بعد ليلة دامية مع البعوض، أستيقظ لعلّي أجد أجوبةً عن أسئلتي!
- نافذة جديدة
بعد احتراق غرفتي وتآكل جدرانها؛ حظيت بغرفة مصابة!
أحد جدرانها يخبرك: "كان هنا حريق يا سيدي"، وآخر يبوح لك بسر من أسرار المعركة هنا: "أنا مصاب، ولحسن حظي أُصبت بالعديد من الطلقات النارية الطفيفة، لا أعلم من الفاعل حقيقةً، فأنت تعلم يا سيدي أني معصوب العينين".
أما أنا، فأنهض لأرى نافذتي الجديدة، بل -بتعبير أدق- هما نافذتان؛ إحداهما تطل على البحر الأزرق، والأخرى تطل على ضجيج البشر.. كلتاهما تخبراني بحقيقة جديدة؛ بواقع نكرهه ويكرهنا، ولكن أين المفر؟
على هذه الأرض؛ تنقلب الأحلام إلى كوابيس، وينقلب المستقبل إلى ذكرى نقف على أطلالها ونبكيها
ما وراء النافذة.. حقيقة كاملة
صباح الخير، أيها العالم.. نحن هنا، هل ترانا؟
صباح الخير للصيادين الخائفين على الشاطئ، للرمال الملطخة بدماء الأبرياء، لركام الأبنية الذي يحجب نور الأمل.
صباح الخير لرائحة الخبز، وشجارات الأطفال، وصراخ الأمهات، وللأغاني، وشتلات الريحان.
ولا صباح للشتائم، ونهر المجاري، وتلال المعلبات الفارغة، وأكوام القمامة.
لا صباح لآهات الجرحى، وصرخات البحث عن أحياء، ودموع الفقد أمام جثث الأحبة.
أيها العالم، ماذا تريد لكي ترانا؟
درب قبيح
أهرب مع أسئلتي نحو درب أعرف أن فيه كل ما يمزق أحذيتي، ومع هذا نمضي معًا.
نمضي في درب كل ما فيه قبيح، كل ما فيه صادق!
صادق لدرجة تثير الشك: من الفاعل؟ ما كل هذا؟ ما الذي حدث هنا؟
شك يتلوه يقين: لا حياة هنا.
في هذه المدينة، لا ملاذ دائمًا، فلا تُرهق نفسك في البحث عن شركة تأمين من الموت
بالمجان
لأكثر من ساعة تقريبًا، أتابع المشي. لست وحدي؛ فالدرب القبيح طويل، ومكتظ!
كل منا لديه غاية، ولكل منا ملامح تخبرك عن القليل من الذكريات.
نختلف، ونشترك في البحث عن أي وسيلة نخفف بها أعباء هذه الحياة عن أنفسنا وأهالينا.
ساعة للذهاب، وساعة للعودة، وأربع ساعات مجانية للإنترنت والكهرباء.
أي إنني من الطلبة المحظوظين؛ أولئك الذين وجدوا ملاذًا مؤقتًا في مكتب ومقبس.
نختلف في تخصصاتنا، ونشترك في مقاومة التعب..
نحاول بناء مستقبل نجهله.. بالمجان!
في مكان لا ترى فيه سوى الدمار؛ تقف صامتًا عند كل انفجار!
ملاذ مؤقت
في هذه المدينة، لا ملاذ دائمًا، فلا تُرهق نفسك في البحث عن شركة تأمين من الموت.
في البيت، في الطريق، في المكتب؛ لا ملاذ آمنًا!
ألم تخبرك الجدران، والنافذة، والطريق بهذا؟
حينما لا نملك إلا السمع
في زمان اسودت فيه الجدران، وأقيمت فيه الخيام فوق موتى الديار..
في مكان لا ترى فيه سوى الدمار؛ تقف صامتًا عند كل انفجار!
تنتظر.. تنتظر.. تنتظر..
يرن الهاتف.. هل من مجيب؟
بيت هنا.. بيت هناك
"يكمل أنس الآن دراسته في كلية طب الأسنان بجامعة فلسطين (غزة)، ولكن مع فتح معبر رفح سأحاول إخراجه إلى مصر. حجزت له مقعدًا في كلية الطب البشري بجامعة المنصورة، وتم قبوله والحمد لله، واستأجرت له بيتًا هناك".
هذا ما كانت تخطط له آلاء لوحيدها وأنيسها "أنس".
أما اليوم، فتقف آلاء أمام جسده؛ تلقي نظراتها الأخيرة، تودعه بدموعها، تتحسس آلامه التي لا يشعر بها..
أنس؛ الذي تشبث بحلمه لآخر لحظة هنا؛ ولكن هناك من قرر أن هذا الحلم، وذاك التعب؛ تافه، عبثي، لا جدوى له!
هناك من يقرر وبكل وقاحة أنك لستَ إنسانًا، من سمح لهم بهذا؟
الوحشية، أم الصمت، أم كلاهما؟
على هذه الأرض؛ تنقلب الأحلام إلى كوابيس، وينقلب المستقبل إلى ذكرى نقف على أطلالها ونبكيها..
على هذه الأرض؛ "سنظل نرثي حتى نُرثى".. هذا ما كان يؤمن به أنس..
على هذه الأرض؛ أصدر القاضي العسكري حكمه؛ حياة بإدمان البشاعة..
على هذه الأرض؛ يخبرك القبح عن الواقع!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.