شعار قسم مدونات

حقوق الإنسان بين الإسلام والمواثيق الدولية

حقوق الإنسان في ميانمار توثق مظاهر اضطهاد الروهينغا
تتميز حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي عن النظريات الغربية بأن لها في الإسلام ضمانات مقدسة (الجزيرة)

من الثابت أن حقوق الإنسان تولد مع الإنسان نفسه وبشكل مستقل عن الدولة، بل وقبل نشأتها، لذلك تتميز هذه الحقوق بأنها -كقاعدة عامة- واحدة في أي مكان من المعمورة.

فهي ليست وليدة نظام قانوني أو سياسي أو اجتماعي معيّن، إنما هي تتميز بوَحدتها وتشابهها شكلًا ومضمونًا، باعتبارها ذات الحقوق التي يجب الاعتراف بها واحترامها وحمايتها في كل زمان ومكان، لأنها جوهر ولبّ كرامة الإنسان التي أكّدها قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيّبات} [الإسراء: 70].

وترى المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن "حقوق الإنسان حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر.

إن لنا جميعًا الحقَّ في الحصول على حقوقنا الإنسانية على قدم المساواة وبدون تمييز، وجميع هذه الحقوق مترابطة ومتآزرة وغير قابلة للتجزئة".

حقوق الإنسان في المنظور الإسلامي تختلف عن المنظور الغربي، لارتباطها في الإسلام بمبدأ الثواب والعقاب، فضلًا عن كونها تمثّل بعضًا من معتقد المسلم تجاه الآخرين، وضرورة أن يلتزم بذلك إيمانًا وتصديقًا برغبة الاتباع

هناك آراء متباينة -ومتصادمة أحيانًا- بين الباحثين حول البداية الفعلية لتاريخ حقوق الإنسان؛ بعض الكتّاب الغربيين يرون أن "مفهوم حقوق الإنسان عبارة عن جزء من مجموعة المؤسسات التي أُنشئت منذ القرن التاسع عشر فى الغرب"؛ ويرى البعض أن نشأة قانون حقوق الإنسان تعود إلى عدد من الإعلانات والمواثيق التي صدرت في أماكن مختلفة حول العالم، مثل الميثاق الصادر في إنجلترا 1689م. فيما جاءت حقوق الإنسان بصورتها الأشمل ورؤيتها الأكمل قبل ألف وأربعمائة عام.

إعلان

حقوق الإنسان في المنظور الإسلامي تختلف عن المنظور الغربي، لارتباطها في الإسلام بمبدأ الثواب والعقاب، فضلًا عن كونها تمثّل بعضًا من معتقد المسلم تجاه الآخرين، وضرورة أن يلتزم بذلك إيمانًا وتصديقًا برغبة الاتباع، سواء كان ذلك نهيًا أو عملًا… {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7].

وترتكز بشكل مباشر على قيمة الكرامة الإنسانية المتأصلة في البشر بطبيعة خلقهم كبشر وليس لاعتبارات أخرى، ويؤكد ذلك قوله تعالى: {ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر ورزقناهم من الطّيبات وفضلناهم على كثيرٍ ممّن خلقنا تفضيلًا} [الإسراء: 70].

إن حقوق الإنسان هي تراكم معرفي ثقافي، ينشأ من واقع المجتمع ويأخذ صفة الإلزام الأخلاقي في بعض جوانبه، وفي البعض الآخر يكون الإلزام قانونيًّا، ويعتبر واقع حقوق الإنسان في الغرب تطوّرًا طبيعيًّا لحقوق الإنسان في العهود والديانات السابقة، منذ أن خلق الله البسيطة وأوجد فيها الإنسان، مع الإشارة إلى أن الديانات السماويّة – ولا سيما الإسلام- جاءت مبيّنة ومفصّلة لهذه الحقوق، وداعية لاحترامها وإشاعتها في حياة الناس.

وحينما كان الخليفة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يتحدث عن الحريّات العامّة وينهى عن الاستعباد: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"، كان الغرب وقتئذ يرزح تحت الظلام، ويعمه الخوف والرعب، ويسوده عدم الاستقرار، وتضرب الفوضى بأطنابها في أرجائه.

تتميز حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي عن النظريات الغربية بأن لها في الإسلام ضمانات مقدسة، إذ "إنّ مسألة الضمانات المقدّمة لممارسة حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي ترتكز في حقيقتها -وبصفة عامة- على نصوص شرعيّة آمرة، يرتاح لها الإنسان عاطفيًّا وفكريًّا وقانونيًّا، بحيث يستطيع تأدية دوره في الحياة بإيجابيّة وموضوعيّة كاملة، وبحيث يكون الباب مفتوحًا أمامه للإبداع وحسن أداء الأمانة بدون قيود وهميّة من صنع البشر (مجلة كلية التربية، جامعة الأزهر، العدد ١٦٤).

