في زوايا جامعة أوغسبورغ، حيث تتداخل أصداء التاريخ مع همسات الحداثة، أجد نفسي أغوص في أعماق بحثي العلمي، أنسج خيوط رسالة الماجستير التي أحملها كمشعل يضيء دربي الأكاديمي.
هنا، في هذه الجامعة، حيث يمتزج الهدوء الأكاديمي بروح الابتكار، أعيش لحظات من التأمل والإبداع، أكتب فصلًا جديدًا في الانجذاب للشبكات اللاسلكية، ذلك العالم الذي ينبض بالحياة والإمكانات في اتساعها الماورائي، حيث لا حبال تربط، ولا أسلاك تقيّد، بل إشارات تتنفس الحرية في فضاء التقنية.
رسالتي، التي أعكف عليها الآن، ليست مجرد واجب أكاديمي، بل هي قبعة من قبعاتي الأربع التي أرتديها في رحلة الحياة، حيث أبحث من خلالها عن التوازن ما بين النظرية والتطبيق، وما بين الخيال والواقع
الشبكات اللاسلكية، تلك الأوردة الخفية التي تربط عالمنا المعاصر، ليست مجرد أسلاك غير مرئية أو إشارات تسبح في الأثير، بل هي لغة العصر، جسر يعانق المسافات. عندما بدأت رحلتي في هذا المجال، شعرت وكأنني أقف على جبل بارتفاع لا نهائي، صخوره من البيانات المليئة بالأسرار، والتي تنتظر من يكتشفها.
كل شغفي فيها هو البوصلة، وكل ورقة أكتبها وكل معادلة أحلها، ولربما كل يومٍ أقضيه في مختبرات الجامعة، خطوة تقربني إلى فهم هذا الكون الرقمي.
رسالتي، التي أعكف عليها الآن، ليست مجرد واجب أكاديمي، بل هي قبعة من قبعاتي الأربع التي أرتديها في رحلة الحياة، حيث أبحث من خلالها عن التوازن ما بين النظرية والتطبيق، وما بين الخيال والواقع.
وإن سردت اليوم بكلامي عن إحدى القبعات التي لها الأهمية الكبرى في الوقت الحالي أرى السرد الأكبر عن القبعة الأكاديمية، والتي عملت من خلالها على مدار السنتين الماضيتين على تطوير نهجٍ مبتكر في تحسين كفاءة الشبكات اللاسلكية، ليس فقط لتحسين الأداء التقني، بل لجعل هذه التقنية أكثر إنسانية، وأكثر قربًا من احتياجات البشر.
أتخيل أحيانًا أنني أنسج خيوطًا من النور، أربط بها أحلام الناس، سواء في قرية نائية أو مدينة نابضة بالحياة تحتاج إلى تلك التقنية.. في مكتب عملي، المطل على إحدى شوارع أوغسبورغ الهادئة، أجد نفسي أحيانًا أتوقف عن الكتابة، أنظر إلى السماء الرمادية، وأتساءل: كيف يمكن لفكرةٍ بسيطة أن تغير نطاقًا كاملًا؟ هذا السؤال هو الشرارة التي تحركني كل يوم.
أتطلع بشوق إلى شهر سبتمبر/ أيلول القادم، إذ سأقدم هذا العمل أمام لجنة المناقشة، وأمام كبرى شركات مقاطعة بايرن، مقاطعة الاقتصاد الأوروبي، حيث المنافسة فيها لاحدود لها، ولا مكان للناشئ أو الضعيف فيها
أشعر بمسؤولية عظيمة، ليس فقط تجاه أساتذتي أو جامعة أوغسبورغ التي أعمل فيها، بل تجاه كل جهة قد تستفيد يومًا من هذا العمل. إنها مسؤولية مخملية، ناعمة في طياتها، لكنها ثقيلة بوزن الطموح الذي أملكه.
كل صباح، وأنا متّجه إلى عملي، أحمل في قلبي مزيجًا من القلق والأمل.. القلق خشية ألا أكون على قدر هذا التحدي، والأمل بأن أترك بصمة ولو صغيرة في هذه الجامعة، وفي المدينة والمقاطعة، بل في البلد بأكمله.. أتذكر لحظات التخطيط حين تتعثر التجارب بمخيلتي، أو عندما تبدو المعادلات كألغاز بلا حل، لكن سرعان ما يتبدد هذا الضباب بلحظات الإلهام، عندما تنجح خوارزمية جديدة، أو عندما أرى نتائج محاكاة تؤكد صحة فرضيتي، تلك اللحظات هي النبض الحقيقي لرحلتي.
أتطلع بشوق إلى شهر سبتمبر/ أيلول القادم، إذ سأقدم هذا العمل أمام لجنة المناقشة، وأمام كبرى شركات مقاطعة بايرن، مقاطعة الاقتصاد الأوروبي، حيث المنافسة فيها لاحدود لها، ولا مكان للناشئ أو الضعيف فيها، أتخيل تلك اللحظة كما لو كانت لوحةً فنية، رسمت فيها كل جهدي بتفانيَّ في سنوات الخبرة الماضية.
لن تكون مجرد مناقشة أكاديمية، بل ستكون لحظة انتصارٍ شخصي، أضيفُ من خلاله نصرًا أكاديميًّا جديدًا، ولكن بنكهة ألمانية ذات قوة بافارية، أشارك العالم به ثمرة فكري. أحلم أن تكون رسالتي تلك عبرة لمن سيأتي بعدي، ودليلًا على أن الشغف والمثابرة قادران على تحويل الأحلام إلى واقع.
هكذا أنا الآن، في أوغسبورغ، بين كتبي وشاشاتي، أعيش هذه الرحلة المخملية، حيث يمتزج العلم بالفلسفة، والطموح بالإنسانية
الشبكات اللاسلكية -في جوهرها- هي قصة الاتصال، وأنا في هذه الرحلة أحاول أن أكون جزءًا من هذه القصة، أن أضيف فصلًا يحمل اسمي عاليًا بكتابة فصل جديد من عالم الأرقام والخوارزميات، يجعل العالم أكثر انسجامًا.. في كل سطرٍ من رسالتي هناك همسة أمل، وفي كل معادلة هناك حلمٌ ينتظر أن يتحقق.
هكذا أنا الآن، في أوغسبورغ، بين كتبي وشاشاتي، أعيش هذه الرحلة المخملية، حيث يمتزج العلم بالفلسفة، والطموح بالإنسانية. أنتظر شهر سبتمبر/ أيلول القادم ليس فقط لتقديم رسالتي، بل لأحتفل بلحظة أدركت فيها أنني -وبجهدي المتواضع- قد ساهمت في وضع خيط جديد في نسيج هذه التكنولوجيا المتقدمة.
رفعت الأقلام وجفت الصحف..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.