شعار قسم مدونات

حلم تحرير العراق ومآلاته (1)

انتهاء الشهر الأول من احتجاجات العراق متظاهرون في ساحة التحرير
الكاتب: تتلخص فكرة المشروع في العمل على تفكيك المليشيات المدعومة من إيران في العراق (الجزيرة)

حاولت الولايات المتحدة تفكيك المليشيات الموالية لإيران في العراق لما يقرب من عقدين من الزمن، واستخدم رؤساء الولايات المتحدة، ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين، إستراتيجيات متباينة للوصول لهذا الهدف.

وكانت النتائج أيضًا على نفس قدر تباين خطط الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، إذ تأتي هذه الخطط ضمن إستراتيجيات أوسع لمواجهة النفوذ الإيراني المتمدد بعد الغزو الأميركي للعراق، وفي المقابل كانت ردود فعل الحكومات العراقية على قدر الضغوط الأميركية، صعودًا وهبوطًا.

قبل تفكيك بنود مشروع القانون الأميركي لتحرير العراق، دعونا نقف مليًا عند خلفية صعود المليشيات الموالية لإيران في العراق، فبعد احتلال أميركا للعراق، تسبب سقوط صدام حسين في فراغ أمني، لا سيما بعد قرار الحاكم الأميركي في حينها بول بريمر حل الجيش العراقي

منذ أيام والحديث لا ينقطع في الدوائر السياسية، والمهتمين بها، ومن العراقيين أيضًا، عن مشروع القانون المقدّم من النائبين الجمهوريين، جو ويلسون، وجيمي بانيتا إلى الكونغرس، فيما سمّي بـ "قانون تحرير العراق من إيران" والذي يهدف إلى دعم الشعب العراقي لتحرير بلاده من النفوذ الإيراني.

وتتلخص فكرة المشروع في العمل على تفكيك المليشيات المدعومة من إيران في العراق، ودفع الحكومة لذلك من خلال إيقاف المساعدات الأمنية الأميركية للعراق، ومن ثم دعم المجتمع المدني العراقي، ومساعدة النشطاء، المناهضين للوجود الإيراني على أراضي بلادهم.

وتصنيف المليشيات المدعومة من إيران كمنظمات إرهابية، وفرض عقوبات على القيادات المليشياوية وأصولهم المالية سواء العسكرية أو السياسية التابعة لها، ولتجفيف منابع تمويل هذه المليشيات، تحظر الإدارة الأميركية على العراق استيراد الغاز الإيراني المسال.

إعلان

وقبل تفكيك بنود مشروع القانون الأميركي لتحرير العراق، دعونا نقف مليًا عند خلفية صعود المليشيات الموالية لإيران في العراق، فبعد احتلال أميركا للعراق، تسبب سقوط صدام حسين في فراغ أمني، لا سيما بعد قرار الحاكم الأميركي في حينها بول بريمر حل الجيش العراقي.

وهو ما ملأته إيران من خلال المليشيات العراقية "الشيعية" التي قاتلت معها ضد نظام صدام في حرب الثماني سنوات، وتزايدت في ظل المنافع الاقتصادية والنفوذ السياسي الذي اكتسبته أسماء بارزة استطاعت تكوين مليشيات لاحقًا للفوز بجزء من كعكة العراق الغنية "بالكريمة"، المتمثلة في الدعم السياسي والعسكري.

وتنامى هذا الدعم إبان حرب الدولة العراقية على الإرهاب، متمثلًا في تنظيم الدولة، ومتحالفة مع الولايات المتحدة التي دعمت بشكل كبير هذه المليشيات، وأمدتها بأحدث الأسلحة والعتاد، بالتزامن مع تدريبات عالية الكفاءة، وبين هذه الفترة وتلك مارست هذه المليشيات بأوامر من إيران عمليات ضد القوات الأميركية كورقة ابتزاز تصبّ في النهاية في مصلحة طهران.

عودة إلى قانون "تحرير العراق من النفوذ الإيراني" وبنوده، التي شملت تناقضًا وعدم فهم حقيقي للعلاقة بين هذه المليشيات وإيران، من جهة عدم نظر المشرّع الأميركي إستراتيجيًا لما تضمنه مشروع القانون

قانون تحرير العراق من النفوذ الأميركي سبقه محاولات سابقة لتفكيك المليشيات الموالية لإيران منذ 2003، مع تمرد هذه المليشيات على القوات الأميركية، وكان الدافع في حينها إثبات الوجود، والتأكيد على ضرورة عدم إمكانية تجاوزهم، ليس كمليشيات ولكن كمكون بيده القوة ويجب ترضيته، وقد كان، تمثلًا في الدستور الذي وضعه بريمر، المتوجس من المكون السني، كظهير، كما يظن لنظام صدام، وهو المكون الذي حمل على عاتقه مقاومة الاحتلال لسنوات بعد الغزو.

وبعد تحالف واشنطن مع هذه المليشيات ضد تنظيم الدولة، حاولت أميركا تفكيك المليشيات، وكان الرد عليها من قبل حكومة عادل عبد المهدي، هو دمج هذه المليشيات في الجيش العراقي، لإضفاء الشرعية على كينونتها، وحمايتها من الهجمات الأميركية المطالبة بتفكيكها، وهو ما جعل هذه المليشيات أكثر توحشًا، على المستوى العسكري، وأنشأت لها أذرعًا سياسية لتضفي على نفسها الشرعية الدستورية.

إعلان

وعودة إلى قانون "تحرير العراق من النفوذ الإيراني" وبنوده، التي شملت تناقضًا وعدم فهم حقيقي للعلاقة بين هذه المليشيات وإيران، من جهة عدم نظر المشرّع الأميركي إستراتيجيًا لما تضمنه مشروع القانون.

فكرة إيقاف المساعدات الأمنية الأميركية للعراق، ترسخ قوة المليشيات التي هي في حقيقة الأمر أقوى من الجيش العراقي وقواه الأمنية، أمام فكرة دعم المجتمع المدني، بكل بساطة ستواجه، مواجهة إعلامية بتخوين تلك المنظمات، واتهامها بالعمالة لأميركا، ما يجعلها جسمًا منبوذًا في الجسد العراقي الرافض بالأساس للوجود الأميركي.

أما مساعدة النشطاء المناهضين للوجود الإيراني في العراق، فهي الفرصة التي فوتتها واشنطن إبان ثورة تشرين، بل على النقيض، استطاعت المليشيات اختراق الثوار، ونجحت في شق صفهم وصولًا إلى إخماد الثورة.

من يستطيع إدارة بلد متعدد الأعراق والمذاهب كالعراق؟

أما تصنيف المليشيات كمنظمات إرهابية، فهي تصنيفات تراوح مكانها، وقد جربت من قبل وفشلت، ويضاف إليها فرض عقوبات على قادة المليشيات، وحظر التمويل من خلال تجفيف التمويل الإيراني بوقف استيراد الغاز من طهران، فهو تأكيد على أن النائبين المقدّمين للمشروع، لو لم يكونا جزءًا من خطة خداع للعراقيين والعرب، فإنهما جاهلان بعمليات التمويل التي بالأساس تستقطع من قوت العراقيين ونفطهم الذي ينفق منه ببذخ على النظام الإيراني، في وقت يعاني فيه العراقي الأمرين لتأمين حياة كريمة، في بلد يسبح على بحيرة من النفط، ما يعني أن المليشيات، إنما تمول من أموال العراقيين بعد أن تحول لطهران.

هب أن أميركا استطاعت أن تحرر العراق من النفوذ الإيراني بمشروع ويلسون وبانيتا، سيقف سؤال كبير بوسم قراءة المشهد الداخلي للقوى السياسية العراقية ما بعد 2003، أو ما بعد الغزو الأميركي للعراق: من يستطيع إدارة بلد متعدد الأعراق والمذاهب كالعراق؟

إعلان

وللإجابة عن هذا السؤال المفصلي الذي لم يضع المشرع الأميركي إجابة عنه، وننتظر رد الخارجية الأميركي التي حدد لها المشرّع مدة ستين يومًا للإجابة عنه، أو بالأحرى وضع خطة تنفيذية لتطبيق هذا القانون، دعني عزيزي القارئ أترك الإجابة للمقال القادم لصعوبة الإجابة في سطور.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان