شعار قسم مدونات

قراءة في التهديدات الأمنية التي قد تعصف بإسرائيل

Families of Israeli hostages held by Palestinian militants in the Gaza Strip protest outside the ministry of defence in Tel Aviv calling on November 21, 2023, amid ongoing battles between Israel and the Palestinian armed group. - Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu told his cabinet on November 21 that accepting a deal for the release of hostages taken in the Hamas attacks of October 7 was "a difficult decision but it's a right decision". (Photo by AHMAD GHARABLI / AFP)
مظاهرة لعائلات الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة أمام وزارة الدفاع بتل أبيب (الفرنسية)

لطالما كانت إسرائيل موضوعًا حيويًّا في مراكز التحليل السياسي والإستراتيجي منذ نشأتها، إلا أن العقد ونصف العقد الأخيرين (2010-2025) شهدا تحولات عميقة ومتسارعة، دفعت كثيرين من الخبراء إلى التساؤل الجاد حول مستقبل هذا الكيان، ليس فقط من حيث استقراره، بل من حيث بقاؤُه ذاته.

هذا التحليل لا يسعى إلى تقديم إجابات يقينية بقدر ما يرصد تفاعلات داخلية وإقليمية ودولية متداخلة قد تُسهم -مجتمعة- في صياغة سيناريوهات تلامس احتمال زوال أو تحلل البنية الحالية لدولة إسرائيل.

أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة "YouGov" أن ما يقارب نصف المواطنين في دول أوروبية وغربية ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية، في مؤشر على تزايد الهوة بين الحكومات والشعوب في هذا الملف

العوامل الجيوسياسية.. الولايات المتحدة الأميركية

تُعدّ الولايات المتحدة الشريك السياسي والعسكري الأبرز لإسرائيل، حيث حافظت على دعمها الإستراتيجي لها لعقود، بما يشمل التعاون الدفاعي والمساعدات السنوية السخية. غير أنّ هذا التحالف بدأ يواجه تحديات داخلية متزايدة في الولايات المتحدة، لا سيما على مستوى الرأي العام.

فقد أشار استطلاع صادر عن مركز "بيو" للأبحاث في عام 2025 إلى أن 53% من الأميركيين ينظرون إلى إسرائيل بشكل سلبي، مقارنة بنسبة 42% في عام 2022، ما يعكس تراجعًا ملموسًا في التأييد الشعبي، خاصة بين الشباب واليسار التقدمي.

هذا التحول قد يُفضي إلى ضغوط متزايدة على صنّاع القرار الأميركيين في المستقبل، رغم استمرار الدعم الرسميّ من المؤسّسات الأميركية الرئيسية.

إعلان
  • أوروبا والغرب

شهدت مواقف الدول الأوروبية والغربية تجاه إسرائيل تقلبات واضحة، لا سيما في أعقاب حرب غزة عام 2023. فقد أبدت دول رئيسية مثل فرنسا وألمانيا انتقادات علنية لسياسات إسرائيل العسكرية والإنسانية، كما تمّت إعادة النظر في بعض برامج المساعدات الأوروبية.

ووفقًا لتحليل صادر عن "كارنيغي أوروبا"، فإنّ هذه المواقف تعكس ما وصفه التحليل بـ"تآكل مصداقية أوروبا" في الشرق الأوسط، نتيجة انحيازات أو صمت سابق تجاه ممارسات إسرائيل.

من جانب آخر، أظهرت استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات مثل "YouGov" أن ما يقارب نصف المواطنين في دول أوروبية وغربية ينظرون إلى إسرائيل نظرة سلبية، في مؤشر على تزايد الهوة بين الحكومات والشعوب في هذا الملف.

  • العالم العربي والمنطقة

شهدت السنوات الأخيرة تحولات كبيرة في العلاقات العربية الإسرائيلية، أبرزها توقيع "اتفاقيات أبراهام" عام 2020. ورغم ما واجهته هذه الاتفاقيات من انتقادات شعبية، خاصة خلال حرب غزة، فإن الدول الموقعة عليها واصلت علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل.

من جهة أخرى، تواصل إيران تصدّر المشهد كأبرز خصوم إسرائيل الإقليميين، سواء من خلال التصريحات العدائية لقادتها، أو عبر دعمها العسكري والسياسي لحماس وحزب الله. وقد حذر "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية (CSIS)" من أن التصعيد المستمر بين إسرائيل وهذه الأطراف يُنذر بخطر اندلاع حرب شاملة على عدة جبهات.

أما العلاقة مع تركيا، فقد شهدت تراجعًا ملحوظًا خلال عام 2024، حيث وصفها محللون في موقع "Responsible Statecraft" بأنها "مكسورة" نتيجة مواقف الحكومة الإسرائيلية الأخيرة، رغم التاريخ الطويل من التعاون الاقتصادي بين البلدين.

تفاقمت الانقسامات بشكل خاص منذ عام 2023 مع اندلاع أزمة "إصلاح النظام القضائي"، التي فجّرت احتجاجات جماهيرية واسعة اجتاحت مختلف المدن الإسرائيلية

الانقسامات الداخلية.. الصراع بين التيارين الديني والعلماني

يشهد المجتمع الإسرائيلي انقسامًا متجذرًا بين التيارين: العلماني والديني، وتحديدًا مع تنامي نفوذ التيار اليهودي الأرثوذكسي المتشدد (الحريديم). وتُظهر الإحصائيات أن الحريديم يشكلون إحدى أسرع الفئات السكانية نموًّا، ومن المتوقع أن تصل نسبتهم إلى نحو ثلث السكان بحلول عام 2050، وفقًا لتحليل نشره موقع Aspenia Online.

إعلان

هذه الفئة تعتمد بدرجة كبيرة على المساعدات الاجتماعية وتُعفى غالبًا من الخدمة العسكرية الإلزامية، ما يخلق فجوة متزايدة في تحمّل الأعباء الاقتصادية والأمنية داخل المجتمع الإسرائيلي.

وعبّر بعض المحللين عن هذه الظاهرة بمصطلح "حرب على الولادات"، في إشارة إلى صراع ديمغرافي طويل الأمد بين الفئتين، وهو ما يثير قلق العلمانيين من فقدان الطابع الديمقراطي والعلماني للدولة في المستقبل المنظور.

  • الاستقطاب السياسي

تمر إسرائيل بواحدة من أكثر المراحل السياسية اضطرابًا في تاريخها، وسط انقسامات حادة بين اليمين المتشدد والتيار اليساري الإصلاحي.

وقد تفاقمت هذه الانقسامات بشكل خاص منذ عام 2023 مع اندلاع أزمة "إصلاح النظام القضائي"، التي فجّرت احتجاجات جماهيرية واسعة اجتاحت مختلف المدن الإسرائيلية.

وقد أدى هذا الانقسام السياسي إلى تآكل ثقة الجمهور في المؤسسات الرسمية، وأضعف فاعلية صُنع القرار، كما بات ينعكس على السياسة الخارجية والدفاعية لإسرائيل.

ويُتوقّع أن تؤدي هذه الديناميكيات إلى مزيد من التوترات الداخلية في حال عدم التوصّل إلى توافق وطني يعيد التوازن إلى المشهد السياسي.

لا يقتصر التهديد الديمغرافيّ على الجانب السياسيّ فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية عميقة. ويحذّر خبراء من أن تغير التركيبة السكّانية بشكل يؤدّي إلى تراجع نسبة الفئات المنتجة أو الأكثر تعليمًا

النمو السكاني وتغير التوازن الديمغرافي

تشهد إسرائيل تحولات ديمغرافية متسارعة تنذر بتغيرات جوهرية في التركيبة السكانية على المديين المتوسط والطويل. ففي عام 2020، بلغ عدد اليهود في إسرائيل نحو 6.87 ملايين نسمة، أي ما يعادل حوالي 75% من إجمالي السكان، بينما بلغ عدد العرب قرابة 2 مليون نسمة (نحو 20%)، وفق بيانات "Aspenia Online".

بيدَ أن معدلات الولادة المرتفعة بين العرب داخل إسرائيل، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى معدلات الولادة العالية بين الحريديم (اليهود الأرثوذكس المتشددين)، تشير إلى مسار ديمغرافي من شأنه أن يعيد رسم ملامح الهوية السكانية للدولة.

وتُشير التقديرات المستقبلية إلى أن الحريديم قد يشكلون نحو ثلث سكان إسرائيل بحلول عام 2050، بينما قد تتفوق الكتلة العربية (بما يشمل عرب الداخل وسكان الأراضي الفلسطينية المحتلة) عدديًّا على اليهود في كامل المنطقة الممتدة من نهر الأردن إلى البحر المتوسط.

إعلان

ويثير هذا التوجه مخاوف لدى النخب الإسرائيلية من تهديد التوازن بين الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة، خاصة في ظل تفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المصاحبة له.

  • خطر «الدولة الواحدة»

يحذّر محللون أمنيون في إسرائيل من سيناريو مرعب يتمثل في تحوّل الصراع مع الفلسطينيين إلى نموذج «دولة واحدة» ذات حقوق متساوية لكافة سكانها. ووفقًا لتحليل صادر عن معهد دراسات الأمن القومي (INSS)، فإن غياب حل سياسي واستمرار السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، دون منح الفلسطينيين حقوقًا سياسية كاملة، قد يُفضي إلى واقع ديمغرافي يجعل من المستحيل الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة.

ويشير التقرير إلى أن قيام دولة ديمقراطية واحدة تُدمج فيها الكتلة السكانية الفلسطينية سيمنح الفلسطينيين نفوذًا انتخابيًّا كبيرًا، ما قد يُنذر -بحسب التعبير المستخدم في التقرير- بـ"استيلاء الفلسطينيين على الحكم".

ورغم أن غالبية المجتمع اليهودي ترفض هذه الفرضية بشدة، ويُعد احتمال تحققها حاليًّا ضعيفًا، فإن استمرار النمو السكاني للفلسطينيين دون وجود حلّ سياسي متّفق عليه، قد يجعل هذا السيناريو أكثر واقعية مع مرور الوقت، ومهددًا بنشوب أزمات داخلية حادة.

  • التداعيات الاقتصادية والاجتماعية

لا يقتصر التهديد الديمغرافيّ على الجانب السياسيّ فحسب، بل يمتد ليشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية عميقة. ويحذّر خبراء اقتصاديون من أن تغير التركيبة السكّانية بشكل يؤدّي إلى تراجع نسبة الفئات المنتجة أو الأكثر تعليمًا قد يُفضي إلى انخفاض الاستثمارات وهروب الكفاءات إلى الخارج.

وأشار تقرير صادر عن معهد (INSS) إلى أن تدهور الأوضاع السياسية أو القانونية يمكن أن يتسبب في أزمة مدنية تقود إلى "هجرة جماعية للإسرائيليين ذوي الكفاءة"، ما يضرّ برأس المال البشري والتقني اللازمين لاستمرار النمو الاقتصادي والابتكار التكنولوجي، الذي يُعد من أهم أعمدة القوة الإسرائيلية.

التهديد الجنوبي غير المسبوق يفتح جبهة جديدة تُربك حسابات الأمن الإسرائيلي، وتُجبر الجيش على التمدد الجغرافي في عمليات انتقامية في اليمن، ما يستنزف موارده وقدرته على الرد السريع في جبهات أخرى

التهديدات الأمنية والعسكرية

رغم امتلاك إسرائيل واحدة من أقوى الآلات العسكرية والأمنية في المنطقة، فإن عام 2025 يُبرز أمامها سلسلة من التهديدات المركّبة التي باتت تضع وجودها -لأول مرة منذ تأسيسها- على محكّ تاريخي.

إعلان

إذ تواجه إسرائيل تآكلًا في قدرتها الردعية على عدة جبهات في آنٍ واحد، وسط تحولات إستراتيجية إقليمية ودولية لا تصب في مصلحتها، ما يجعل الحديث عن "نهاية إسرائيل" موضوعًا لم يعد حكرًا على الشعارات، بل أصبح محل نقاش جاد في أوساط بعض مراكز التفكير الإستراتيجي.

  • الجبهة الفلسطينية.. غزة وحماس كمصدر تهديد دائم

يشكّل هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 نقطة فاصلة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، فقد عرّى ذلك الهجوم المذهل هشاشة منظومة الإنذار المبكر، وبيّن أن إسرائيل رغم تفوقها الاستخباري لم تكن مستعدة لمفاجأة تكتيكية من حماس.

ويشير محللو مركز «كارنيغي» إلى أن إسرائيل ستبذل قصارى جهدها لتفكيك البنية العسكرية لحماس، لكنها ربما تكون قد دخلت في حرب استنزاف طويلة لا نهاية واضحة لها.

الخطورة تكمن في أن حماس قد تتبع منهجية حزب الله: البقاء السياسي، والمشاركة في الحكم، والاحتفاظ بجناح مسلّح نشط. هذه المعادلة تضع إسرائيل في مأزق مستمر، إذ يصعب القضاء على حماس نهائيًّا دون تكلفة بشرية وسياسية باهظة، ما يجعل غزة بؤرة مفتوحة للنزاع المسلح، ومصدر نزيف دائم في الجسد الإسرائيلي.

  • الحوثيون.. مفاجأة الجنوب وقوة الردع الجديدة

تحولت جماعة أنصار الله الحوثية من فاعل محلي إلى عنصر إقليمي مؤثر، وتهديد مباشر لإسرائيل. فقد أظهرت الجماعة قدرات صاروخية فرط صوتية (مثل صاروخ «فلسطين-2» بسرعة Mach 16) يصعب على أنظمة الدفاع الإسرائيلية مثل «القبة الحديدية» و«حيتس» اعتراضها بفاعلية.

الهجمات الحوثية لم تقتصر على الدعم السياسي لحماس، بل وصلت إلى ضرب تل أبيب بصواريخ باليستية ومسيرات، وهو تطور نوعي.

هذا التهديد الجنوبي غير المسبوق يفتح جبهة جديدة تُربك حسابات الأمن الإسرائيلي، وتُجبر الجيش على التمدد الجغرافي في عمليات انتقامية في اليمن، ما يستنزف موارده وقدرته على الرد السريع في جبهات أخرى.

  • سوريا بعد الأسد

مع انهيار نظام بشار الأسد أواخر 2024، سقط أحد العوائق الأمنية التي كانت تُمثّل نوعًا من «الثبات الخطر» على الحدود الشمالية لإسرائيل، ورغم محاولات تل أبيب فرض منطقة منزوعة السلاح، فإن احتمال اندلاع صراع جديد يبقى قائمًا. كما أن وجود فصائل غير منتظمة يهدد أمن إسرائيل بعمليات تسلل وهجمات غير تقليدية، وقد يشعل حربًا مفتوحة في الشمال، تضعف قدرة إسرائيل على إدارة بقية الجبهات.

إعلان
  • التهديد الإيراني.. رأس الحربة في مشروع استنزاف إسرائيل

رغم الضربات الإسرائيلية المستمرّة، فإن إيران لا تزال تطوّر قدراتها النووية والصاروخية بسرية وفاعلية. وتؤكد مراكز الأبحاث كـ «JCPA» و«كارنيغي» أن طهران استثمرت في وكلائها ( حزب الله، الحوثيين.. إلخ) لا كأدوات تكتيكية، بل كمحور مقاومة متكامل قادر على فتح جبهات متزامنة تُربك الجيش الإسرائيلي وتستنزفه.

كما أن أي نجاح إيراني في الوصول إلى العتبة النووية -ولو على مستوى ردع نفسي- سيغيّر قواعد اللعبة، وسيُفقد إسرائيل تفوقها النوعي، ما يدفعها إلى توجيه ضربات استباقية قد تُشعل حربًا إقليمية لا تستطيع السيطرة على أطرافها. هذا السيناريو يشكّل كابوسًا وجوديًّا لإسرائيل، لأنه يعرض جبهتها الداخلية لخطر حقيقي لأول مرة منذ عقود.

  • تحولات العقيدة الأمنية.. الانفراد لا يصنع النصر

تُظهر السياسة الإسرائيلية بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول تحولًا واضحًا نحو الانفرادية والهجوم الوقائي خارج الحدود. ولكن هذا النهج الاستباقي -رغم ضرورته الظاهرة- يفتح على إسرائيل أبوابًا لصراعات متعددة الأطراف قد لا تستطيع تحملها، خاصة مع تراجع الدعم الغربي وتنامي الخطاب المعادي في الرأي العام الدولي.

زيادة الاعتماد على قوات الاحتياط، وتوسيع نطاق التجنيد، وتوسيع المناطق العازلة، وتكثيف الضربات الجوية، كلها إجراءات دفاعية تبطن اعترافًا غير معلن بأن إسرائيل تعيش مرحلة انكشاف أمني غير مسبوقة. وإذا استمرت الجبهات في الاشتعال من غزة إلى اليمن، ومن إيران إلى سوريا، فقد تجد إسرائيل نفسها أمام "نقطة الانكسار".

يرى عدد من المحللين أن الانقسامات الداخلية الحادة -سواء على أسس دينية أو أيديولوجية- إلى جانب التوترات الأمنية المزمنة، قد تُقوّض مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وتُضعف من قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية

التحديات الاقتصادية والاجتماعية 

أصبحت القضايا الاقتصادية، وفي مقدمتها غلاء المعيشة، محور انشغال رئيسي داخل المجتمع الإسرائيلي. وفقًا لاستطلاع صادر عن المعهد الإسرائيلي للديمقراطية (IDI)، يرى حوالي 60% من الإسرائيليين أن ارتفاع تكاليف المعيشة، ولا سيما أسعار السكن، يمثل أكبر تحدٍّ في حياتهم اليومية، مع تحميل الحكومة المسؤولية المباشرة عن تفاقم هذه الأزمة.

إعلان

وتُظهر البيانات أن نحو ثلاثة أرباع الأسر في إسرائيل باتت مضطرة لتقليص نفقاتها اليومية لمواجهة الضغوط الاقتصادية، ما يخلق حالة من القلق العام، لا سيما بين فئة الشباب والطبقة الوسطى التي تشعر بتراجع في قدرتها على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والمالي.

  • التفاوت الاجتماعي والتوزيع غير المتكافئ

تعاني إسرائيل من فجوات اجتماعية واقتصادية متجذرة، تتجلى في التوزيع غير المتكافئ للثروات والخدمات بين شرائح المجتمع المختلفة. فالمجتمعات الحريدية والعربية -والتي تعاني من معدلات فقر مرتفعة- تعتمد بشكل كبير على التحويلات الحكومية والدعم الاجتماعي، فيما تتحمل الفئات العلمانية -وخاصة في الطبقتين الوسطى والعليا- العبء الأكبر في تمويل الميزانية العامة من خلال الضرائب، فضلًا عن مساهمتها في الخدمة العسكرية والأمنية.

هذا التفاوت يولّد احتقانًا اجتماعيًّا، ويضع ضغوطًا متزايدة على الخزينة العامة، التي تجد نفسها مطالبة بالاستجابة لمتطلبات متناقضة بين الإنفاق الاجتماعي والأمني.

  • المهاجرون وهجرة العقول

في ظل الاضطرابات الأمنية والسياسية المتكررة، أظهرت الإحصاءات الأخيرة مؤشرات مقلقة تتعلق بزيادة معدلات هجرة الإسرائيليين من أصحاب الكفاءات العالية، خاصة في مجالات التقنية والبحث العلمي.

تشير تحليلات لمراكز أبحاث أمنية إلى أن الأزمات المتلاحقة -من تصعيد عسكري إلى ارتباك سياسي داخلي- تدفع أعدادًا متزايدة من النخب المتخصصة إلى مغادرة البلاد، بحثًا عن استقرار أكبر وفرص مهنية أفضل في الخارج.

هذه الظاهرة، إذا استمرت، قد تؤدي إلى تفاقم النقص في الكوادر المتخصصة، ما يهدد استمرارية التفوق الإسرائيلي في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، ويضعف القدرة التنافسية للاقتصاد على المدى البعيد.

  • نحو تفكك تدريجي أم صدمة مفاجئة؟

إسرائيل، رغم تفوقها العسكري والاقتصادي، تُواجه من الداخل والخارج تحديات متشابكة تضعف بنيتها الإستراتيجية. التغيرات الديمغرافية، والانقسامات الداخلية، وتراجع الحلفاء، وتآكل الردع العسكري، ذلك قد لا يُنتج "نهاية" تقليدية بالمعنى الصريح، بل مسارًا تدريجيًّا نحو تحلل الدولة كما نعرفها اليوم.

إعلان

يتبنى عدد من القادة والخبراء الأمنيين رؤى قاتمة بشأن المستقبل الإستراتيجي لإسرائيل؛ ومن أبرزهم يوفال ديسكين، الرئيس السابق لجهاز الشاباك، الذي حذّر من أن استمرار غياب حل سياسي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي قد يؤدي إلى "نقطة اللاعودة"، حيث تصبح إسرائيل كيانًا واحدًا يعيش فيه شعبان تحت دولة واحدة، ما يهدد هويتها اليهودية والديمقراطية على حد سواء.

كما يرى عدد من المحللين أن الانقسامات الداخلية الحادة -سواء على أسس دينية أو أيديولوجية- إلى جانب التوترات الأمنية المزمنة، قد تُقوّض مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، وتُضعف من قدرتها على مواجهة التحديات الخارجية.

تبقى السيناريوهات متعددة: من دولة متوترة ذات طابع ثيوقراطي، إلى كيان منقسم داخليًا، أو -في أخطر الحالات- إلى انهيار مفاجئ نتيجة حرب شاملة أو ثورة اجتماعية داخلية.

السؤال لم يعد: هل ستزول إسرائيل؟.. بل: متى؟ وكيف؟!

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان