على مدار أكثر من عقدين، شكّل "غوغل" بوابة الدخول الرئيسية إلى العالم الرقْمي، كل سؤال أو معلومة أو فضول كان غالبًا ما يبدأ من محرك البحث "Google".
لكن الآن.. في 2025، لم يعد السؤال هو "عن ماذا سنبحث؟" بل أصبح "أين سنبحث؟"، ومعه بدأ يتردد التساؤل: هل يعيش غوغل فعلًا أيامه الأخيرة؟!.
حتى أبريل/ نيسان 2025، لا يزال "Google" يسيطر على المشهد العالمي للبحث بنسبة 89.66% من سوق محركات البحث، وأقرب منافس له، وهو "Bing"، لا تتجاوز حصته 4%
تاريخ بدايات البحث إلى الآن
في بدايات الإنترنت كانت محركات البحث تعمل كدليل رقمي، وتعتمد على التطابق الدقيق للكلمات المفتاحية لتقديم النتائج، ولكن عند إطلاق "Google" لخوارزمية "Page Rank" تغيّرت طريقة البحث تمامًا، حيث بدأت ترتيب الصفحات بناءً على الروابط الخلفية (Backlinks) ومدى الصلة بالمحتوى.
وبرغم هذا التقدم في عملية البحث فإن نماذج البحث القديمة كانت تواجه صعوبة في فهم السياق، وغالبًا ما كانت تُعطي الأولوية للكلمات المفتاحية على حساب نية المستخدم.
ثم جاء التحول الكبير بفضل محركات البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي، ومع التقدم في تعلم الآلة (ML)، ومعالجة اللغة الطبيعية (NLP)، والشبكات العصبية، لم تعد محركات البحث تعتمد فقط على الكلمات، بل بدأت تفهم المعنى والنية والسياق، ما جعل تجربة البحث أكثر دقة وذكاءً وتمحورًا حول المستخدم.
وضع غوغل الحالي
حتى أبريل/ نيسان 2025، لا يزال "Google" يسيطر على المشهد العالمي للبحث بنسبة 89.66% من سوق محركات البحث، وأقرب منافس له، وهو "Bing"، لا تتجاوز حصته 4%.
وهذا التفوق ليس فقط على مستوى السوق العالمية لمحركات البحث، بل إن غوغل يكمن في الوعي الجمعي للمستخدمين، فهو قد أصبح مصطلحًا بحد ذاته يرادف كلمة البحث، فإذا أردت أن تعرف شيئًا "google it"!
وتم إدراج مصطلح "Google" كفعل بمعنى "يبحث على الإنترنت" في قاموس "Oxford English Dictionary (OED)" عام 2006… ورغم كل هذا المجد، أحدثت طفرة الذكاء الاصطناعي تهديدًا لهذا الهيكل العملاق الذي ربما قد بدأ يتصدع.
في أبريل/ نيسان 2025، صرح "إيدي كيو" نائب رئيس الخدمات في "Apple" أن متصفح "Safari"، الذي يستخدم "Google" كمحرك بحث افتراضي، شهد انخفاضًا في حجم البحث لأول مرة منذ إطلاقه
متى بدأ التهديد الحقيقي؟
في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، حين أطلقت "Open AI" نموذجها "Chat GPT"، لم يكن واضحًا للجميع أنه سيكون أول تهديد وجودي حقيقي لغوغل. لكن، منذ الأسابيع الأولى بدأت شركات وول ستريت ومحللو وادي السيليكون الحديث بقلق عن احتمالية أن يغير "Chat GPT" قواعد اللعبة؛ حيث لم يعد المستخدمون مضطرين للتنقل بين عشرات الروابط على غوغل ليصلوا إلى مرادهم، بل صار بإمكانهم الحصول على إجابة مباشرة، ودقيقة، وسريعة.. وكل ذلك من خلال محادثة طبيعية.
فنحن الآن أمام أدوات بحث جديدة، تعتمد على نماذج اللغة الكبيرة (LLMs) مثل "Chat GPT" و"Claude" و"Gemini"، وهذه الأدوات لا تعرض لك روابط فقط، بل تقدم إجابات وتلخيصات وتحليلات بلغة طبيعية ومحاورة تفاعلية.
وبحسب موقع "internetsearchinc"، فإنه من المتوقع أن 30% من عمليات البحث ستتم عبر أدوات ذكاء اصطناعي بحلول نهاية 2025، وذلك بسبب سهولة التفاعل ودقته، بالإضافة إلى أن الاستفسارات على منصات الذكاء الاصطناعي تؤدي إلى أسئلة متابعة، ما يدل على وجود تفاعل عميق من جانب المستخدمين.
كما أن أنظمة البحث المدعومة بالذكاء الاصطناعي تحقق دقة تصل إلى 90% في فهم استفسارات المستخدمين، ما يقلل من نسبة الفهم الخاطئ. ناهيك عن أن 97% من مستخدمي الهواتف المحمولة يعتمدون الآن على مساعدات صوتية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وذلك قد يُغير عادات البحث على الهاتف أيضًا.
وفي أبريل/ نيسان 2025، صرح "إيدي كيو" نائب رئيس الخدمات في "Apple" أن متصفح "Safari"، الذي يستخدم "Google" كمحرك بحث افتراضي، شهد انخفاضًا في حجم البحث لأول مرة منذ إطلاقه. وأكد أن هذا الانخفاض يعود إلى تزايد اعتماد المستخدمين على أدوات الذكاء الاصطناعي مثل "ChatGPT" و"Perplexity" و"Anthropic".
بل والأكثر تهديدًا لغوغل هو أن "Apple" تدرس رسميًا إدراج هذه الأدوات مباشرة في أجهزتها بدلًا من "Google"، بحسب ما أورده موقع بيزنس إنسايدر.
مع العلم أن "Google" تدفع لآبل ما يُقدر بـ 20 مليار دولار سنويًا للحفاظ على مكانتها كمحرك البحث الافتراضي، ما أدى إلى تراجع سهم "Alphabet" (الشركة الأم لغوغل) بأكثر من 7% بعد إعلان "Apple" هذا، ناهيك عن أن ما يقرب من 56% من إيرادات "Alphabet" تأتي من الإعلانات على محرك البحث ومنصات مثل "Gmail" و"Google Maps".
لكن، إذا بدأ المستخدمون يحصلون على أجوبتهم من نماذج الذكاء الاصطناعي مباشرة دون النقر على الروابط، فماذا سيكون مصير نموذج الإعلانات بأكمله؟
في خطوة لدعم النظام التقني، أطلقت واجهة "Gemini API" للمطورين، وأتاحت نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على منصات مثل "Google Cloud" و"Kaggle"
كيف تواجه غوغل هذه التحديات القوية؟
تحاول غوغل جاهدة مواجهة هذه التحديات والاستفادة من الذكاء الاصطناعي؛ حيث طورت تجربة بحث جديدة تُعرف بـ "Search Generative Experience (SGE)"، توفّر إجابات ذكية ومُلخّصة تظهر في أعلى نتائج البحث، بدلًا من عرض روابط تقليدية كما كان الحال سابقًا. كما دمجت نموذجها المتطور "Gemini" في تطبيقات مثل "Gmail" لكتابة وتلخيص الرسائل، وفي "Google Docs" لإنشاء المحتوى، وفي أندرويد لتقديم اقتراحات ذكية بالأوامر الصوتية والبصرية.
كذلك طورت أدوات مثل "Google Lens" و"Multisearch"، تسمح للمستخدمين بالبحث باستخدام الصور أو مزيج من النص والصورة، ما يعكس اتجاهًا متزايدًا نحو البحث المرئي.
وللحفاظ على سيطرتها الإعلانية، بدأت غوغل في اختبار إدراج إعلانات داخل نتائج الذكاء الاصطناعي نفسها، لتتناسب مع طبيعة البحث الجديدة. كما شددت على خصوصية المستخدم من خلال اعتماد مبادئ "الذكاء الاصطناعي المسؤول" ونشر سياسات واضحة لحماية البيانات.
وفي خطوة لدعم النظام التقني، أطلقت واجهة "Gemini API" للمطورين، وأتاحت نماذج الذكاء الاصطناعي الخاصة بها على منصات مثل "Google Cloud" و"Kaggle".
كل هذه التحركات، إلى جانب استثمارات ضخمة في "DeepMind" وفرق البحث الداخلي، تؤكد أن غوغل لن تنوي أن تتخلف بسهولة عن ركب مستقبل البحث، وتسعى بقوة لمواكبة السباق العالمي في الذكاء الاصطناعي.
وأخيرًا.. نعم، غوغل مهددة، والتهديد ليس من شركة واحدة بل من نموذج معرفي جديد بالكامل. وبالرغم من أنها تتحرك بسرعة فإنها أيضًا تسير في حقل ألغام من المنافسة والمواجهات القانونية والتغييرات في سلوك المستخدم. فهل سنشهد قريبًا نهاية الصفحة الزرقاء؟.. رُبما!
- ملحوظة: هذا المقال تمت كتابته بمساعدة الذكاء الاصطناعي
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.