قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب لصحيفة "وول ستريت جورنال": "إن أميركا كانت على علم بخطة إسرائيل للهجوم على إيران"، وأضاف: "هذا الهجوم سيكون جيدًا للأسواق، لأن إيران لن تمتلك سلاحًا نوويًّا".
من النووي تبدأ الحرب وهنا تنتهي، حيث يجد الأميركي -كما الإسرائيلي- في موضوع التخصيب الإيراني لليورانيوم خطًّا أحمر لا يجب تخطيه، وأن ذهاب القيادة الإيرانية إلى امتلاك القنبلة النووية لن يحدث -بحسب الخطاب الترامبي- حتى لو كانت الكلفة حربًا كبرى في المنطقة.
كما الإسرائيلي، كذلك الأميركي الذي يعمل على خطين متوازيين في شأن الملف النووي، الأول يرتبط بالدور الذي تلعبه واشنطن للحفاظ على أمن إسرائيل من أي خطر يهدد وجودها
لا خلاف على الفيتو الأميركي والإسرائيلي تجاه الملف النووي الإيراني، لأنّ المسألة عند الإسرائيلي ترتبط بالخطر الداهم على وجوده ككيان.
إذ كشفت القناة 12 الإسرائيلية أن واحدًا من أسباب الهجوم الإسرائيلي على إيران هو السعي لإحباط مخطط إيراني كان يهدف إلى زعزعة أسس إسرائيل؛ حيث أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بلاده نفذت ضربة استباقية على إيران، معتبرًا أن إيران تقدمت بشكل ملحوظ نحو امتلاك سلاح نووي.
لهذا تدرك إسرائيل أن إيران تشكل خطرًا دائمًا على كينونتها، وهذا يوجب عليها التحرك والتصرف بشكل سريع ومفاجئ لقطع الطريق على أهدافها، كما فعلت صباح الجمعة، 13 يونيو/ حزيران الجاري.
كما الإسرائيلي، كذلك الأميركي الذي يعمل على خطين متوازيين في شأن الملف النووي، الأول يرتبط بالدور الذي تلعبه واشنطن للحفاظ على أمن إسرائيل من أي خطر يهدد وجودها.
والثاني يتعلق بالحفاظ على مصالحها العليا في المنطقة، وحماية أمن جنودها المنتشرين في الدول العربية، على اعتبار أنّ إيران ستُقدم على ضرب المواقع الأميركية كهدف إستراتيجي لها.
لا يبدو أن المنطقة ذاهبة نحو الاستقرار، على الأقل في المدى المنظور، كما أن الضربات المتكررة دون التوصل إلى احتوائها تأتي كنتيجة لرغبة أميركية واضحة بأخذ إيران إلى مفاوضات مشروطة، ترتبط بإنهاء ملفها النووي
ليس الأميركي أو الإسرائيلي فقط من لا يريد أن تمتلك إيران سلاحًا نوويًّا، فهناك الأطراف المستجدة في تقاربها مع طهران، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، التي لا ترغب في وصول طهران إلى القنبلة النووية؛ لأنّ هذا يشكل خطرًا، لاسيما أنّ للمملكة تجربة سيئة مع أطماع إيران، عبر جماعة الحوثي التي خاضت معها "عاصفة الحزم" عام 2015.
رغم التعاون الروسي الإيراني في مجال الطاقة النووية، فإنّ المتابع يدرك أن وجود دولة نووية في الجوار الروسي ليس بمستحب، وقد يشكل خطرًا في وقت لاحق إن حدث تغيير للنظام، أو تفككت الروابط بين البلدين. لهذا عرضت روسيا في وقت سابق عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف نقل فائض الإنتاج من التخصيب إلى أراضيها. كما أن تقدُّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمبادرة روسية ولعب دور الوسيط، ذلك يُظهر حماسة موسكو للتوصل إلى اتفاق على أساس ملف إيران النووي.
لا يبدو أن المنطقة ذاهبة نحو الاستقرار، على الأقل في المدى المنظور، كما أن الضربات المتكررة دون التوصل إلى احتوائها تأتي كنتيجة لرغبة أميركية واضحة بأخذ إيران إلى مفاوضات مشروطة، ترتبط بإنهاء ملفها النووي. وإن الدعوة الأميركية إلى طهران للالتحاق بطاولة المفاوضات لم تخلُ من تهديد واضح، ترافق مع تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن هناك شحنة من الأسلحة ذات القدرات التدميرية الهائلة في طريقها إلى تل أبيب.
تنتظر إيران الصرخة الإسرائيلية من الداخل، خصوصًا أن صواريخها تطول أهدافًا مدنية، الأمر الذي تعتبره ممارسة أكثر ضغطًا على حكومة نتنياهو
بين الترغيب والترهيب، تعيش المنطقة على أمل ألا تتدحرج الأمور نحو حرب كبرى، قد تنتهي بتوجيه أول ضربة نووية، وهذا ما سيفتح شهية دول أخرى تقف على أعتاب استخدامها القنبلة النووية، على رأسها روسيا لإنهاء حربها في أوكرانيا، أو حتى باكستان والهند في سبيل إنهاء الصراع الذي لا ينتهي على أرض كشمير.
"عض الأصابع" هي المرحلة المرتقبة الحالية التي تعيشها المنطقة، في انتظار من سيطلق صرخة الألم أولًا، الإيراني أم الإسرائيلي. وهذه الصرخة ينتظرها الإسرائيلي من خلال دعوة نتنياهو، التي وجهها إلى الشعب الإيراني يوم الجمعة، 13 يونيو/ حزيران الجاري، للانقلاب على نظامه، معتبرًا أنها اللحظة المفصلية لهذا الشعب لإبصار نور الحرية والتحرر.
في المقابل، تنتظر إيران الصرخة الإسرائيلية من الداخل، خصوصًا أن صواريخها تطول أهدافًا مدنية، الأمر الذي تعتبره ممارسة أكثر ضغطًا على حكومة نتنياهو، التي وجدت في الضربة هروبًا نحو الأمام، بهدف تمييع مهلة "السبعة أيام" التي حددتها طائفة الحريدية المتطرفة للسيد نتنياهو، لإجراء التعديلات المناسبة فيما يخصّ قانون التجنيد، مهددة بأنها ذاهبة -في حال لم يتم ذلك- نحو حل الكنيست وإسقاط الحكومة.
هل هذه السردية النووية قادرة على تفريغ النظام من مضمونه بهدف إسقاطه؟ أم إن لإيران مفاجأتها غير المتوقعة، التي قد تستطيع قلب الطاولة على إسرائيل وأميركا في المنطقة؟
اعتبر نتنياهو أن توجه إيران نحو إنتاجها السلاح النووي لم يكن قرارًا طوعيًّا، بل أُجبرت طهران عليه بعدما شعرت أنها فقدت الكثير من أوراق القوى لديها، على رأسها ضرب الترسانة الصاروخية لحزب الله، وهروب بشار الأسد وإسقاط النظام في سوريا.
لهذا شعرت إيران أن الحرب أصبحت مباشرة على أراضيها، وهذا ما دفع بها نحو تسريع عملية التخصيب مستفيدة من مهلة "الستين يومًا"، التي وضعها ترامب لتخلي إيران النهائي عن عملية التخصيب.
لا أحد يريد إيران دولة نووية، فحتى العقيدة الإيرانية لا تسعى لامتلاكها، إلا أن شعور النظام في طهران أن الكثير من أوراقه تساقطت في المنطقة، وأن الحلفاء الدوليين – وعلى رأسهم روسيا والصين- وقفوا على الحياد، لا بل قدموا أنفسهم على اعتبار أنهم وسطاء.. ذلك دفع بالنظام المتهالك داخليًّا إلى الذهاب نحو التخصيب (بحسب السردية الإسرائيلية)، لهذا سارعت إلى تنفيذ الضربات.
فهل هذه السردية النووية قادرة على تفريغ النظام من مضمونه بهدف إسقاطه؟ أم إن لإيران مفاجأتها غير المتوقعة، التي قد تستطيع قلب الطاولة على إسرائيل وأميركا في المنطقة؟
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.