شعار قسم مدونات

سيدي بوسعيد: مدينة زرقاء تعانق البحر الأبيض المتوسط

صورة من سيدي بوسعيد وهي أحد أشهر المناطق السياحية في تونس
سيدي بوسعيد واحدة من أشهر المناطق السياحية في تونس (الجزيرة)

في حضن البحر الأبيض المتوسط، وعلى ربوةٍ تتماهى مع زرقة السماء الجميلة، تتجلى سيدي بوسعيد كعروسٍ أندلسيةٍ زُفَّت بالأزرق والأبيض.. على بعد 20 كيلومترًا شمال العاصمة تونس.

تداعب هذه المدينة الساحلية شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ليلتقي جمال الطبيعة بعبق التاريخ والفن المعماري الأصيل. وتُعرف هذه القرية الخلابة أيضًا بـ"قرية السلام"، وهي قِبلة للسائحين والزائرين من كافة أصقاع الأرض.

تعود نشأة سيدي بوسعيد إلى زمن الفينيقيين، وكان جبل سيدي بوسعيد يُسمى آنذاك "جبل المنار"، وقد استعمل هذا الجبل لمراقبة وتحصين مدينة قرطاج من الحروب والغزوات

تُعدّ هذه المدينة اليوم من أشهر الوجهات السياحية في تونس، يقصدها الزوّار للاستمتاع بجمالها الهادئ، وشراء المنتوجات التقليدية، وتذوّق الحلويات المحلية مثل "البمبلوني"؛ فسيدي بوسعيد لم تكن فقط ملتقًى للسياح، بل هي أيضًا ملجأ هادئ للفنانين والمثقفين والشعراء الذين سحرتهم هذه القرية بأجوائها الرائعة، ورائحة ياسمينها الذي يملأ المكان؛ فقد أصبحت سيدي بوسعيد مصدر إلهام للعديد من الرسامين والكتّاب، من بينهم الفنان الفرنسي بول كلي.

سميت المدينة نسبةً إلى الولي الصالح أبو سعيد الباجي، الذي عاش فيها خلال القرن الثالث عشر، والذي أقام فيها إلى حين وفاته متفرغًا للتعبد.

وبأعالي هذه المدينة نجد مرقد الولي الصالح وأتباعه من المتدينين، مثل سيدي الظريف وسيدي بوفارس وسيدي الشبعان وسيدي الشهلول وسيدي عزيزي وللة المعمورة وللة شريفة بنت سيدي أبو سعيد، الذين ساهموا في نشر التعاليم الصوفية.

إعلان

ويقام في المدينة احتفال سنوي يسمى "خرجة سيدي بوسعيد"، يشارك فيه العديد من فرق العيساوية، التي تلقي المدائح مع أصوات الدفوف والزغاريد وروائح البخور.

وتعود نشأة سيدي بوسعيد إلى زمن الفينيقيين، وكان جبل سيدي بوسعيد يُسمى آنذاك "جبل المنار"، وقد استعمل هذا الجبل لمراقبة وتحصين مدينة قرطاج من الحروب والغزوات.

أصبحت سيدي بوسعيد مقرًّا للباي الحسيني في العهد العثماني، حيث بُنيت آنذاك قصور ومساكن فاخرة فيها. وتضمّ القرية عددًا هامًّا من الآثار التي تروي تاريخ المكان وعراقته، نذكر منها قصر البارون ديرلانجى، الذي يسمى اليوم "قصر النجمة الزهراء"، وتقام فيه سهرات فنيّة وأمسيات شعريّة ثقافيّة.

كما نجد دار العنابي، وهي منزل تونسي تقليدي يعود تاريخه إلى القرن 18، وقد أعيد ترميمه ليصبح سكنًا صيفيًّا، ويتميّز بطابعه الإسلامي والأرضيات الرخامية والمصابيح الملونة، وتتوسط الباحة الرئيسيّة نافورة كبيرة تحيط بها أشجار الياسمين.

وقد كان وراء اعتماد اللونين الأبيض والأزرق في طلاء المباني مرسوم ملكي أصدره الباي سنة 1912، يحمي طابع المدينة.

في هذه المدينة النائمة على ضفاف المتوسط، لا فرق بين الواقع والحلم؛ فكل لحظة في سيدي بوسعيد هي لوحةٌ من الضوء والظلّ

وهناك من يشبّه هذه المدينة بمدينة سانتوريني اليونانية، خاصة في المجال المعماري .وفي سنة 1979، أدرجت هذه القرية ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي، كجزء من موقع "مدينة تونس العتيقة"، نظرًا لقيمتها التاريخية والمعمارية.

من أبرز الكتّاب والشعراء والمؤرخين الذين خلدوا ذكر مدينة سيدي بوسعيد: جورج دوهامل، وأندريه جيد، وشارل لالمان، ومونييه، وجاك رفولت، وماكس بول فوشت، وغيرهم. وزار سيدي بوسعيد قادة وزعماء ورؤساء وملوك من مختلف دول العالم، وأصروا على رؤيتها للاستمتاع بجمالها ونقاوة هوائها.

مدينةٌ لا تُشبه غيرها من المدن الساحلية، بل هي لوحة فنية تجمع بين زرقة البحر وبياض الجدران وزرقة الأبواب والنوافذ. تتنفس عبير القرنفل والياسمين والروائح العطرة، وتهمس للأفق بأغنيةٍ لا تعرفها إلا رياح المتوسط العليلة.

إعلان

أزقّتها ضيّقة ومرصوفة بالحجارة مع نوافذ مزخرفة، لكنها واسعةٌ بالحنين والذكريات، وكلّ نافذة زرقاء تُطلّ على الحلم لتعانق البحر كل صباح، وتوشوشه بأسرار الزمن. أبوابها الزرقاء كأنها عيون البحر الصافية، تستقبل الزائرين بكل حب.

اشتهرت المدينة بطابعها المعماري المميز، لتتزيّن البيوت بالأبيض الناصع والأزرق السماوي، وهو طراز متأثر بالعمارة الأندلسية.

وتمتد فيها المقاهي التقليدية مثل "مقهى العالية"، وكلها تضفي على المدينة سحرًا خاصًّا، حيث تمتزج رائحة القهوة بحديث العشّاق وصدى الأغنيات القديمة، كما تغنى بها شحرور الخضراء علي الرياحي بأغنيته الفريدة "يا بوسعيد العالي".

في هذه المدينة النائمة على ضفاف المتوسط، لا فرق بين الواقع والحلم؛ فكل لحظة في سيدي بوسعيد هي لوحةٌ من الضوء والظلّ، وإن جلست على حافة المقهى العالي بسيدى شبعان، حيث البحر يعانق السماء الزرقاء، تدرك أن الجمال قد اختار له عنوانًا.. سيدي بوسعيد الحالمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان