- هي الذكرى التي لا تنتهي
ليست فلسطين مجرّد قضيّة نُصبت على منصّات الأمم كخطب تتكرّر؛ إنّها الجرح المفتوح في جسد العالم، والندبة التي لم يتعلّم التاريخ منها شيئًا. كلما مرَّت علينا النكبة، شعرت أنّ الأعوام توقفت عند تلك اللحظة، اللحظة التي اختلّت فيها موازين الكون، فضاع وطن.. ضاعت فلسطين.
غزة ليست خبرًا عاجلًا، إنها اختبار أخلاقي يومي لهذا العالم: من ينجح فيه، ومن يسقط صامتًا. وجنين.. جنين ليست مدينة، إنها فعل مقاومة مستمر، جملة لم تنتهِ بعد، نقطة في آخر سطر لم تُكتب
كان يجب أن يحدث شيء خارق للطّبيعة، زلزال لا يُرى، انقلاب في قوانين الوجود.. لأنه ما من منطق يفسر كيف تُنسى بلاد بحجم المعنى، كيف يُمحى اسم "يافا" من ذاكرة البحر، أو يخرس صوت "اللدّ" في الحكايات القديمة.
من ينظر إلى فلسطين من خلف الشاشات، يرى دخانًا، صواريخ، أرقامًا تتحرك على شريط الأخبار.. لكن من يراها من الداخل، من يلمس تراب غزة بيديه، من يسمع في جنين صوت الأبواب المكسورة وهي تقاوم، يعرف أن ما تحت الأنقاض ليس حجارة، بل أعمارًا كانت تحلم.
في فلسطين، لا شيء يموت وحده، حتى الشهداء حين يسقطون، يسقطون كأنهم يحملون على أكتافهم أحلام قرية كاملة.
غزة ليست خبرًا عاجلًا، إنها اختبار أخلاقي يومي لهذا العالم: من ينجح فيه، ومن يسقط صامتًا. وجنين.. جنين ليست مدينة، إنها فعل مقاومة مستمر، جملة لم تنتهِ بعد، نقطة في آخر سطر لم تُكتب. أما القدس، فهي قلب لا يعرف التوقف، يصلي وهو ينزف، ويبتسم وهو يقتاد مكبلًا.
لأن التاريخ لا ينسى، ولأن الأرض تعرف أسماء أهلها، وتنتظر خطاه: "النكبة كانت.. والتحرير آتٍ"
ما يحدث الآن ليس نكبة جديدة، بل استكمالًا لجريمة قديمة لم يتوقف أحد عن ارتكابها! لكن ما لا يعرفه العالم هو أن الفلسطيني لا يُهزم لأن بيته تهدم، ولا ينكسر لأن جسده جرح.. هو فقط يتراجع خطوة ليكتب على الجدار: "هنا كان لي وطن.. وسأعود".
رغم كل شيء، رغم التهجير، والقهر، وخيانة الزمن، يبقى الأمل في فلسطين مثل قنديل ضعيف في نفق طويل.. لكنه لا ينطفئ.
ومن هناك.. من العتمة، يصعد النور، ويولد جيل جديد لا يعرف الهزيمة إلا في كتب التاريخ.
فلسطين ليست حكايةً تنتهي في كتاب، ولا وجعًا يُختزل في يوم ذكرى.. هي المعركة المفتوحة بين من يملك الأرض، ومن لا يملك إلا الرواية.. لكنها الرواية التي تنتصر.
لأن التاريخ لا ينسى، ولأن الأرض تعرف أسماء أهلها، وتنتظر خطاه: "النكبة كانت.. والتحرير آتٍ".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.