شعار قسم مدونات

ترامب والتعريفات الجمركية: حينما يعاقب ترامب شعبه قبل خصومه

زيادة ترامب الرسوم الجمركية لمستوردات صينية تثير جدلا بأميركا
زيادة ترامب الرسوم الجمركية لمستوردات صينية تثير جدلا بأميركا (الجزيرة)
  • قرارات ترامب اللامنطقية: كيف دمرت الرسوم الجمركية الاقتصاد العالمي

في وقتٍ يواجه فيه الاقتصاد العالمي موجة اضطرابات جديدة، تعود سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الواجهة بقوة، عبر قرارات جمركية صادمة طالت الحلفاء قبل الخصوم. فهل يدفع الأميركيون والعالم ثمن هذه السياسات؟ وهل نشهد بداية أفول النظام الاقتصادي الأميركي القائم على الهيمنة والثقة بالدولار؟

ترامب لم يعد يكتفي باستهداف الصين، بل بات يُحمّل شركاء تقليديين مثل كندا، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، واليابان والاتحاد الأوروبي، مسؤولية ما يصفه بـ"الظلم التجاري"

صدمة جمركية تُربك العالم

في مشهد يعيد إلى الأذهان كوابيس الأزمات الاقتصادية العالمية، أعلن الرئيس الأميركي السابق -والعائد بقوة إلى المشهد السياسي- دونالد ترامب، عن فرض رسوم جمركية جديدة تطول الجميع: الحلفاء قبل الخصوم، والشركاء قبل المنافسين.

لم تكد تمر 48 ساعة على هذا القرار، حتى فقدت الأسواق العالمية أكثر من 3 تريليونات دولار من قيمتها، ومع مرور أقل من 11 أسبوعاً منذ تولي ترامب الرئاسة في 20 يناير/ كانون الثاني 2025، تجاوزت الخسائر التراكمية 5.3 تريليون دولار، لتدق ناقوس خطر عالمي بأن النظام التجاري الدولي يدخل مرحلة اضطراب غير مسبوقة.

سياسات عدائية… بنكهة "أميركا أولاً"

هذه السياسات ليست وليدة اللحظة، بل تمثل امتدادًا لرؤية اقتصادية "ترامبية" قائمة على الانعزالية والحمائية، ولكنها في نسختها الجديدة أكثر حدة وتهورًا، وهي مصحوبة بخطاب عدائي يصوّب سهامه نحو الداخل والخارج معًا.

إعلان

ترامب لم يعد يكتفي باستهداف الصين، بل بات يُحمّل شركاء تقليديين مثل كندا، وكوريا الجنوبية، والمكسيك، واليابان والاتحاد الأوروبي، مسؤولية ما يصفه بـ"الظلم التجاري".

السياسات الجمركية تحولت من أداة ضغط إلى أداة طرد.. بدأت دول العالم فعليًّا في البحث عن بدائل عن الشراكة الأميركية

"أميركا أولاً".. والمواطن أخيراً؟

رغم الشعارات القومية، فإن ضريبة هذه السياسات يدفعها المواطن الأميركي أولاً؛ فوفق دراسة لجامعة ييل””Yale University، ستضطر الأسر الأميركية إلى دفع 5200 دولار سنويًّا (أكثر من 433 دولارًا شهريًّا) نتيجة ارتفاع الأسعار.

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول حذر من سيناريو “الركود التضخمي”، وهو أسوأ ما يمكن أن يواجهه الاقتصاد: بطء في النمو، تضخم في الأسعار، وارتفاع في البطالة.

الرسوم التي فرضها ترامب بنسبة 34% على الواردات الصينية و20% على منتجات الاتحاد الأوروبي، لن تُسهم في إحياء الصناعة الأميركية، بل ستدفع الشركات لنقل عملياتها إلى دول أخرى، ما سيؤدي إلى موجات تسريح ضخمة للعمالة الأميركية.

العالم يبتعد عن واشنطن

السياسات الجمركية تحولت من أداة ضغط إلى أداة طرد.. بدأت دول العالم فعليًّا في البحث عن بدائل عن الشراكة الأميركية.

أوروبا، بقيادة ألمانيا وفرنسا، تعزز تعاونها مع مجموعة “بريكس+”، وأطلقت دعوات لاستحداث “يورو سيادي”.كوريا الجنوبية وقّعت اتفاقيات جديدة مع الصين.فيتنام أصبحت وجهة رئيسية للاستثمارات المنسحبة من الصين بفعل الحرب التجارية.في أفريقيا، تشهد القارة صعودًا صينيًّا متسارعًا، وتراجعًا للدور الأميركي.

إعلانات البيت الأبيض باتت تروّج بشكل فج لشركات ماسك، بينما تُتخذ السياسات على أساس الصفقات والعلاقات الشخصية، لا اعتبارات الاقتصاد العام

الدولار في مهب الريح

من أخطر ما تُفرزه هذه السياسات هو التآكل التدريجي لثقة العالم في الدولار كعملة احتياطية أولى.

الصين باتت تستخدم اليوان في 62% من تجارتها الأفريقية.روسيا تبيع 74% من صادراتها بعملات غير الدولار.العملات الرقمية تسجل حضورًا متزايدًا في التجارة الإقليمية: عملة موحدة بين السعودية والإمارات، ونظام دفع مشترك بين البرازيل والأرجنتين.

الرسالة واضحة: العالم يتجه نحو نظام مالي متعدد الأقطاب.

إعلان

ترامب وماسك.. اقتصاد بالمزاج

عودة ترامب حملت معها تحالفات داخلية مثيرة للجدل.. إيلون ماسك، رجل الأعمال الأقرب إلى ترامب، حصل على عقود فدرالية بعشرات المليارات، فيما بدأ حملة تسريحات ضخمة في القطاعات الحكومية.

إعلانات البيت الأبيض باتت تروّج بشكل فج لشركات ماسك، بينما تُتخذ السياسات على أساس الصفقات والعلاقات الشخصية، لا اعتبارات الاقتصاد العام.

أما تفكيك “هيئة المعونة الأمريكية” USAID، فقد أضعف الحضور الأميركي في مناطق حيوية، من أمريكا اللاتينية إلى أفريقيا، لصالح النفوذ الصيني أو المبادرات الإقليمية الأقل عدوانية.

"فوكس نيوز" و"نيوزماكس" تروّجان لترامب دون مساءلة. "سي إن إن" و"إم إس إن بي سي" تنتقدانه، ولكن ضمن نطاق جمهورهما التقليدي

فساد وسقوط قناع "القيم"

الولايات المتحدة التي لطالما قدّمت نفسها كراعية للديمقراطية، تُتهم اليوم بتقويضها.

من دعمها غير المشروط لإسرائيل في عدوانها على غزة، إلى قمعها الطلاب داخل الجامعات، والتجسس على المحتجين لإرضاء ممولين مثل "مريام أديلسون"، تتهاوى صورة "القيم" الأميركية.

الإدارة الحالية تتعامل مع كندا كـ"الولاية 51”، وتسعى للهيمنة على أراضي دول أخرى مثل غرينلاند، في ممارسات تفقدها الاحترام الدولي.

الإعلام الأميركي.. وانهيار النقد والمهنية

في ظل التوتر، تعكس وسائل الإعلام الأميركية حالة الانقسام والاستقطاب الحاد:

"فوكس نيوز" و"نيوزماكس" تروّجان لترامب دون مساءلة. "سي إن إن" و"إم إس إن بي سي" تنتقدانه، ولكن ضمن نطاق جمهورهما التقليدي.

هذا التشظي حرم المواطن الأميركي من رؤية نقدية مستقلة، وأضعف الرقابة الإعلامية، فبات الإعلام أداة تعبئة لا مساءلة، ما يفاقم هشاشة الديمقراطية الأميركية.

ما نشهده اليوم ليس مجرد نزوة رئيس مثير للجدل، بل تحوّل عميق في النظام العالمي.. العالم لم يعد مستعدًا لدفع ثمن فوضى واشنطن، ولا لقبول شعار "أميركا أولاً" على حساب استقراره.

نماذج ملهمة: سيادة بلا تبعية

بين ارتباك واشنطن وتراجع الغرب، تظهر أربع دول بنموذج متوازن في إدارة علاقاتها الدولية

تركيا: توازن بين واشنطن وموسكو وبكين، وتملك سياسة خارجية مستقلة.قطر: دعم ثابت للقضية الفلسطينية، دون الارتهان لأي محور.البرازيل: بقيادة لولا دا سيلفا، تُعيد تموضعها في الجنوب العالمي.جنوب أفريقيا: قوة ناعمة تقود التعددية القطبية وترفض التبعية الغربية.

إعلان

هذه الدول تقدم دروسًا في السيادة، وفي كيفية تحقيق المصالح دون الخضوع للابتزاز الجيوسياسي.

نهاية عهد الهيمنة؟

ما نشهده اليوم ليس مجرد نزوة رئيس مثير للجدل، بل تحوّل عميق في النظام العالمي.. العالم لم يعد مستعدًا لدفع ثمن فوضى واشنطن، ولا لقبول شعار "أميركا أولاً" على حساب استقراره.

النتيجة؟

المواطن الأميركي يدفع الثمن أولاً، ثم شركاء واشنطن، وأخيرًا.. يتجه العالم شرقًا وجنوبًا، نحو نموذج عالمي أكثر عدالة وتوازنًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان