شعار قسم مدونات

متى يصلان إلى الحافة ويتفقان؟!

علم الصين وأمريكا
الكاتب: نسبة ديون القطاع الخاص للناتج المحلي التي تصل إلى 150% في الولايات المتحدة ونحو 205% في الصين حسب رصد صندوق النقد الدولي (الجزيرة)

على هامش مهرجان الرسوم الجمركية بين أكبر اقتصادين عالميين، تتقافز أسئلة إستراتيجية صعبة.. هل بدأت الصين في التخفف من عقيدة الصبر التاريخي لصالح الصدمات التكتيكية، كتطور طبيعي في دورة الأفعال الحضارية للأمم؟!

بعد مرور ربعه، أسينتهي القرن 21 أميركيًا كما بدأ، أم إن للصين قولًا أخر؟ لماذا الآن تشنّ واشنطن هجمات تجارية استباقية، وإلى أي شيء تستند ندية بكين في التعامل معها؟!

حاول الاقتصاد الصيني تضميد جراحه من شظايا الأزمة المالية العالمية، وحقق في عام 2010 نموًا مقداره 10.4%، كأعلى معدل بعد الأزمة، إلى أن وصل قطار النمو في 2013 إلى محطة 7.7%

أولًا، خطت الصين إلى الألفية الجديدة بعد تحقيق الكثير خلال نصف قرن مضى، فقد تجاوز ناتجها المحلي الإجمالي للمرة الأولى حدود تريليون دولار، مقابل 10 تريليونات دولار للاقتصاد الأميركي وقتها، لتستمر الانطلاقة الصينية التي بلغت ذروتها بختام عام 2007، حيث النمو المذهل مجددًا، بنحو 14.2%.

لذا كان لا بدّ من أزمة جديدة مدوية -كعادة كل عقد- تعيد النمو الصيني إلى رشده دون نسبة 10%؛ فكانت الأزمة المالية العالمية سنة 2008، التي أسفرت عن انخفاض النمو مجددًا إلى 9.5% في عام 2009، ولكن بفارق أقل في سباق الناتج المحلي بين الاقتصاد الأميركي، الذي تجاوز حدود 14 تريليون دولار، مقابل انتزاع الصين لقب ثاني أقوى اقتصاد عالمي من اليابان، بناتج إجمالي تجاوز 5 تريليونات دولار، لتبدأ الصين بعدها العقد الثاني من القرن 21 بسلسلة مستمرّة ومزمنة من تباطؤ النمو.

إعلان

ثانيًا، حاول الاقتصاد الصيني تضميد جراحه من شظايا الأزمة المالية العالمية، وحقق في عام 2010 نموًا مقداره 10.4%، كأعلى معدل بعد الأزمة، إلى أن وصل قطار النمو في 2013 إلى محطة 7.7%.

ويستمر التراجع رغم الخطط التريليونية الهائلة من برامج توطين التكنولوجيا و"صنع في الصين" و"الحزام والطريق"، إلى أن كسر النمو حاجز 7% إلى أسفل مع بلوغ الرئيس ترامب سدة الحكم في يناير/ كانون الثاني 2017، ليفسد أهداف خطط الصين المرحلية، ويعمق بحربه التجارية في نسختها الأولى ما فعلته الأزمة المالية في النمو الصيني، الذي شهد تذبذبًا حادًا من 2.2% في جائحة كورونا 2020 إلى تعافٍ مفاجئ مؤقت بنحو 8.4% في 2021، أخذ طريقه الهبوطي بعدها محملًا بأزمات داخلية وخارجية إلى معدل 5% فقط تقريبًا بنهاية العام الماضي 2024.

ثالثًا، ليس مصادفة إذن أن يكون التهبيط الأميركي المتعمد لمعدل نمو الصين القوي وقتها متزامنًا مع الأزمة المالية العالمية سنة 2008، في حرب تجارية غير معلنة لنحو عشر سنوات، وليس غريبًا أن تكون رسوم ترامب في ولايته الأولى أقل شراسة مما هي عليه اليوم في ولايته الثانية؛ فالصين أضعف نموًا الآن ولكنها أكبر حجمًا بتحديات ومشكلات هيكلية أكثر تعقيدًا، لذلك فإن وتيرة خساراتها ستكون أكبر وأعمق من أي وقت مضى، حسب نظريات الاقتصاد السياسي الأميركي التي تحكم واشنطن اليوم.

رابعًا، "الأجسام الظاهرة في المرآة تبدو أصغر وأبعد مما هي عليه في الواقع"، وكذلك المشكلات الداخلية في أعصاب كلا الاقتصادين الأميركي والصيني، ولنا أن نسترشد بأحوال مثلث (التصنيع، الصادرات، الديون) لرؤى أوضح؛ فمنذ مطلع القرن الحالي تراجعت حصة التصنيع للناتج المحلي أميركيًا من 16% إلى 9.9% تقريبًا بنهاية الربع الرابع (2024)، بينما فقدت الصين أقل من 5% فقط في تلك الفترة (من 32% إلى نحو 26.2%).

فيما يخص الديون، فالكبيران يقتسمان كوارث هائلة تنذر بانفجارات محتملة لفقاعات قياسية في مفاصل الاقتصادين، فنسبة الديون الحكومية إلى الناتج المحلي أميركيًا قفزت من 36% مطلع الألفية إلى 124% نهاية 2024، مقابل ارتفاع من 55% إلى نحو 86% للصين خلال نفس الفترة

أما عن نسبة الصادرات إلى الناتج المحلي، فقد زادت في الولايات المتحدة 1% فقط (من 10% عام 2000 إلى 11% نهاية 2024)، مع حفاظ الصين بقوة على نسبة 20% في نفس الفترة، وهو ما يفسر جزءًا مهمًا من فائضها التجاري الهائل مع العالم بنحو تريليون دولار، مقابل 1.3 تريليون دولار عجزًا أميركيًا مع العالم.

إعلان

أما عن الديون، فالكبيران يقتسمان كوارث هائلة تنذر بانفجارات محتملة لفقاعات قياسية في مفاصل الاقتصادين، فنسبة الديون الحكومية إلى الناتج المحلي أميركيًا قفزت من 36% مطلع الألفية إلى 124% نهاية 2024، مقابل ارتفاع من 55% إلى نحو 86% للصين خلال نفس الفترة.

وبالطبع، طال ذلك التدهور نسبة ديون القطاع الخاص للناتج المحلي، التي تصل إلى 150% في الولايات المتحدة ونحو 205% في الصين، حسب رصد صندوق النقد الدولي نهاية العام الماضي.

ختامًا، في بطن المشاهد السابقة إشارات تجبر الطرفين على الوصول إلى حدود حافة جديدة لم تتضح بعد، يتفقان عندها، كما تشكل إجابات مفتوحة عن أسئلة أول المقال، فصبر التنين الصيني ليس في صالحه الآن، وهو يقاوم بندية واجبة حتى لا يخسر صلب ما تم بناؤه لصالح الفيل الأميركي، الذي يحاول بمعطيات الواقع أن يجمل أحواله متقاسمًا أغلبية ما تبقى من القرن الحالي مع الصين اقتصاديًا، ولو بنسبة حاكمة 51% فقط تبقيه منتصرًا ومهيمنًا نظريًا، إلا إن كان للتنين أفعال أخرى.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان