تعريف الطابور الخامس: مصطلح "الطابور الخامس" يُستخدم للإشارة إلى مجموعة من الأفراد أو الجماعات، ممن يعملون ضد استقرار الدولة، سواء من داخلها أو خارجها، ويقومون بتخريب مؤسساتها أو تشويه صورتها.
ظهر هذا المصطلح لأول مرة خلال الحرب الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث كان يشير إلى جماعات محلية في إسبانيا تعمل لصالح العدو من داخل البلاد.
وفي السياق السوري، يشير الطابور الخامس إلى القوى الداخلية والخارجية التي تسعى إلى نشر الفوضى، وإضعاف الحكومة الجديدة، والعمل على عرقلة جهود الإصلاح.
منذ بداية تشكيل الحكومة السورية الجديدة بقيادة السيد أحمد الشرع، بدأت البلاد تواجه تحديات عميقة تهدد مسار الإصلاح وبناء الدولة، أبرزها خطر الطابور الخامس وأدوات الدولة العميقة.
هذه القوى المتجذّرة داخل مؤسسات الدولة، والموروثة من عهد النظام السابق، لا تزال تسعى لإفشال جهود التحول الديمقراطي، وتقويض مشروع بناء دولة مؤسسات حقيقية.
من أهم عناصر قوة الحكومة السورية الجديدة تنوعها الوطني، وتمثيلها كافة مكونات الشعب السوري. تضم الحكومة وزراء من السنة، والعلويين، والدروز، والأكراد، والمسيحيين
الطابور الخامس: تخريب داخلي في ثوب مدني
يتمثل الطابور الخامس في جماعات وأفراد يسعون لبث الفوضى وزرع الشك في نفوس المواطنين. في سوريا اليوم، تأخذ هذه الظاهرة طابعًا مركبًا يتمثل في: إعلام فاسد، صفحات مشبوهة على مواقع التواصل، وشخصيات تُعيد إنتاج خطاب النظام السابق بلبوس جديد.
يتقاطع هذا مع محاولات مستمرة لزرع الفتن العرقية والطائفية، والتشكيك بمصداقية الحكومة، عبر تسويق سيناريوهات خيالية مثل منح "الإدارة الذاتية" لقسَد، أو تعيين مظلوم عبدي نائبًا لوزير الدفاع، رغم أن الحكومة قد سُمي فيها وزير دفاع جديد هو فهيم عيسى.
حكومة الشرع: تمثيل شامل وكفاءة وطنية
من أهم عناصر قوة الحكومة السورية الجديدة تنوعها الوطني، وتمثيلها كافة مكونات الشعب السوري. تضم الحكومة وزراء من السنة، والعلويين، والدروز، والأكراد، والمسيحيين.
وهي حكومة تكنوقراط تعتمد الكفاءة أساسًا، لا المحسوبية أو التوريث السياسي، ما يعزز من مناعتها أمام الاختراقات الطائفية أو الحزبية التي اعتاد عليها النظام السابق.
تحركات السفارات: نموذج لتغلغل الدولة العميقة
برزت محاولات فلول النظام في عرقلة قرارات الحكومة الجديدة داخل بعض السفارات، وعلى رأسها السفارة السورية في موسكو، التي بقيت على صلة بالنفوذ القديم، ورفضت تنفيذ تعليمات الحكومة بخصوص تعيينات دبلوماسية جديدة. هذا النموذج يكشف الحاجة إلى إعادة هيكلة شاملة لمؤسسات الدولة الخارجية.
ظهر على الساحة السورية مصطلح جديد: "المكوّعون"، ويقصد به أولئك الذين كانوا علنًا مع النظام طيلة السنوات الماضية، ثم بمجرد أن تغيّر المشهد بدّلوا مواقفهم وأعلنوا دعمهم للثورة
دعاية الفلول: عودة ماهر الأسد نموذجًا
في لحظة مدروسة بعناية، ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بأنباء ملفقة عن "عودة ماهر الأسد" ومحاولته السيطرة على الساحل السوري. رُوّج لهذه الأخبار ضمن حملة إعلامية مضللة، مدعومة من فلول النظام، في محاولة لإرباك المشهد وزرع البلبلة. لكن الحقيقة تبيّنت لاحقًا، واتضح أن هذه التحركات كانت محاولات يائسة تم التصدي لها بسرعة.
وقد شكّلت هذه الحملة سببًا إضافيًّا لتبنّي الحكومة سياسات ردع قانونية وإعلامية واضحة، تمثلت في تجريم تمجيد النظام السابق، وإنشاء وحدة متخصصة في مكافحة الجريمة الإلكترونية.
"المكوّعون": الوجه الآخر للطابور الخامس
في خضم هذه التحركات، ظهر على الساحة السورية مصطلح جديد: "المكوّعون"، ويقصد به أولئك الذين كانوا علنًا مع النظام طيلة السنوات الماضية، ثم بمجرد أن تغيّر المشهد بدّلوا مواقفهم وأعلنوا دعمهم للثورة.
ثم بلغ تملقهم حدّ إعادة رفع علم النظام القديم في نفس اليوم الذي تم فيه ترويج إشاعة عودة ماهر الأسد. هؤلاء يحاولون إعادة التموضع دون محاسبة، ما يستوجب فضحهم وكشف زيف مواقفهم، إذ لا يمكن أن يُبنى المستقبل على رماد الانتهازية.
من الاستجابة إلى الإستراتيجية: الطريق إلى المناعة الوطنية
لا يكفي الردّ على الشائعات والتخريب المؤسسي بردود أفعال متفرقة.. ما تحتاجه سوريا اليوم هو إستراتيجية وطنية شاملة تقوم على:
- نشر الوعي الشعبي السياسي، من خلال إعلام تنويري ومناهج تعليمية تعزز قيم المواطنة.
- فتح قنوات تواصل مستمرة بين الحكومة والشعب، لكسر الحواجز وإعادة الثقة.
- الاعتماد على حكومة تكنوقراط متنوعة، تُمثل جميع السوريين وتعيد بناء جسور الثقة.
- تأسيس منبر إعلامي رسمي قوي، يكون الناطق باسم الرئاسة، هو مصدر المعلومات والردود على الشائعات.
- تشريع قوانين تجرّم بث الفتن والتضليل الإعلامي، وتمنع إعادة إنتاج الكراهية والانقسام بين أبناء الوطن الواحد.
التصريحات الإقليمية: إيران والتدخل في الشأن السوري
في سياق الحديث عن التدخلات الخارجية، لا يمكن تجاهل التصريحات المثيرة التي أدلى بها وزير الخارجية الإيراني، الذي هدد بشكل علني بأن بلاده لن تترك سوريا تعيش بسلام بعد انطلاق الدولة الجديدة التي يقودها أحمد الشرع.
هذا التصريح يكشف عن محاولات طهران للتأثير على المشهد السوري الداخلي، حيث تسعى لإبقاء نفوذها في سوريا من خلال دعم مليشيات وقوى موالية للنظام القديم.
ومن هنا، تصبح التحديات التي تواجه الحكومة السورية الجديدة أكثر تعقيدًا، وتتطلب درجة أعلى من اليقظة.
الطابور الخامس لن يتوقف عن محاولات التخريب، لكنه سيسقط أمام مشروع وطني نزيه، شفاف، وقريب من الناس
وعي الشعب السوري: الحصن الأخير
لقد أثبت الشعب السوري، رغم كل الجراح، أنه يتمتع بوعي سياسي متقدم، تشكّل عبر عقود من التعايش بين مكوناته، ومقاومته للأنظمة القمعية والاحتلالات المتعاقبة؛ فالسوريون اليوم ليسوا بحاجة لوصاية فكرية أو مشاريع وصاية سياسية، بل هم قادرون على تمييز الحق من الباطل، ويدركون حقيقة ما يُحاك لوطنهم من مؤامرات.
لقد أصبح هذا الشعب، بفضل معاناته وتجاربه المريرة، يملك نظرة حاذقة، ويستطيع مواجهة التضليل الإعلامي والاختراق السياسي بثقة وثبا… إنه شعب قادر على طيّ صفحة الماضي، وكتابة مستقبل جديد يقوم على الحرية، والعدالة، والمواطنة المتساوية.
الخاتمة: الدولة أولًا
الطابور الخامس لن يتوقف عن محاولات التخريب، لكنه سيسقط أمام مشروع وطني نزيه، شفاف، وقريب من الناس.
إن المهمة اليوم ليست فقط تفكيك الدولة العميقة، بل بناء دولة جديدة من الأساس، يكون فيها كل سوري شريكًا في القرار، لا مجرد متفرج على صراعات السلطة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.