شعار قسم مدونات

السكينة والهدوء الداخلي

لماذا نحتاج للصمت والهدوء في حياتنا المعاصرة؟
الكاتب: إذا لم تكن سعيدًا فاستعر هذه الابتسامة وتحلَّ بالرضا والقناعة وتقمص دور السعداء (شترستوك)

في هذه الحياة تمرُّ عليك العواصف والأعاصير، فماذا تفعل؟ إنك لا تستطيع تغيير ما حدث يا صاحبي؛ لهذا اصنع لنفسك كهف تأمل وقل لنفسك: "قدّر الله وما شاء فعل".. قل لنفسك: إن هذه الدنيا لحظات وتمر، وما بعد الحطام إلا ازدهار.

أمام مصائب الحياة، هناك من يقيم الدنيا ولا يقعدها.. وماذا بعد؟ هل بالمقدور تغيير المقدور؟ عليك بعد أن تأخذ جرعتك الطبيعية من الألم عند صدمتك الأولى أن تستعيد تعافيك، لا بد لك من السكون والعودة إلى التوازن، كن رابط الجَأش وتماسك لتضبط الأمور بأعنتها، لقد فقد النبي صلى الله عليه وسلم، حبيبه وفلذة كبده إبراهيم، فماذا قال؟ "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون".

إذا أُصبت برزيَّة فكن كالعنقاء التي تعود من الرماد في الأسطورة اليونانية، وتمايل كالنخلة إذا اشتدت بها الريح في يوم عاصف!. يا صاحبي، إذا كنت صيادًا وفقدت قاربك فقد يكون لهذا الفقد حكمة تبوح لك بها الأيام

هل رأيت زهرة فواحة في قلب الصحراء؟ لماذا لا تستلهم منها؟ كن أنت الزهرة الجميلة أمام قسوة الحياة! إذا تغلبت عليك الأحزان فتنزه وامتصّ الصدمات، كن ككيس الهواء في سيارتك وتحلَّ بالتماسك والجَلَد، وضع أمامك لوحة منقوشًا عليها "إنما الصبر عند الصدمة الأولى".

تخيل نفسك على سرج فرس، في أتون معركة حامية الوطيس، وقل: "الشجاعة صبر ساعة"، وانطلق بسيفك البتار لتهزم الأحزان والأخطار، فتّش واقتفِ الأثر، كن كيعقوب الذي أسلم أمره لله حين ابتُليَ بالفقد، حيث قال: "فصبرٌ جميل، واللَّه المستعان".

إعلان

كان فيكتور هوغو، الأديب الفرنسي صاحب "البؤساء"، حينما يشتد به الأمر يلقي بالحصى بعيدًا في وسط البحيرة!. إنها طريقته المثلى للتنفيس واستعادة الهدوء، فلمَ لا تبتكر لك طريقة، كقراءة القرآن أو السجود؟ وليكن شعارك: {أَلا بذكر اللَّه تطمئنُّ القلوب}. بعض من أعرفهم إذا وقع في مصيبة أو ملمة فإنه لا يخرج من ألمه وكآبته إلا بعد سنوات وشهور، وقد يبقى الألم محتبسًا في جَنانه، البعض يفقد حياته أو قد يحاول الانتحار.

هناك درجات شديدة من الألم قد لا يحتملها البعض، كخسارة الثروات وفقد الأحبة. وقد يصيب امرأة حسناء -لا قدر الرحمن- تشوه، فكيف نُرجع الموازين لاعتدالها رغم الألم؟

البعض رغم ألمه يحول هذا الألم إلى إبداع، كالملحنين والشعراء!. تأمل قصيدة "الأطلال" لإبراهيم ناجي، واتلُ تأوهات محمود غنيم في رائعته "مالي وللنجم"، ونكتفي ببيت من أبيات أبي العتاهية، أصبح جرسًا في كل محفل، إذ قال حين تحسّر على شبابه في أواخر أيامه:

فيا ليت الشباب يعود يومًا .. فأُخبرُه بما صنع المشـيب

حرك في نفسك قوة الخيال الطفولي، إذا كنت عليلًا أو بلغ بك الزمان إلى أرْذَل العُمُر فتقمص هوس النبيل الإسباني دون كيشوت مقارع الطواحين في رواية الكاتب ميغيل دي ثيربانتس، ليغدو عكازك سلاح مجدك

إذا أُصبت برزيَّة فكن كالعنقاء التي تعود من الرماد في الأسطورة اليونانية، وتمايل كالنخلة إذا اشتدت بها الريح في يوم عاصف!. يا صاحبي، إذا كنت صيادًا وفقدت قاربك فقد يكون لهذا الفقد حكمة تبوح لك بها الأيام، وإذا كنت نجارًا فكُسر منشارك فبإمكانك جلب آخر غيره، حتى لو وقعت في الخسارة تذكر أنّ الله وهبك العافية، حتى لو كنت مريضًا فقيرًا، فالمهم هو التعايش والقناعة؛ فكم من غني هو وريث بؤسه وشقائه! وكم من فقير عاش السعادة بكل فصولها!

ذات مرة شاهدت طفلًا رثّ الثياب يدفع عربة تسوُّق من مسافة بعيدة، يحمل فيها شقيقه الصغير مع قارورتَي ماء كبيرتَين، ما أدهشني هو الابتسامة التي تزين وجهه، كان مستمتعًا بدفع العربة وهي تصدر جلبة صاخبة ممتعة في أذنيه.. الدرس المستقى هو سرور القناعة والرضا، فإذا لم تكن سعيدًا فاستعر هذه الابتسامة، وتحلَّ بالرضا والقناعة، وتقمص دور السعداء، بل كن سعيدًا وأنت تقشر البرتقال وكأنك حزت جواهر الدنيا، تخيل هذه الثمرة مقطوفة من جنان الخلد وأنت الوحيد الذي ظفر بها، عندها ستشعر براحة عجيبة.

إعلان

النفس كالطفل تصدّق الأكاذيب، فقط حاول إقناعها لترضى بطبيعة حياتك، فإذا كنت مريضًا ممددًا على فراش أبيض ولا تستطيع تحريك شيء سوى أصابع يديك وقدميك، فابتهج وقل لنفسك: "أنا بخير؛ فلديّ القدرة على تحريك أصابعي!!".

بفصيح القول: اخدع نفسك، ويلزمك قبول هذا الخداع الحميد، تعايش مع مصائبك المستدامة، وتكيف مع جميع ظروفك وأحوالك، كن هادئًا وسعيدًا على أي حال؛ إذا كنت ثريًّا فابتسم، وإذا كنت فقيرًا فابتسم وكن أسعد البشر، حتمًا ستجد لديك شيئًا يعزز فيك حماس السعادة.

حرك في نفسك قوة الخيال الطفولي، إذا كنت عليلًا أو بلغ بك الزمان إلى أرْذَل العُمُر فتقمص هوس النبيل الإسباني دون كيشوت مقارع الطواحين في رواية الكاتب ميغيل دي ثيربانتس، ليغدو عكازك سلاح مجدك وفروسيتك، إنك لا تحتاج لخوض مباراة مبارزة، فقط أغمض جفنيك وستشاهد المسرح المضاء، وما البطل فيه إلا أنت!. الحياة المريرة اجعلها قلعة ملح تذوب أمام موج خيالك.

قال رجل مسن تكالبت عليه الأمراض والعلل: "الحياة حلوة"، فهل هو صادق فيما يقول؟ بالطبع هو صادق رغم العلات، هو نظر للجانب المشرق فيها، فلمَ لا ننظر كما نظر؟

كل واحد فينا يعيش زوايا ألم، فهل انتهت الحياة؟ كلا، علينا تخطي العقبات بلياقة الفرسان، ولنستمتع بجمال الطبيعة.. إذا وقعت وردة زاهية بين أناملك فتأمل روعتها بكل صدق وصفاء، تحسس نعومتها وشم عبيرها، وتمعن في رونقها البهي، إننا نحتاج لدورة استنطاق الجمال، فليس الجمال منحصرًا في الطواويس فقط، بل إنّ لكل شيء من الجمال نصيبًا.

هل تعلم يا رفيقي أني أكتب هذه السطور وأنا في الحديقة، وبجواري منظر جميل أحببت أن أنقله إليك بكل صدق؟.. ثلاث فتيات صغيرات جميلات يتراقصن أمام مرشات النوافير، البعض لا يكترث لهذا المنظر العابر، ولكن المتأمل يرى الروعة، تخيل نفسك فنانًا يرسم لوحة، أو مصورًا يفتش عن لقطة.

الحياة مليئة بالسعادة التي تريح النفس وتبعث الهدوء! بصدق، أشاهد الآن جمهرة من طلبة الثانوية وهم يتراقصون، أرى رجلًا يمسك بيد والده المسن ليخطو بعكازه بعض الخطى، ثم يجلس معه بعد هنيهة في مقعد بالجوار، وأرى والدًا يدفع ابنه في أرجوحة يحلّق بها نحو السماء.

إعلان

هل ندرك هذه الروعة؟ لماذا لا نشاهد جمال لون الغراب؟ لماذا لا نصغي لتغريد البلابل؟ لماذا لا نتأمل روعة هذه الشمس الساطعة التي تغمرنا بالدفء، وهذا النسيم العليل الذي يسرحنا من الهموم؟

قال رجل مسن تكالبت عليه الأمراض والعلل: "الحياة حلوة"، فهل هو صادق فيما يقول؟ بالطبع هو صادق رغم العلات، هو نظر للجانب المشرق فيها، فلمَ لا ننظر كما نظر؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان