شعار قسم مدونات

ماذا لو تدخلت باكستان النووية فعليًّا إلى جانب إيران؟

إيران وباكستان.. أزمة جديدة أم مجرد سحابة صيف عابرة؟
باكستان تؤكد عمق العلاقات التي تربطها بإيران (الجزيرة)

في الوقت الذي تنهمك فيه تل أبيب في ارتكاب المجازر اليومية على امتداد ما تبقى من قطاع غزة، وبينما يتسابق الحلف الغربي لإمدادها بالسلاح والدعم السياسي، جاءت تصريحات وزير الدفاع الباكستاني لتفتح بابًا طالما ظلّ مغلقًا: هل يمكن أن تتحوّل المواقف الإسلامية من بيانات إدانة إلى تحركات إستراتيجية؟ وماذا لو قرّرت باكستان -القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي- الدخول ميدانيًّا في المعادلة؟ ماذا لو اختارت إسلام آباد أن تكسر عزلة طهران وتمنحها غطاءً إسلاميًّا غير مسبوق، بدعم تركي لوجيستي وسياسي؟ ألن تتغيّر حينها قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط بأكمله؟

منذ انطلاق الحرب، واجهت إيران ضغوطًا هائلة بين ضرورة الرد على إسرائيل، وبين كلفة الانزلاق إلى مواجهة شاملة. وقد بدت وحيدة في خط الدفاع، رغم أن خطابها الموجّه للمنطقة لطالما تضمّن نداءات للتوحّد ضد "العدو المشترك"

باكستان.. العملاق الإسلامي النائم

رغم امتلاكها السلاح النووي منذ أكثر من عقدين، حافظت باكستان على سياسة "الردع الصامت"، فلا هي دخلت في تحالفات هجومية، ولا استُدرجت إلى صراعات إقليمية كبرى.

غير أن تصريحات وزير دفاعها، التي دعت الدول الإسلامية للرد على "العدوان الإسرائيلي الغاشم"، بدت مختلفة هذه المرة. لقد لامس خطابه نبض الشارع المسلم الغاضب، وحرّك توقعات لم تكن مطروحة: ماذا لو جاء الرد الباكستاني على شكل دعم مباشر لإيران؟ وهل يمكن أن تشكّل هذه الخطوة تحوّلًا تاريخيًّا في الموقف الإسلامي من الكيان الإسرائيلي؟

إيران ليست وحدها

منذ انطلاق الحرب، واجهت إيران ضغوطًا هائلة بين ضرورة الرد على إسرائيل، وبين كلفة الانزلاق إلى مواجهة شاملة. وقد بدت وحيدة في خط الدفاع، رغم أن خطابها الموجّه للمنطقة لطالما تضمّن نداءات للتوحّد ضد "العدو المشترك".

لكن إذا ما شعرت طهران أن دولة بحجم باكستان، وبدعم لوجيستي من تركيا، قرّرت الوقوف إلى جانبها، فإن ميزان الردع سيتحوّل لصالح محور المقاومة، ليس عسكريًّا فحسب، بل رمزيًّا وأيديولوجيًّا.

حينها لن يكون الرد الإيراني على إسرائيل مجرد خيار انتحاري، بل تحركًا داخل جبهة إسلامية متكاملة. وهذا ما سيجعل أي مغامرة إسرائيلية باهظة الثمن، ويُلزم الغرب بمراجعة انحيازه المطلق.

إن الدعم الإسلامي -حين يتعدّى الخطابات- قد لا يعني الدخول المباشر في الحرب، بل إعادة صياغة المشهد: من إرسال مساعدات عسكرية لإيران، إلى توفير التغطية الجوية أو الاستخباراتية، إلى استضافة مؤتمرات طارئة تنسّق الردود وتحشد الرأي العام العالمي

تركيا.. حلقة الوصل الحاسمة

رغم عضويتها في الناتو، لعبت تركيا دورًا مركبًا في الصراع؛ فقد عبّرت قيادتها عن مواقف متقدمة في دعم غزة، وتجرّأت على وصف إسرائيل بالإرهاب.

إعلان

لكن أن تنتقل أنقرة من المواقف السياسية إلى الإمداد والدعم اللوجيستي لمحور المقاومة، فذلك تحوّل لم يحدث بعد. في السيناريو الذي نتخيّله هنا، ستكون تركيا هي "الأسلوب"، على حد تعبير المفكر المغربي محمد عابد الجابري، أي الوسيط الذي يزوّد الحلف الناشئ بالأدوات: (التقنيات، الممرات، الوساطات، الدبلوماسية الذكية).

فهل تكون باكستان (الطاقة النووية)، وإيران (العدو الإقليمي)، وتركيا (الأسلوب الذكي)، في مواجهة نظام دولي يصمّ آذانه عن مذابح غزة؟ وهل يعيد ذلك التوازنَ إلى نظام عالمي اختلّ ميزانه؟

تفكيك احتكار الدعم الغربي لإسرائيل

لم يكن الغرب ليواصل دعمه المطلق لإسرائيل لو لم يكن متيقنًا من غياب أي ردع عربي أو إسلامي؛ لكن ظهور محور ثلاثي، يضم باكستان (القوة) وإيران (الاحتكاك) وتركيا (الوساطة)، قد يُجبر واشنطن وبروكسل على مراجعة حساباتهما، بل لعلّ هذا المحور -إذا وُلد- يفتح المجال أمام دول إسلامية أخرى، مثل إندونيسيا وماليزيا، لتشكيل جبهة دعم دبلوماسية وإعلامية واقتصادية، تُعيد الاعتبار للحق الفلسطيني.

إن الدعم الإسلامي -حين يتعدّى الخطابات- قد لا يعني الدخول المباشر في الحرب، بل إعادة صياغة المشهد: من إرسال مساعدات عسكرية لإيران، إلى توفير التغطية الجوية أو الاستخباراتية، إلى استضافة مؤتمرات طارئة تنسّق الردود وتحشد الرأي العام العالمي.

هل نبالغ في الطموح؟ ربما.. لكن مأساة غزة، وصمت العالم، وتواطؤ القوى الكبرى، كلها أسباب كافية لتبرير هذا الحلم. فالأمم، حين تُجبر على الاختيار، قد تكتب أعظم فصول تاريخها

وماذا عن الدول العربية؟

في هذا السيناريو الافتراضي، تخرج الدول العربية من موقع المتفرّج لتقف على المفترق الحاسم: إما الانخراط في جبهة إسلامية تنهي سنوات الصمت، أو البقاء أسرى التحالفات التقليدية التي لم تَجنِ للعرب إلا مزيدًا من التبعية.

إن ما تفعله إسرائيل في غزة ليس مجرد حرب، بل إعلان سقوط النظام الأخلاقي الدولي. وأي تردد في الانحياز الصريح للضحايا هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة.

هل تحرّك باكستان الساكن؟

"ماذا لو تدخلت باكستان فعليًّا إلى جانب إيران؟".. هذا ليس مجرد سؤال، بل هو اختبار حقيقي لإمكانات الأمة! فالتاريخ لا يُكتب بالمواقف الرمزية، بل بالتحولات الحاسمة.

نحن أمام لحظة كاشفة: إما أن تظلّ باكستان أسيرة الموازنة بين الهند والخليج، أو أن تُقدِم على أول تحرك إستراتيجي يخرجها من عزلتها، ويُعيد الاعتبار للدور الإسلامي الجامع.

هل نبالغ في الطموح؟ ربما.. لكن مأساة غزة، وصمت العالم، وتواطؤ القوى الكبرى، كلها أسباب كافية لتبرير هذا الحلم. فالأمم، حين تُجبر على الاختيار، قد تكتب أعظم فصول تاريخها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان