عقول مستهدفة وأمن مخترق: لعبة الموساد الخطرة في إيران!

TEHRAN, IRAN - JUNE 15: Fire and smoke rise into the sky after an Israeli attack on the Shahran oil depot on June 15, 2025 in Tehran, Iran. Iran's foreign minister said the country would respond decisively and proportionally to a wave of attacks that Israel launched beginning in the early hours of June 13. The attacks targeted multiple military, scientific and residential locations, as well as senior government officials. (Photo by Stringer/Getty Images)
تصاعد ألسنة اللهب والدخان في السماء إثر هجوم إسرائيلي على مستودع نفط شهران في طهران (غيتي إيميجز)

شهدت الأيام الماضية تطورًا استثنائيًّا في توازن القوى بالشرق الأوسط، تمثل في الضربة الإسرائيلية غير المسبوقة التي استهدفت العمق الإيراني، وأصابت مراكز قيادية وعلمية نووية، ما اعتبره كثيرون لحظة فاصلة في الصراع القائم.

لكن في الحقيقة أن دولة إسرائيل لم تستهدف المنشآت النووية الإيرانية بقدر ما ركزت على العقول، بل أن الرسالة واضحة: من يمتلك العلم يصبح خصمًا حقيقيًّا، وهذا ما تجلى في خسارة إيران تسعة علماء نوويين في يوم واحد! بمعنى أن إسرائل تعلم جيدًا بأن إيران تستطيع تعويض قادتها العسكريين، لكن ليس بإمكانها تعويض علماء الذرة المقتولين على المدى القصير، أي إن هدف إسرائيل هو تفريغ إيران من علمائها الحقيقيين، الذين بإمكانهم إحداث نقلة نوعيّة لديها في مجال العلوم التجريبية عمومًا، والمجال النووي تحديدًا.

كيف استطاعت إسرائيل قتل عقول إيران؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتجلى في  الهجوم الأخير على إيران، حيث تم الكشف عن حجم الاختراق الاستخباراتي العميق الذي وصل إليه الموساد داخل البنية الإيرانية

وبالتالي فإن كافة المراقبين والقائمين على المراكز البحثية يؤكدون أن إستراتيجية الأمن القومي لإسرائيل تعتمد على بوصلة استباقية، في سلوكها مع أي دولة أو جماعة أو فرد يمثل تهديدًا لأمنها القومي، فلا تقبل وجود أي تهديد من أي نوع ومن أي جهة. وقد بدا واضحًا لإسرائيل بعد الضربة السابقة لإيران أنها غير قادرة على حماية مجالها الجوي وقدراتها العسكرية، لذلك كانت إسرائيل أحرص الناس على منع إيران من امتلاك هذه القوة النووية، عن طريق تدمير العقل البشري الذي يتجلى في علماء الذرة، وهذا يرجع إلى سبب بسيط، هو أن إسرائيل تعلم أيضًا أن سر بقائها هو سلاحها النووي، الذي قد يكون -في المقابل- هو نفسه سبب فنائها إذا امتلك عدوها هذا السلاح الفتاك.

وبالتالي نطرح التساؤل: كيف استطاعت إسرائيل قتل عقول إيران؟ إن الإجابة على هذا السؤال تتجلى في  الهجوم الأخير على إيران، حيث تم الكشف عن حجم الاختراق الاستخباراتي العميق الذي وصل إليه الموساد داخل بنية الاتصالات الإيرانية، فقد بات من الواضح أن تل أبيب لم تعتمد فقط على الأقمار الصناعية أو الطائرات المسيّرة، بل امتلكت قدرة مباشرة على رصد تحركات القادة في الحرس الثوري، والعلماء النوويين، والقيادات العسكرية العليا، عبر تتبع المكالمات والرسائل وبيانات المواقع الجغرافية.

إعلان

هذا النوع من الاختراق السيبراني ليس سابقة، فقد استخدمته إسرائيل سابقًا ضد حزب الله في لبنان، ما أدى إلى استهداف دقيق لقيادات الحزب، وتفكيك شبكته العملياتية. واليوم يتكرر السيناريو ذاته في إيران، مع فرق جوهري يتمثل في أن بنية الدولة الإيرانية أُصيبت في عمقها، دون أن تتمكن من صد أو حتى توقع الضربة. ففي زمن الحروب غير التقليدية، لم يعد اختراق المجال الجوي هو الأخطر، بل اختراق الهواتف والشبكات وأنظمة الاتصالات، وهو ما مكن العدو من تنفيذ عملية اغتيال معقدة ومنسقة دون خسائر تُذكر من جانبه.

هذه الأهداف -رغم أهميتها- لا تعني أن المعادلة الإقليمية تغيّرت.. الرد الإستراتيجي الحقيقي يتطلب ضربات نوعية ومكلفة لإسرائيل، وإعادة رسم خطوط حمراء جديدة، وهو ما لم يحدث بعد

إذًا، فالهجوم الإسرائيلي على إيران شكّل صدمة إستراتيجية، كشفت ثغرات استخباراتية وأمنية كبيرة في طهران، وأدى إلى خسائر فادحة شملت قادة عسكريين وعلماء نوويين، ما يضع النظام الإيراني أمام لحظة حرجة؛ فإما رد واسع محفوف بالخطر في ظل اصطفاف غربي مع إسرائيل، أو رد محدود يُفقده هيبته داخليًّا وإقليميًّا، حيث إن توقيت الضربة يعكس أهدافًا متعددة، من تعطيل التقدم النووي الإيراني إلى كبح التحركات الدولية بشأن القضية الفلسطينية.

ومع أن إسرائيل كسبت الجولة الأولى، فإن مآلات الحرب لا تزال مفتوحة، وقد تحدد مصير النظامين في طهران وتل أبيب على السواء. هذا يجعلنا نطرح التساؤل الثاني: أغيَّر الرد الإيراني المعادلة، أم كان مجرد حفظ لماء الوجه؟

رغم أن إيران سارعت لتوجيه ضربات إلى إسرائيل بعد الهجوم الذي طال قادتها وعلماءها النوويين، فإن طبيعة هذا الرد تُظهر أنه أقرب إلى رد معنوي محدود، وليس تغييرًا فعليًّا في قواعد اللعبة؛ فالضربات لم تُحدث خسائر إستراتيجية لإسرائيل، ولم تُجبرها على تغيير نهجها الأمني أو التراجع عن سياساتها. بمعنى أوضح: لم يتغير ميزان القوى، وما فعلته إيران حتى الآن يخدم أهدافًا داخلية بالدرجة الأولى، مثل:

  • ترميم صورتها المهزوزة أمام الرأي العام.
  • طمأنة قواعدها الشعبية ومؤسساتها السياسية.
  • الإيحاء بأن هيبتها لم تنهَر بالكامل.

لكن هذه الأهداف -رغم أهميتها- لا تعني أن المعادلة الإقليمية تغيّرت.. الرد الإستراتيجي الحقيقي يتطلب ضربات نوعية ومكلفة لإسرائيل، وإعادة رسم خطوط حمراء جديدة، وهو ما لم يحدث بعد. لهذا، ما جرى هو رسالة معنوية أكثر من كونه ردًّا ردعيًّا حقيقيًّا، وما زالت إسرائيل حتى اللحظة صاحبة اليد العليا في توقيت ومكان وشكل المواجهة.

إن الحرب الكبرى قد لا تبدأ بإعلان، بل بخطأ في التقدير، أو عملية تنفلت من حدود "التوازن المحسوب".. وعندها، لن تبقى نيرانها محصورة بين طهران وتل أبيب، بل ستمتد لتشعل الإقليم بأكمله

خلاصة القول: نرى أن إيران تدرك أن قدراتها الحالية لا تضمن لها النصر في مواجهة مفتوحة ضد إسرائيل المدعومة أميركيًّا؛ وإسرائيل تدرك أن إشعال حرب شاملة قد يفتح عليها جبهات متعددة (لبنان، سوريا، العراق، اليمن)، في لحظة لا تتحمل فيها المنطقة مزيدًا من الانفجار. ومع ذلك، فإن الاستنزاف المتبادل سيستمر عبر الاغتيالات، والحروب السيبرانية، وضربات محسوبة النطاق، وهو ما يجعل كل جولة أشد خطورة من سابقتها. لكن في حال أقدمت إيران على رد نوعي يفوق التوقعات، كاستهداف قادة إسرائيليين بارزين، أو تنفيذ هجوم يضر ببرنامج إسرائيل النووي، فإن احتمال اندلاع حرب واسعة سيصبح واردًا جدًّا، وربما مفاجئًا.

إعلان

في النهاية، فإن الحرب الكبرى قد لا تبدأ بإعلان، بل بخطأ في التقدير، أو عملية تنفلت من حدود "التوازن المحسوب".. وعندها، لن تبقى نيرانها محصورة بين طهران وتل أبيب، بل ستمتد لتشعل الإقليم بأكمله.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان