شعار قسم مدونات

العدوان الإسرائيلي على إيران.. الجرائم الإسرائيلية لا تتوقف

TOPSHOT - This picture shows rocket trails in the sky above Jerusalem on June 13, 2025. Air raid sirens sounded in Jerusalem and loud blasts were heard on June 13, AFP journalists reported, as the Israeli military said it had detected a missile launched from Iran. (Photo by Ahmad GHARABLI / AFP)
صواريخ إيرانية في سماء تل أبيب ردًا على الهجوم الإسرائيلي (الفرنسية)

الضربة الإسرائيلية الأخيرة على الأراضي الإيرانية لم تكن مجرد حادث عابر أو عملية نوعية محدودة، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات والاختراقات التي تثبت هشاشة الوضع الأمنيّ الإيراني من الداخل، وتؤكد أن المنطقة بأكملها باتت على صفيح ساخن ينذر بالانفجار في أي لحظة.

الإيرانيون وقعوا في فخ الخداع الإستراتيجي الذي نصبته واشنطن ببراعة، وتخيلوا بسذاجة أن الولايات المتحدة يمكن أن تضبط إيقاع التصعيد الإسرائيلي أو تكبح جماح نتنياهو

هشاشة الدفاعات الإيرانية.. واختراق غير مسبوق

اللافت في تكرار الضربات الإسرائيلية داخل العمق الإيراني هو السهولة اللافتة التي باتت تتم بها! يبدو أن جهاز الموساد وشبكات الاستخبارات الأميركية يتحركان بأريحية داخل إيران، في ظل وجود عدد هائل من العملاء المحليين، وشبكات التجسس التي تمكنت من الوصول إلى كبار العلماء النوويين وتصفيتهم مرارًا وتكرارًا، دون أن تتمكن طهران من تأمين الحماية، أو حتى اكتشاف المخططات قبل وقوعها.

هذه الهشاشة الأمنية هي في الحقيقة نتيجة تراكمات ممتدة لعقود، تبدأ من لحظة السماح للقوات الأميركية باحتلال العراق عام 2003. إيران التي تخلّت عن جيرانها العرب في تلك اللحظة المصيرية ارتكبت خطأً إستراتيجيًّا فادحًا، لتجد نفسها اليوم تدفع ثمن ذلك بتجليات واضحة لمقولة: "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض".

خداع إستراتيجي وسذاجة سياسية

ما يزيد من تعقيد المشهد هو أن الإدارة الإيرانية أبدت قدرًا كبيرًا من السذاجة في قراءة السياسات الأميركية؛ فقد كان من الواضح منذ البداية أن الإدارة الأميركية الحالية تعدّ من أكثر الإدارات دعمًا لإسرائيل وللصهيونية، سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا وماليًّا ودبلوماسيًّا.

وهناك شخصيات نافذة مثل مريام أديلسون، وهي واحدة من أكبر ممولي اللوبي المؤيد لإسرائيل، ومن أبرز داعمي نتنياهو، ولها تأثير كبير على البيت الأبيض.

الإيرانيون وقعوا في فخ الخداع الإستراتيجي الذي نصبته واشنطن ببراعة، وتخيلوا بسذاجة أن الولايات المتحدة يمكن أن تضبط إيقاع التصعيد الإسرائيلي أو تكبح جماح نتنياهو. لكن ما حدث هو العكس تمامًا: واشنطن دعمت العدوان على غزة بلا حدود، وتستمر في تدمير أي قوة إقليمية محتملة تهدد التفوق الإسرائيلي، كما فعلت سابقًا في غزو العراق.

على الدول العربية أن تتعامل مع هذا المشهد بتروٍّ وعمق إستراتيجي؛ فرغم الاستثمارات التي وُعِدَ بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قبل الدول العربية، تبقى الولايات المتحدة وفيّة لالتزامها المطلق بحماية إسرائيل

إيران بين مطرقة العقوبات وسندان العزلة الإقليمية

في المقابل، لا يمكن تجاهل أن إيران نفسها ساهمت في تفاقم عزلتها من خلال اندفاعها الطائفي والمذهبي، الذي أدخلها في صدامات مع محيطها العربي.. هذا الاندفاع جعل العديد من الدول العربية تجد نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: مطرقة التمدد الإيراني أو سندان الهيمنة الأميركية. وبمرور الوقت، وجدت هذه الدول أن الولايات المتحدة -رغم كل أضرارها- تمثل "أخف الضررين" في معادلة معقدة يصعب الهروب منها.

إعلان

تصعيد اقتصادي وأزمات قادمة

في ظل هذا التصعيد، لا ينبغي تجاهل البعد الاقتصادي الخطير.. ارتفاع أسعار النفط، وزيادة تكاليف النقل والشحن والتأمين، واضطراب سلاسل الإمداد والتوريد، كلها عوامل ستؤدي إلى مزيد من المخاطر وعدم الاستقرار في منطقة منهكة أصلًا بسبب العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة.

على الدول العربية أن تتعامل مع هذا المشهد بتروٍّ وعمق إستراتيجي؛ فرغم الاستثمارات العربية التي وُعِدَ بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والتي ستساعد واشنطن في إنقاذ اقتصادها المتراجع في سباق اللحاق بالصين، تبقى الولايات المتحدة وفيّة لالتزامها المطلق بحماية إسرائيل، حتى لو جاء ذلك على حساب استقرار المنطقة وتدمير قواها الصاعدة.

المشهد الراهن ضبابي ومفتوح على جميع الاحتمالات.. التخطيط في هذه المرحلة يجب أن يقوم على أسوأ السيناريوهات، لا على الأماني أو الافتراضات غير الواقعية

كيف نتعامل مع الأفعى؟

التعاطي مع الإدارة الأميركية الحالية يجب ألا يكون من منطلق الثقة أو حسن النية، بل وفق معادلة "حلب الأفاعي": استفد من سمها لصناعة الترياق، ولكن لا تمنح الأفعى فرصة للّدغ.. فالولايات المتحدة، التي يحكمها المجمع الصناعي العسكري، وتؤثر في قراراتها لوبيات السلاح، تبحث الآن عن ساحة لاختبار أسلحتها في مواجهة الترسانة الإيرانية المتهالكة بفعل العقوبات والحصار.

هذه معركة ليست فقط لإضعاف إيران، بل أيضًا لإنقاذ سمعة السلاح الأميركي التي تلقت ضربات مؤلمة في أماكن أخرى، كما حدث مع تفوق باكستان باستخدام أسلحة صينية في وجه ترسانة غربية متطورة.

وهنا يبرز المعنى العميق للمثل العربي: "كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟"؛ فالتاريخ القريب مليء بالخداع والغدر، ولا ينبغي أن تتكرر أخطاء الثقة من جديد مع من أثبتت التجربة أنه لا يتردد في الطعن عند أول فرصة.

سيناريوهات مفتوحة وفوضى مرتقبة

المشهد الراهن ضبابي ومفتوح على جميع الاحتمالات.. التخطيط في هذه المرحلة يجب أن يقوم على أسوأ السيناريوهات، لا على الأماني أو الافتراضات غير الواقعية. لا مجال للثقة، لا في إسرائيل ولا في الإدارة الأميركية التي أثبتت مرارًا أنها تتخلى عن شركائها عند أول منعطف، وتقدم مصالح إسرائيل فوق كل اعتبار.

الخلاصة أن الشرق الأوسط اليوم يقف على حافة هاوية حقيقية، وكل خطوة غير محسوبة قد تعني الانزلاق إلى فوضى لا تُحمد عقباها.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان