شعار قسم مدونات

غزة.. الأرض التي تكسر الطغيان وتكتب التاريخ من دمها

من فيلم: 24 ساعة في غزة
الكاتب: يظنّ العدو أن بإمكانه إبادة مدينة بحصار وجوع وقنابل لكنه يجهل أن غزة ليست مجرد مكان بل فكرة (الجزيرة)

في ليالي الله، حيث تتنزل السكينة على القلوب الراكعة لله، تتهاطل القذائف كالمطر على غزة، في مشهد يحسبه العدو استعراضًا لقوته، لكنه في الحقيقة إعلانٌ لانهياره الأخلاقي وعجزه أمام صمودٍ لا يقهر.

ثلاثمئة واثنان وعشرون شهيدًا خلال خمس ساعات، عشرات المفقودين، مئات الجرحى، لكنه رغم كل هذا الخراب لم يُكتب للعدو نصر، ولم يُرفع له راية، بل ازداد ذعرًا، وارتجفت يده رغم ما تحمل من سلاح.

هذا العدو الذي تسانده قوى العالم، وتقف خلفه جيوش الإعلام والنفاق الدولي، يعلم أن كل قنبلة يلقيها على غزة تقرّبه خطوةً إلى نهايته

يظنّ العدو أن بإمكانه إبادة مدينة بحصار وجوع وقنابل، لكنه يجهل أن غزة ليست مجرد مكان، بل فكرة، والفكرة لا تموت!

هو يجهل أن الأرض التي باركها الله لا تستسلم، وأن من تربى على اليقين بوعده سبحانه لا يلين. لقد جرّبوا القتل، والتدمير، والتجويع، وعشرات الحروب، فماذا كانت النتيجة؟ بقيت غزة، وبقي أبناؤها يرفعون رؤوسهم عاليًا، بينما يزداد العدو خوفًا حتى من أطفال الحجارة.

لم تكن هذه المجازر جديدة، لكنها كانت هذه المرَّة أوضح في فضح جبن العدو الذي بات يقاتل بطائراته فقط، من بعيد، دون أن يجرؤ على مواجهة الرجال وجهًا لوجه.

يقصف المنازل لأن جنوده لا يملكون الجرأة لمواجهة المقاومين، ويدمّر المساجد لأنه لم يستطع انتزاع الإيمان من القلوب، ويحاصر القطاع لأنه يعلم أن الانتصار قادم، وأن ساعته تدنو رغم عربدته.

إعلان

ليست المرة الأولى الذي تمتلئ فيه غزة بالشهداء، لكنها كل مرة تُثبت أن العدو واهم إن ظن أنه قادر على محوها. لقد فعلوا ما فعلوا في 2008، وفي 2012، وفي 2014، وفي كل مرة كانت غزة تقوم من تحت الركام، أصلب عودًا وأشد بأسًا، تزلزل الأرض تحت أقدامهم، وتجعلهم يدفعون ثمن كل قطرة دم أضعافًا مضاعفة.

هذا العدو الذي تسانده قوى العالم، وتقف خلفه جيوش الإعلام والنفاق الدولي، يعلم أن كل قنبلة يلقيها على غزة تقرّبه خطوةً إلى نهايته.

لقد قرأ التاريخ، ويعرف أن الاحتلال إلى زوال، لكن غروره يمنعه من الاعتراف. ظنّوا أن أصحاب الأرض سينسون، فوجدوا أن كل مولود في غزة يولد وقلبه معلق بالأقصى، وأن كل بيت تهدمه طائراتهم يبنى في الذاكرة حصنًا أعلى.

وعد الله حق!. هذه الأرض التي صلى فيها الأنبياء، وارتفعت منها رسالة السماء، لا يمكن أن تبقى تحت الاحتلال.

غزة ليست مجرد مدينة محاصرة، بل هي السور الأخير الذي يقف أمام مشروع الظلم العالمي. هناك، حيث ظنّوا أن الخوف سيجتاح القلوب، كانت التكبيرات تعلو، وكان الإيمان يتجذر، وكانت الأمهات يزغردن للشهادة، في مشهد يعجز العدو عن فهمه.

غزة، منذ عقود، تكتب فجر الأمة بدمائها، وتبشّر بأن الليل زائل، وأن المحتل عابر، وأن القدس ستعود، ليس لأننا نحلم، بل لأن التاريخ يقول ذلك، ولأن الله وعَد بذلك، وإن وعْد الله كان مفعولًا

لقد قال الرافعي: "الحق كالنهار، لا يحجبه ظلام، لكنه قد يحتاج إلى زمن ليشرق في أفق الدنيا"! وغزة، منذ عقود، تكتب فجر الأمة بدمائها، وتبشّر بأن الليل زائل، وأن المحتل عابر، وأن القدس ستعود، ليس لأننا نحلم، بل لأن التاريخ يقول ذلك، ولأن الله وعَد بذلك، وإن وعْد الله كان مفعولًا.

اللهم إنا نستودعك غزة وأهلها، نستودعك أرواحهم وأجسادهم، نستودعك دماءهم الطاهرة، فاحفظهم يا أرحم الراحمين. اللهم أنت الذي لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، فكن لهم سميعًا قريبًا، واستجب دعاءهم في هذه اللحظات العصيبة. اللهم اجعل قلوبهم متعلقة بك وحدك، واربط على أرواحهم برباط من الصبر واليقين. اللهم اجعلهم في عنايتك ورعايتك، وحفظك الذي لا يحيط به البشر.

إعلان

اللهم اجعل من شدة محنتهم منحة، ومن ظلم المعتدين سُبُلًا للنصر والفرج القريب. اللهم أفرغ عليهم من صبرك وطمأنينتك، وثبت أقدامهم على الحق الذي لا يلين. اللهم أرهم في أعدائهم ما يغيظ قلوبهم، واجعل يومهم أسود كما كان يوم فرعون وهامان.

اللهم بشّر غزة وأهلها بعزٍّ من عندك.. اللهم استجب، وأنت القادر على كل شيء، يا أرحم الراحمين.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان