شعار قسم مدونات

عشرة معالم عن حقيقة العالم!

العلماء المسلمون
الكاتب: العلماء ورثة الأنبياء وهم الموقعون عن رب العالمين وهذا مقام يقتضي أن يكون العالم أولى بخشية الله من غيره (مواقع التواصل)

قد كثر الحديث حول العلماء والمشايخ في سوريا، وخاض الناس فيه دون ضوابط أو معايير للحكم والتقييم.

ولحساسية الخوض في مثل هذه المواضيع فسأتناول الموضوع مجردًا عن النماذج وأتجنب ضرب الأمثلة، لأترك للقارئ تنزيل ما أذكره على الشخصيات التي تنطبق عليها الأوصاف المذكورة.

استهان كثير من الناس فخاضوا في عِرض العلماء دون تثبت أو إنصاف، وإذا كان عِرض المسلم حرامًا على المسلم، فإن عرض العالِم أشد حرمةً

ولكن كونوا ربانيين

العلماء ورثة الأنبياء وهم الموقعون عن رب العالمين، وهذا مقام يقتضي أن يكون العالم أولى بخشية الله من غيره ﴿إِنَّمَا یَخشَى اللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ العُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ غَفُورٌ﴾، ويوجب عليه تبيين الحق للناس ﴿وَإِذ أَخَذَ اللَّهُ مِیثَاقَ الَّذِینَ أُوتُوا۟ الكِتَابَ لَتُبَیِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكتُمُونَهُۥ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِم وَاشتَرَوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئسَ مَا یَشتَرُونَ﴾. ومن هنا فلا يُعذَر العالم إذا حادَ عن الحقِّ أو نافق للظالم أو الكافر ﴿وَلَـٰكِن كُونُوا۟ رَبَّانِیِّينَ بِمَا كُنتُم تُعَلِّمُونَ الكِتَـٰبَ وَبِمَا كُنتُم تَدرُسُونَ﴾.

لحوم العلماء مسمومة

وقد استهان كثير من الناس فخاضوا في عِرض العلماء دون تثبت أو إنصاف، وإذا كان عِرض المسلم حرامًا على المسلم، فإن عرض العالِم أشد حرمةً.

وإن إسقاط هيبة العالمِ في نفوس الناس خدش في الأمة وثلمة في الدين، وإن تكريم العالمِ وتوقيره عز للأمة وسلامة لدينها، فالعلماء الصادقون هم حراس العقيدة وفرسان السنّة، والمدافعون عن حياض الدين أمام تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.

إعلان

ما الفخــــر إلا لأهل العلم إنهم .. على الهدى لمن استهدى أدلاء

من وقف مع الثورة مختارًا، وقدَّم في سبيل الله التضحيات قتلًا وأسرًا وتعذيبًا وتهجيرًا هو شيخُ علمائنا وسيدُ دعاتنا، وهو ليس كمن فرضت عليه الظروف أن يكون في مناطق الثورة فكانت قدَرَه وليس اختيارَه

العلم وحده ليس بعاصم

والعلم -إذا لم يُشفَع بتقوى الله وتوفيقه- ليس بعاصمٍ من السقوط، لكن العالم أحرى بتقوى الله التي تقوِّم، وبخشية الله التي تعصِم، وهو أقرب من الجاهل إلى معرفة الحق وبيانه ولزومه.. وقد حدّثنا القرآن عن عالمٍ لم يحفظ نعمة العلم التي وهبه الله إياها، فغوى وانحرف لأنه اتبع شيطانه وهواه ﴿وَاتلُ عَلَيهِم نَبَأَ الَّذِیۤ ءَاتَينَـٰهُ ءَایَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنهَا فَأَتبَعَهُ الشَّيطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِینَ، وَلَو شِئنَا لَرَفَعنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُۥۤ أَخلَدَ إِلَى الأَرۡضِ وَاتَّبَعَ هَوَىٰهُ﴾ فلا يقولنَّ ساذج: احترمْ كلَّ عمامة!!

ليسوا سواء

لذا فالعلماء من حيث موقفهم من النظام البائد في سوريا ليسوا سواء! والإنصاف يقتضي أن يكونوا على درجات تبعًا لمواقفهم، وليس من الإنصاف تلوينهم بالأبيض والأسود!

فمن أيَّد الأسد واختار متطوعًا أن ينافق له، ويفتيَ له، ويحرف وعي الناس، هو أشدّهم ضلالًا وإضلالًا، ومثلَه ذاك الذي اعتبر الثورة فتنةً فاختار تثبيط الناس وتخذيلَهم، وأقلّ سوءًا منهما مَن خاف على نفسه فصمتَ -دون نفاق- حمايةً لذاته غير آبهٍ بالموت يعصف بإخوانه، وأقلّ منهم مَن تجنَّب اتخاذ المواقف اجتهادًا وانشغالًا بدورٍ قام فيه يعلِّم الناس فقهًا وأخلاقًا..

وفي المقابل فإنَّ من وقف مع الثورة مختارًا، وقدَّم في سبيل الله التضحيات قتلًا وأسرًا وتعذيبًا وتهجيرًا هو شيخُ علمائنا وسيدُ دعاتنا، وهو ليس كمن فرضت عليه الظروف أن يكون في مناطق الثورة فكانت قدَرَه وليس اختيارَه، ودونه ذاك الذي أيّد الثورة لكنه آثر أن ينجو من استحقاقات تأييدها؛ فانكفأ على ذاته، وهاجر مختارًا وابتعد عن دعم الثورة وأهلها، وهكذا..

لم يصبح أحمد بن حنبل إمام أهل السنة لمجرد علمه وإمامته في الحديث، بل لموقفه إلى جانب علمه، ولم يصبح ابن تيمية شيخَ الإسلام لمجرد علمه بل لموقفه، ولم تنتشر كتب وتراث سيد قطب وعبدالقادر عودة لقيمة ما فيها فقط، بل لمواقف أصحابها الذين سقوها دماءهم

الثورة شرط لازم وليس بكافٍ

ليس كل طالب علمٍ عاش في مناطق الثورة أو شارك فيها صار عالمًا ربانيًا! فكم من شيخ كان في صفوف الثوار فأفسد عليهم الدين؛ أهدر الدماء وضيع الحقوق وتستَّر بالثورة!

إعلان

كما أنه ليس كل طالب علم بقي في مناطق النظام صار محسوبًا عليه، فكم من شيخ ضُيِّق عليه فصبر، واعتبر بقاءه رباطًا في أرضه، ولم ينتزع النظام منه كلمة مدح أو ثناء!

فالبراءة من النظام أو المشاركة في الثورة شرط لازم وليس بكافٍ، بمعنى أن الثورة وحدها ليست معيارًا كافيًا لبراءة العالم إذا لم تنضمَّ إليها سلامة الدين.. كما أن العلم ليس بكافٍ وحده، إذا لم يكن معه تقوى وهداية وصواب.

احذروا سقطة العالم.. فبسقوطه ربما تسقط أمة!

وكم من عالمٍ ذي تأثير أفسد مجتمعًا وحرَفه عن الحق وحيَّده عن التأثير لفساد موقفه! وكم من عالم نجّى الله به أمة!

لم يصبح أحمد بن حنبل إمام أهل السنة لمجرد علمه وإمامته في الحديث، بل لموقفه إلى جانب علمه، ولم يصبح ابن تيمية شيخَ الإسلام لمجرد علمه بل لموقفه، ولم تنتشر كتب وتراث سيد قطب وعبدالقادر عودة لقيمة ما فيها فقط، بل لمواقف أصحابها الذين سقوها دماءهم.

وهل ينفك الموقف السياسي عن العلم محل نظر؟ لكن لا يمكننا أن ننكر الأثر النفسي وحجم التأثر.. فكم حرمنا من علم عالم لفساد موقفه!

إن الوقوف إلى جانب المجرمين، وتبرير طغيانهم، ومحاولة إضفاء الشرعية على سلطتهم وتصرفاتهم، ومهاجمة الثورة والثوار، ذلك يعدُّ جريمة لا يبررها علم ولا حكمة، ووصف هذا الفعل الشنيع بالاجتهاد مضحك كاجتهاد إبليس في عصيان ربه عندما أمره بالسجود لآدم

تأييد الظلم ليس اجتهادًا

ولا يضحكن عليكم صاحب ورع بارد وسطحية بلهاء ليقول: صحيح أن فلانًا أيّد الأسد لكن علمه الواسع وطلابه الكثر مما يشفع له! فرُبَّ حامل فقه ليس بفقيه ورُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه.. وتذكروا أن واحدًا من أولئك الذين تسعّر بهم النار يوم القيامة عالم تعلم ليقال عنه: عالم!

وعالم بعلمه لم يعملن

معذَّب من قبل عبّاد الوثن

وعالم بعلمه لا يعملن

أشد في التعذيب ممن جهلا

إن الوقوف إلى جانب المجرمين، وتبرير طغيانهم، ومحاولة إضفاء الشرعية على سلطتهم وتصرفاتهم، ومهاجمة الثورة والثوار، ذلك يعدُّ جريمة لا يبررها علم ولا حكمة، ووصف هذا الفعل الشنيع بالاجتهاد مضحك كاجتهاد إبليس في عصيان ربه عندما أمره بالسجود لآدم.

وليس مقبولًا من عمامة نالت من المناضلين أن تستمر اليوم على منبرها وفي موقعها كأن شيئًا لم يكن! بل لا بد من إشهار التوبة وإعلان الاعتذار، فتلك المواقف ساهمت بصورة من الصور في سفك الدماء وتكثير الضحايا..

إعلان

انظروا عمن تأخذون دينكم

الشيخ الذي فشل في اختبار الثورة، فانحاز للنظام مدافعًا مفتيًا مرقعًا، لا يؤتمن على دين الناس وإيمانهم، مهما بدا عالمًا متبحرًا أو خاشعًا متعبدًا.. وماذا انتفعت الأمة بعلم عالم حفظ المتون وحاز الفنون، إذا كان زمن الطغيان مصطفًا إلى جانب الطاغية، يلبّس على الناس الحق بالباطل، ويمارس دور المرجف الذي يخدّر الناس، ويحشرهم كالقطعان في طوابير تأييد الطغاة؟!

الذين وقفوا إلى جانب الأسد عقودًا ينافقون له ويبررون، واستعملوا منابر البيان للتسبيح بحمد السلطان، لا يجوز بحالٍ أن يختلطوا اليوم في صفوف العلماء تحت أي عنوان، لينزلوا عن منابر الإيمان ويتركوها للعلماء والدعاة الحقيقيين؛ فالمنبر في الإسلام أمانة في أعناق الربانيين؛ ليبينوا من خلاله الحق، ويعلموا الناس أمور دينهم.

عادت الشام لأهلها بعد طول غربة، وتزيّنت لأبنائها الفاتحين، وتلألأت سماؤها بأبنائها العلماء والمشايخ الذين ملؤوا الدنيا علمًا وفقهًا ودعوةً، إلا الشام فقد كانت محرمةً عليهم!

أعيدوا للعالم دوره

والعلماء ليسوا "ديكورات" اجتماعية ولا تتمات لمشهد السلطة، بل هم دعاة النور، وجامعو الكلمة، وصمامات الأمان، والمرشدون إلى صراط الله المستقيم.

والساسة إذا رجعوا إلى أهل العلم في مسائل التشريع فهذا عزّ لهم وترشيد لسياساتهم، والعالم إذا وقف في باب السلاطين فقد هيبته ومصداقيته، ولم يضمن قلبه وإيمانه.

واجتماع العلماء في مؤسسات الإفتاء والعلم والدعوة خير عظيم؛ يُجبَر به ضعف الأفراد بقوة الجماعة، وتتوحّد به الكلمة في كبرى القضايا، وتتغافر به المدارس المختلفة إذ يجتمعون على ما اتفقوا عليه، وتلين قلوب الأتباع؛ فيقلَّ التعصب، ويصبح الاختلاف في الفروع والاجتهادات سببًا للتكامل لا سببًا للتناحر.

عمود الكتاب انتصب

قد كشفت الثورة المعادن، وعرفنا بها الحق من الباطل، وقد أعزَّ الله بها أقوامًا وأذلَّ آخرين، فالحذر الحذر من خذلان العلماء الربانيين الذين ثبّت الله بهم الناس، فبيَّنوا وحرَّضوا وثبتوا.. وليست البندقية وحدها هي التي حررت، ولكن أهل العلم والدعوة قد حرر الله بهم العقول والقلوب التي حملت البندقية.. لذا، فأكرموا علماءكم المجاهدين؛ الزموا مجالسهم، وخذوا عنهم دينكم، واجعلوهم قدوة لكم ولأبنائكم..

إعلان

عادت الشام لأهلها بعد طول غربة، وتزيّنت لأبنائها الفاتحين، وتلألأت سماؤها بأبنائها العلماء والمشايخ الذين ملؤوا الدنيا علمًا وفقهًا ودعوةً، إلا الشام فقد كانت محرمةً عليهم! وهم اليوم يزينون مجالسها ومساجدها، فلله الحمد حتى يبلغ الحمد منتهاه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان