شعار قسم مدونات

العطور: سحر الأناقة وصراع الصحة

قوارير العطور التراثية - الجزيرة
الكاتب: في عالم يزداد وعيًا بالصحة والبيئة، ربما حان الوقت لإعادة تعريف الفخامة العطرية (الجزيرة)

منذ فجر الحضارات، كانت العطور لغةً صامتةً تعبر عن الهُوية والرفاهية، شاهدةً على تحولات الثقافات وذائقة الإنسان الذي سعى دومًا إلى تحويل جسده إلى لوحة عطرية تتناغم مع روحه.

واليوم، لم تعد العطور مجرد إكسسوارٍ تكميلي، بل تحولت إلى ظاهرة عالمية تجمع بين الفنون الكيميائية والذوق الجمالي، حيث تُقدَّر قيمة سوق العطور بنحو 50 مليار دولار سنويًا، وفقًا لتقارير اقتصادية حديثة.

لكن وراء هذه السحابة العطرة التي تحيط بنا، تكشف دراسة علمية صادمة أن لهذا السحر ثمنًا قد ندفعه من صحتنا.

وفقًا للدراسة التي أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا ومعهد ماكس بلانك، فإن المكونات الكيميائية في العطور ومرطبات الجسم المعطرة تتفاعل مع "مجال الأكسدة"، ما يُضعف فاعليته بنسبة تصل إلى 86% في حالة العطور، و34% في حالة المرطبات

السحابة الواقية: الدرع الخفي الذي نجهله

تتحدث الدراسة المنشورة في مجلة "ساينس أدفانسز" عن اكتشاف مذهل: جلد الإنسان محاط بـ "سحابة كيميائية واقية" تُعرف علميًا باسم "مجال الأكسدة"، تتشكل من تفاعل الأوزون في الهواء مع الزيوت الطبيعية للبشرة، مثل مادة "السكوالين" التي تحافظ على نضارة الجلد.

هذه السحابة ليست مجرد طبقة عابرة، بل تعمل كمصفاة ذكية تُنتج جزيئات نشطة تسمى "جذور الهيدروكسيل"، التي تُحيّد السموم والملوثات في الهواء المحيط بنا، مثل منظف جو طبيعي!

ولكن ماذا يحدث عندما تلتقي هذه السحابة الواقية مع عطرك المفضل؟

العطر "vs" الصحة: صراع الكيمياء

وفقًا للدراسة التي أجراها باحثون من جامعة كاليفورنيا ومعهد ماكس بلانك، فإن المكونات الكيميائية في العطور ومرطبات الجسم المعطرة تتفاعل مع "مجال الأكسدة"، ما يُضعف فاعليته بنسبة تصل إلى 86% في حالة العطور، و34% في حالة المرطبات.

إعلان

التفسير العلمي يكمن في أن المواد العطرية تُغيّر التركيبة الكيميائية للسحابة الواقية، فتفقد قدرتها على توليد جذور الهيدروكسيل التي تنظف الهواء من الجسيمات الضارة.

والأمر الأكثر إثارةً أن هذه النتائج ظهرت بوضوح في تجربة شملت 4 متطوعين فقط، ما يفتح الباب لتساؤلات حول تأثير الاستخدام اليومي المكثف للعطور، خاصةً في المجتمعات العربية التي تُعرف بثقافة العطور الغنية، حيث تلتصق النفحات العطرية بالبشرة لساعات بفضل تركيبها الزيتي الفريد.

بين سحر الأناقة وحتمية الصحة، تكشف لنا العطور أنه حتى الجمال له كيمياؤه الخاصة، التي تستحق أن نقرأها بعمق قبل أن نرشها على أجسادنا

هل يجب أن نتخلى عن العطور؟

تقول الإجابة: ليس بهذه الحدة.. الباحثون يؤكدون أن العطور نفسها ليست سامة، لكن تداخلها مع الآلية الدفاعية للبشرة هو ما يثير القلق. قد تكون هذه الدراسة جرس إنذار للصناعة لتطوير عطور صديقة لـ"مجال الأكسدة"، أو لجمهور المستهلكين لاختيار منتجات تحتوي على مكونات طبيعية أقل تعقيدًا كيميائيًا.

الأناقة بوعي: نحو عطور ذكية

في عالم يزداد وعيًا بالصحة والبيئة، ربما حان الوقت لإعادة تعريف الفخامة العطرية؛ فكما نبحث عن العطور التي تتناسب مع كيمياء بشرتنا، علينا أيضًا أن نختار تلك التي تحترم توازنها الكيميائي مع الطبيعة.. قد تكون هذه الدراسة بداية لثورة عطرية جديدة، حيث تصبح "السحابة الواقية" معيارًا لجودة العطور في المستقبل.

في الختام: بين سحر الأناقة وحتمية الصحة، تكشف لنا العطور أنه حتى الجمال له كيمياؤه الخاصة، التي تستحق أن نقرأها بعمق قبل أن نرشها على أجسادنا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان