع الجديد، تبرز أهمية الاستثمار في التكنولوجيا العسكرية المتطورة، حيث تستطيع الدول التي تستثمر في البحث والتطوير وتطوير القدرات الذاتية أن تحقق تفوقًا نوعيًا، حتى وإن كانت جغرافيًا صغيرة أو محدودة الموارد.

في زمن باتت فيه المعارك تُحسم على الشاشات قبل أن تبدأ في الميدان، لا يمكن لأي دولة أن تعتمد على ترسانة من الأسلحة التقليدية دون دعمها ببنية تقنية متقدمة وقوة معلوماتية

تحليل المستقبل وتوصيات

مع تزايد الاعتماد على التكنولوجيا في الحروب، تظهر تحديات وفرص جديدة على الساحة العربية. فعلى الرغم من ثراء بعض الدول العربية بالموارد المالية، فإن الفجوة التكنولوجية لا تزال كبيرة، الأمر الذي يهدد أمنها واستقرارها في مواجهة تحالفات إقليمية ودولية متقدمة تقنيًا.

إعلان

لذلك، لا بد من إعادة النظر في إستراتيجية الأمن القومي العربي، لتكون قائمة على:

  • الاستثمار في البحث والتطوير المحلي: تأسيس مراكز بحثية وشركات تكنولوجية دفاعية لتطوير حلول محلية تلبي الاحتياجات الأمنية.
  • بناء تحالفات تقنية وإستراتيجية: الدخول في شراكات مع دول تمتلك تقنيات متقدمة في مجالات الذكاء الاصطناعي، الطائرات المسيّرة، والدفاع السيبراني.
  • تطوير القدرات السيبرانية: تعزيز الدفاع السيبراني لحماية البنى التحتية الحيوية من الهجمات الرقمية التي باتت جزءًا لا يتجزأ من الحروب الحديثة.
  • التدريب والتأهيل: إعداد أجيال جديدة من الكوادر العسكرية والمدنية القادرة على التعامل مع تقنيات الحرب الحديثة.
  • الرسالة واضحة: في زمن باتت فيه المعارك تُحسم على الشاشات قبل أن تبدأ في الميدان، لا يمكن لأي دولة أن تعتمد على ترسانة من الأسلحة التقليدية دون دعمها ببنية تقنية متقدمة وقوة معلوماتية.

إن الفارق بين الدول القوية والضعيفة اليوم، هو ليس في المسافة الجغرافية التي تفصل بينها، بل في مدى سيطرتها على أدوات الحروب الرقمية والذكية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان