شعار قسم مدونات

العدل الذي يتسع لكل إنسان

blogs - ميزان العدل
العدل الذي يتسع لكل إنسان، لماذا يتم تطبيقه بشكل ضيق بقالب واحد؟ (مواقع التواصل الاجتماعي)

حدثتني صديقتي اليونانية كثيرًا عن رُوح اليونان حتى وجدتُ ملامح الفلسفة في أكاديمية أفلاطون؛ حيث يرى سقراط أن الظلم يولّد الفوضى، والعدل يولّد الانسجام.

من "الجمهورية" لأفلاطون، التي تخيل فيها مدينة مثالية يحكمها الفلاسفة، إلى "الأخلاق النيقوماخية" لأرسطو، التي حللت معنى الفضيلة والعدالة، رُبما كان اليونانيون أول من سأل: ما هو العدل؟

الماضي ليس مضرًا بحد ذاته، ولا عائقًا أمام التطور.. المسألة ترتبط بك أنت! كيف تبني على الماضي، وتأخذ منه الجيد، وتتعلم من السيئ، وتكون أنت؟

عندما سافرت إلى تيرامو مرورًا بروما، عادت بي الذاكرة إلى لوحات ليوناردو دافنشي، وتذكرت اقتباسًا له.. "البساطة هي أقصى درجات الرقي". وعلى صدى أوبرا فيردي في أوبراه الشهيرة "نابوكو"، التي تحولت إلى نشيد للحرية ضد الظلم، سمعت كلماته: "البساطة أقصى درجات الرُقي!"

تقاطعت كل تلك الصور مع مقطوعات باخ الألماني، حيث تتشابك الألحان بنظام رياضي دقيق في "فاوست" لـ"غوته"، حيث يبيع البطل روحه بحثًا عن المعرفة المطلقة، وهو صراع أبدي بين المعرفة والجهل، أكده شيلر: "أقسى سجون العالم هي تلك التي نبنيها لأنفسنا".

تُفزعني هذه الجملة.. كيف نبني نحن سجوننا؟ ربما عندما نرفض سماع إنسانيتنا مثلًا؟

ورغم أن اليابان تبدو غير مألوفة بالنسبة لي، تلفتني مراسم الشاي اليابانية، حيث تعكس كل حركة تقديرًا للجمال والصبر، في أدب هاروكي موراكامي، في كتابه: "كافكا على الشاطئ" قرأت له: عندما تخرج من العاصفة، لن تكون الشخص نفسه الذي دخلها.. فكيف لو خرج مجتمع كامل من كوارث؟!

تتحول الشوارع إلى لوحة من الألوان والرقص في البرازيل تعبيرًا عن الحرية في وجه الظلم؛ يؤكدها الكاتب البرازيلي باولو كويلو في "الخيميائي".. عندما ترغب في شيء بشدة، فإن العالم كله يتآمر لمساعدتك على تحقيقه!. ورُبما يحدث العكس أو كلاهما أو ما بينهما.. لماذا نعود دائمًا للأبيض والأسود، ونتجاهل كل الألوان؟

وكيف تندمج التقاليد مع الحداثة، كما يظهر في آيا صوفيا؟ هناك حيثُ ينتفض الحنين من غسق ليله، هناك تتعلم كيف أن الماضي ليس مضرًا بحد ذاته، ولا عائقًا أمام التطور.. المسألة ترتبط بك أنت! كيف تبني على الماضي؟ كيف تأخذ منه الجيد، وتتعلم من السيئ، وتكون أنت؟

الإصرار على العدل يتجلى في عادات وثقافات مختلفة، كلها تطرح نفس السؤال: العدل الذي يتسع لكل إنسان، لماذا يتم تطبيقه بشكل ضيق بقالب واحد؟

"حتى أحلك الليالي ستنتهي بطلوع الفجر".. يقول فيكتور هوغو في "البؤساء"!. وهو تجسيد للصراع الأبدي بين العدل والظلم، كما هو في "العقد الاجتماعي" لروسو، الذي طرح فكرة أن العدالة تتحقق حين يحكم الشعب نفسه بنفسه!

إعلان

هل سنحكمها كما يحكم البريطانيون نقاشاتهم بحنكة سياسية بليغة؟. شكسبير في "هاملت" يرى أن "الشيء ذاته ليس خيرًا أو شرًا، لكن تفكيرنا هو الذي يجعله كذلك"!. ما أعمقها من فلسفة! وما أبسطه من أسلوب حياة! وما أرقاها من فكرة!

تتشابك حروفها مع كلمات في رواية "أن تقتل عصفورًا بريئًا" لهاربر، التي صورت الظلم العرقي في أميركا، وفي كلمات مالكوم إكس: "لا يمكنك فصل السلام عن الحرية، لأنه لا يمكن لأحد أن يكون مسالمًا ما لم يكن حرًا".

حقيقة، لا أفهم الكثير تحت كلمة "حرية".. أوْمن بالعدل، بالحقوق والواجبات، ذاك أن الحرية كلمة هوائية جدًا بالنسبة لي، تشبه جنون الجوزاء، ولكنها تُشبع حاسة السَمع.. حرية! ولكن الحرية لها شريك.. المسؤولية!

حتى في أدب دوستويفسكي في "الجريمة والعقاب": "إن أسوأ ما في السجن أنه يجعل الإنسان يفكر"، وهو تأمل في الصراع النفسي والعدل والظلم والمسؤولية، لأن المعرفة مسؤولية أيضًا.. في "أنا كارنينا" لتولستوي، حيث تتحطم بطلة الرواية بسبب قوانين المجتمع الظالمة، تُدرك أن الظلم ليس بيد السلطة فقط!

مثلًا، الحكم على الآخر واتهامه وتخوينه وتكفيره -بحسب مزاج الجوزاء- عدل؟ لماذا لا نؤمن بأن العدل حتى بالكلمة بين صديقين لا يقلّ أهميةً عن العدل بين المواطن والسلطة؟

حين تنظر إلى العالم بعيونهم، لن ترى طوائف ولا انقسامات، بل سترى الإصرار على العدل يتجلى في عادات وثقافات مختلفة، كلها تطرح نفس السؤال: العدل الذي يتسع لكل إنسان، لماذا يتم تطبيقه بشكل ضيق بقالب واحد؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان