تمثل زيادة سلسلة القيمة أحد المحاور الإستراتيجية للنهوض بالاقتصاد الوطني، إلى جانب أهمية التخصص الاقتصادي الذي تناولته في مقال سابق. فالتخصص يُساعد في تركيز الجهود والموارد في مجالات ذات ميزة تنافسية عالية، بينما تُسهم زيادة سلسلة القيمة في تعظيم الفائدة الاقتصادية عبر تحويل الموارد الخام إلى منتجات ذات قيمة مضافة.

هذه الإستراتيجية ليست مجرد تحسين للإنتاج، بل هي إعادة تشكيل لبنية الاقتصاد السوري ليصبح أكثر استقرارًا واستقلالية، ما يضمن تنمية مستدامة وفرصًا اقتصادية واسعة على المدى الطويل.

لماذا تعتبر زيادة سلسلة القيمة خيارًا إستراتيجيًّا لسوريا؟

كان الاقتصاد السوري، وما يزال، يعتمد بشكل رئيسي على تصدير المواد الخام، ما يحرم المنتجين المحليين من تحقيق أقصى استفادة ممكنة من مواردهم، ويترك الأرباح الحقيقية في أيدي الأسواق الخارجية. ولذلك، فإن تعزيز سلسلة القيمة من خلال إنشاء صناعات تحويلية محلية يُمثل تحولًا جوهريًّا يهدف إلى تحقيق عوائد أكبر، من خلال توفير فرص عمل، وتقوية الاستقلال الاقتصادي.

يُباع زيت الزيتون اليوم -كما في الأمس- كمنتج خام بسعر 49 إلى 60 دولارًا للتنكة التي تتسع تقريبًا لـ 17 لترًا، بينما يباع اللتر الواحد في تركيا بـ 6 إلى 9 دولارات، ما يدل على أن القيمة الحقيقية قد تتحقق خارج سوريا

زيت الزيتون في إدلب: نموذج عملي لزيادة سلسلة القيمة

تشتهر محافظة إدلب بإنتاج زيت الزيتون عالي الجودة، ففيها ما يزيد على 11 مليون شجرة زيتون موزعة على 100 هكتار، بقوة إنتاجية بلغت 130 ألف طن لعام 2023.

يُباع زيت الزيتون اليوم -كما في الأمس- كمنتج خام بسعر 49 إلى 60 دولارًا للتنكة التي تتسع تقريبًا لـ 17 لترًا، بينما يباع اللتر الواحد في تركيا بـ 6 إلى 9 دولارات، ما يدل على أن القيمة الحقيقية قد تتحقق خارج سوريا وليس داخلها، عند تصدير زيت الزيتون الخام لتركيا مثلًا.

وعلى سبيل الاقتراح نحو زيادة سلسلة القيمة، نقوم بإنشاء منشأة صناعية في منطقة حارم، تدار من قبل إدارة محلية بصفة شركة مساهمة، حيث يمتلك كل مساهم نسبة معينة من رأس المال، وتكون مسؤولية المساهمين محدودة بقدر حصصهم في رأس المال من أصحاب الأراضي الزراعية للزيتون، وبذلك تتحقق الفوائد التالية:

• زيادة أرباح المزارعين عبر تحسين جودة المنتج، وتقديمه بأسعار أكثر تنافسية في الأسواق الخارجية.
• توفير منطقة تصريف أساسية للمزارعين، ما يضمن وجود سوق محلي مستقر يعزز الطلب الداخلي على الزيت.
• خلق فرص عمل جديدة لأبناء المنطقة في مراحل التصنيع، والتعبئة، والتسويق، والتوزيع.
• تعزيز القطاع الزراعي الأساسي عبر دعم الإنتاج المحلي، وضمان استدامته في السوق الداخلي.
• إنتاج زيت زيتون معبأ بطريقة احترافية، ينافس في الأسواق الإقليمية والدولية بجودة عالية وأسعار عادلة.
• تصنيع منتجات مشتقة، مثل الصابون ومستحضرات التجميل والمنتجات الغذائية، ما يعزز العوائد الاقتصادية من الزيتون.
• استثمار مخلفات الزيتون في صناعات مثل الوقود الحيوي (البيرين) أو المكملات الغذائية، ما يزيد من الاستفادة من الموارد المحلية.
• إنشاء علامة تجارية محلية قوية، تضع إدلب على خارطة الأسواق العالمية لمنتجات زيت الزيتون.

زيادة سلسلة القيمة ليست مجرد تحسين للإنتاج، بل هي إستراتيجية شاملة تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز الأمن الغذائي في سوريا

إلى جانب الفوائد الاقتصادية، فإن لزيادة سلسلة القيمة دورًا حاسمًا في تعزيز الأمن الغذائي في سوريا؛ إذ إن تحويل المنتجات الخام إلى منتجات نهائية محلية يُقلل من الاعتماد على الاستيراد، ما يحمي الأسواق المحلية من التقلبات الخارجية في الأسعار والإمدادات.

فعلى سبيل المثال: في قطاع زيت الزيتون، توطين عمليات التصنيع يمنع الاعتماد على استيراد الزيوت المكررة من الخارج، وهذا يضمن توفر المنتج بجودة عالية وأسعار مستقرة للسكان.. وينسحب ذلك على قطاعات الألبان والقمح والقطن واللحوم والأسماك.

نستنتج أن زيادة سلسلة القيمة ليست مجرد تحسين للإنتاج، بل هي إستراتيجية شاملة تهدف إلى دعم الاقتصاد المحلي وتعزيز الأمن الغذائي في سوريا. عبر التحول من تصدير المواد الخام إلى تصنيع منتجات متكاملة، يمكن تحقيق اقتصاد أكثر قوة واستدامة، يرفع من مستوى معيشة المواطنين ويُقلل من الاعتماد على الأسواق الخارجية.

إن تعميم هذه الفكرة على كافة القطاعات الإنتاجية سيجعل سوريا أكثر قدرة على تحقيق اكتفاء ذاتي غذائي، ما يُساهم في استقرار المجتمع، وضمان مستقبل اقتصادي أكثر استدامة.