إعلان

"وعلى هذا فإنّ مسألة الضمانات تعتبر من المسائل الجوهريّة في الشريعة الإسلاميّة في أي شكل كانت، سواء في الشورى أم الحسبة، أم ديوان المظالم أم الرقابة الفرديّة والشعبيّة من جماع المسلمين في الأرض، وقد تتخذ صورة المناصحة بين الحاكم والرعيّة.

وعليه فإنّ هذه الضمانات لها مفهوم شرعي محدّد، هو التزام كافّة المخاطبين المكلفين شرعًا بالعمل بها واحترامها ما دامت النصوص الشرعيّة تسندها، وما دامت هذه الضمانات تجد أصولها في مصادر التشريع الإسلامي (موسى النضيف، 2007).

ومن أهم ضمانات حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي: الشورى، الحسبة، ديوان المظالم، المسؤوليّة الفرديّة، الرقابة الشعبية، والمناصحة.

 

"إنّ الشريعة الإسلاميّة قد حرصت على تقرير المبادئ الخاصّة بحقوق الإنسان في أكمل وأروع صورة وعلى أوسع نطاق. وهذه المبادئ طبقتها الأمّة الإسلاميّة وخاصّة في الصدر الأوّل للدولة الإسلاميّة، وقد سبقت بها الأمم كافّة وتفوّقت عليها. ويعد الأساس الثابت للشريعة الإسلاميّة فيما يتعلّق بحقوق الإنسان هو العقيدة".

الإسلام -شريعة ومنهاجًا- هو منبع حقوق الإنسان وأهلها، والقائم عليها والداعي لها، وفق هدى من الله وكتاب منير، وهو السابق للغرب في الدعوة لتكريم الإنسان وتعزيزه، وكفالة حقوقه وحمايتها

إن كانت حقوق الإنسان في الفكر والممارسة الغربيّة قد ارتبطت بالسعي للعدل والمساواة ورفع الظلم، وفق نظريات واجتهادات بشرية، فإننا نجدها في الإسلام قد ارتبطت بـ"الحق"، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؛ فالإسلام هو الدين الحق.. يقول تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين} [آل عمران: 85]، فالله -سبحانه وتعالى- هو الحق المبين؛ يقول تعالى: {ذلك بأنّ الله هو الحقّ وأنّ ما يدعون من دونه هو الباطل وأنّ الله هو العليّ الكبير} [الحج 62]، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هو رسول الهدى والحق، وقد جاء بكتابه القرآن الكريم للناس كافة بشيرًا ونذيرًا {وما أرسلناك إلّا كافّةً للنّاس بشيرًا ونذيرًا ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} [سبأ: 28]، من أجل تعزيز الكرامة المتأصّلة في الإنسان، فالإسلام هو دين الكرامة والعزّة والقيم الفاضلة والأخلاق النبيلة، وقد بُعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليتمّم مكارم الأخلاق، وصيانة حقوق الإنسان من مكارم الأخلاق التي حضّ عليها الإسلام.

إعلان

"لدينا في الشريعة الإسلامية القيم العالية في حرية التفكير والتعبير بضوابطها الشرعية، فلا نحتاج إلى التقليد والاستعارة من الغير.

وقد رأينا ما أدت إليه المفاهيم الزائفة لمبادئ حرية الإنسان، والتسوية الحسابية بين الناس، دون اعتبار للنظرة الإنسانية، ولا للعدالة في الحقوق والواجبات داخل المجتمع، من عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع في كثير من مجتمعات العالم" (عبد الله بن عبد المحسن التركي، حقوق الإنسان في الإسلام).

حقوق الإنسان في الإسلام -على عكس ما هو سائد في المفاهيم الغربية- تقوم على مبدأ الثواب والعقاب، وترتكز على أن القول والعمل إما خير أو شر، انطلاقًا من قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرّةٍ شرًّا يره} [الزلزلة: 7].

وعليه، فإن الإسلام -شريعة ومنهاجًا- هو منبع حقوق الإنسان وأهلها، والقائم عليها والداعي لها، وفق هدى من الله وكتاب منير، وهو السابق للغرب في الدعوة لتكريم الإنسان وتعزيزه، وكفالة حقوقه وحمايتها، بل وجعل ذلك واجبًا على كل مسلم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان