- قانون الجذب بين العلم الزائف والمفهوم الإيماني
إن قانون أو مفهوم الجذب "الإيماني" يستند إلى قواعد ومبادئ تختلف جذريًّا عن قانون الجذب الشائع، الذي يُصنف ضمن العلوم الزائفة (Pseudoscience).
يوجد تحفظ مبرر على تسمية هذا الأخير بـ"قانون"، لكونه لا يستوفي شروط القانون العلمي؛ فالظاهرة التي يصفها ليست ظاهرة طبيعية يمكن ملاحظتها بشكل متكرر وثابت، ولا يمكن التعبير عنها رياضيًّا أو منطقيًّا، كما أنها غير مدعومة بأدلة تجريبية قوية، وغير قابلة للاختبار والتفنيد (Falsifiable).
قانون الجذب بمفهومه الميتافيزيقي لا أساس له من الصحة. ولكن، من منظور علم النفس الإيجابي، يمكن اعتبار أثر "الجذب" حقيقيًّا بمعنى أن التفاؤل والتفكير الإيجابي يمكن أن يحفزا سلوكيات تؤدي إلى نتائج إيجابية، لكن ليس عبر آلية ميتافيزيقية
نقد "قانون الجذب" الميتافيزيقي
يدعي قانون الجذب أن الأفكار وحدها تمتلك طاقة أو اهتزازات قادرة على تغيير الواقع المادي مباشرة، وجذب أحداث أو أشياء مماثلة. هذا الادعاء يفتقر إلى الإثبات بأدلة تجريبية منهجية حتى الآن، ولم يتم التحقق منه عبر تجارب علمية محكمة ومنشورة في مجلات علمية مرموقة.
بالإضافة إلى ذلك، يتعارض هذا الادعاء مع مبادئ الفيزياء المعروفة، ويتجاهل عوامل مثبتة علميًّا تؤثر في حياة الأفراد، مثل العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والبيولوجية، والنفسية السلوكية، وعامل الصدفة. كما أن وصف الأفكار بأن لها "اهتزازات" و"طاقة" هو استخدام لمصطلحات علمية في غير سياقها، ما يجعل الوصف غيرَ دقيق وزائفًا.
ينصُّ هذا القانون المزعوم على أن "الأفكار (سواء كانت واعية أو غير واعية) تؤثر بشكل مباشر على الواقع المادي للشخص، وأن التركيز على الأفكار الإيجابية يجذب نتائج إيجابية (مثل الصحة والثروة والسعادة)، بينما التركيز على الأفكار السلبية يجذب نتائج سلبية، وذلك استنادًا لمبدأ: الشبيه يجذب شبيهه، عبر آلية مزعومة من الاهتزازات أو الطاقة التي ترسلها الأفكار إلى الكون".
التفاؤل والتفكير الإيجابي من منظور علم النفس
في حقيقة الأمر، قانون الجذب بمفهومه الميتافيزيقي لا أساس له من الصحة. ولكن، من منظور علم النفس الإيجابي، يمكن اعتبار أثر "الجذب" حقيقيًّا بمعنى أن التفاؤل والتفكير الإيجابي يمكن أن يحفزا سلوكيات تؤدي إلى نتائج إيجابية، لكن ليس عبر آلية ميتافيزيقية.
"التركيز" كنقطة جوهرية ومدخل للمفهوم الإيماني
تُعد فكرة "التركيز" نقطة جوهرية في كلا المفهومين. ولكن، لتحقيق "الجذب" الإيجابي المتوافق مع النية أو المراد ضمن المفهوم الإيماني، ينبغي أن ينصبّ التركيز على أمور محددة تختلف عن التركيز على آلية الجذب المزعومة نفسها (كالاهتزازات والطاقة والأفكار بذاتها).
إن مفهوم "الجذب الإيماني" له آلياته ومنطلقاته وأهدافه العقائدية والعملية الخاصة؛ فالفرد الذي يطبقه يدرك تمامًا أن الأمر كله بيد الله وحده أولًا وآخرًا، وأن البشر وكل الأسباب والنتائج ما هي إلا وسائل يسخرها الله، عز وجل وفق مشيئته وقدرته.
التركيز على التفكير الإيجابي، انطلاقًا من حسن الظن بالله، يجعل الفرد يتوقع الأفضل، ما قد يؤدي إلى نتائج إيجابية تتناسب مع سعيه. صاحب مفهوم الجذب الإيماني يتميز بالتفاؤل الشديد والثقة بالله عز وجل القائل "أنا عند ظن عبدي بي"
أسس ومبادئ مفهوم الجذب الإيماني
- أولًا: النية الصالحة وتوجيهها لله تعالى
تمثل النية والتركيز عليها وتوجيهها الوجهة الصحيحة نقطة البداية في رحلة السعي. هذا التوجيه يدفع الفرد نحو الأخذ بالأسباب، والتركيز عليها، وبذل الجهد والنشاط. النقطة المفصلية في الجذب الإيماني هي الاعتقاد الجازم بأن الله وحده هو مصدر العطاء والمنح، ومسبب الأسباب، وصانع النتائج.
وقد تأتي النتيجة كما يريدها الفرد أو لا، ولكنه يظل راضيًا لإدراكه القانون الإلهي: {وعسى أَن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبُّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللَّه يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة: 216).
لذا، يجب على الفرد توجيه بوصلة النية القلبية نحو خالقه، وأن يكون عمله خالصًا لله، تعالى، طالبًا منه القبول والثواب، فالنية الصالحة هي أساس قبول الأعمال وسبب للبركة والتوفيق؛ فـ"إنما الأعمال بالنيات".
على النقيض، يعتبر قانون الجذب الميتافيزيقي التركيز الذهني المكثف على الهدف هو المحرك لـ"جذبه"، معتقدًا أن الأفكار تمتلك قوة ذاتية للتأثير المادي المباشر، متجاهلًا بذلك القدرة والمشيئة الإلهية والعوامل الأخرى المؤثرة.
كما أن "تحديد النية" فيه يكون موجهًا للذات أو "الكون" كقوة يُعتقد أنها تستجيب للتركيز الذهني، وهذا يُعتبر شركًا بالله.
- ثانيًا: التفاؤل وحسن الظن بالله والتوكل عليه
خلق الله تعالى الخير والشر وترك للإنسان حرية الاختيار، وعندما يصطحب الفرد التفاؤل الإيماني في رحلة سعيه، فإنه يركز على التفكير الإيجابي كآلية ذاتية، مستخدمًا السنن الكونية والقوانين التي وضعها الله ومستثمرًا فيها، ما يدفعه لمزيد من التفاؤل وتوقع الأفضل.
الله، سبحانه وتعالى، هو من خلق الأرض مذللة للإنسان للسعي فيها والأكل من رزقه: {هو الَّذي جعل لكم الأرض ذلولًا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النُّشور} (الملك: 15).
فالتركيز على التفكير الإيجابي، انطلاقًا من حسن الظن بالله، يجعل الفرد يتوقع الأفضل، ما قد يؤدي إلى نتائج إيجابية تتناسب مع سعيه.
صاحب مفهوم الجذب الإيماني يتميز بالتفاؤل الشديد والثقة بالله، عز وجل، القائل "أنا عند ظن عبدي بي"، إيمانًا بحكمة الله ورحمته وقدرته، متوقعًا الخير وأن الله سيختار الأفضل لعبده. ويرتبط بهذا مفهوم "التوكل" على الله، أي تفويض الأمر إليه والثقة بتدبيره بعد بذل الجهد والأخذ بالأسباب.
- ثالثًا: عقيدة التوحيد والإيمان بالقضاء والقدر
لا ينسب مفهوم الجذب الإيماني أي تأثير أو قدرة للفكرة أو الذبذبات أو الكون أو الطاقة؛ معياره الصحيح الوحيد هو عقيدة التوحيد السليمة، والإيمان بالقضاء والقدر.
المؤمن يتوقع الخير والرحمة من الله دائمًا، ويعلم بيقين، من خلال تفاؤله، أن الله سيختار له الأفضل، فلا ينجرف وراء أفكار ميتافيزيقية غيبية بلا دليل أو برهان.
الله، سبحانه، هو وحده القادر والمتحكم المطلق في مصائر العباد، ولو كان الأمر بيد الأفكار للام الفقير نفسه على فقره والمريض على مرضه، ولأُنكرت حكمة الله في الابتلاء.
هذه الأمور ليست "مجذوبة" بل هي أقدار من الله، فالمصائب والابتلاءات قد تكون اختبارًا، أو تكفيرًا للذنوب، أو رفعًا للدرجات، وهذا الفهم يحث على الصبر والرضا.
إن تحقيق المراد لا يتم بآلية جذب مزعومة، بل بالعمل والسعي والدعاء والمثابرة والإلحاح: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} (النجم: 39)، ويعتمد الأمر على السلوك وطريقة التفكير، وليس على الفكرة بحد ذاتها.
في المفهوم الإيماني، القضاء والقدر هو علم الله الأزلي بما سيحدث، وتدبيره للكون وفق حكمته، ومع هذا الإيمان يظل الإنسان مسؤولًا عن اختياراته وأفعاله. بينما يرى قانون الجذب الميتافيزيقي أن الإنسان هو "خالق واقعه" بأفكاره، متجاهلًا القدر والقدرة الإلهية، والعوامل الخارجة عن سيطرة الإنسان، وحقيقة كونه مخلوقًا ضعيفًا محدود القدرات.
من خلال تأكيد الغرض والنية مع صدق التوجه لله الواحد الأحد، وطلب تيسير الأسباب منه، والإلحاح في الدعاء، وتلمس الأسباب والمسببات،..، يتم تفعيل مفهوم الجذب الإيماني بطريقة سليمة
- رابعًا: الأخذ بالأسباب والسعي الجاد
كم من شخص عزم على أمر، واجتهد وسعى وثابر حتى حققه، دون أن ينسب الفضل لنفسه أو يغتر بقوته، بل استثمر الظروف، وفسّر رسائل الله بإيجابية، وتعامل مع التحديات بالدعاء والإلحاح على الله ليوفقه. إذن، السلوك الإنساني والفعل الواقعي الجاد -وليس الأفكار المجردة- هو ما يغير الواقع المادي.
التحفيز، وبذل الجهد، واغتنام الفرص، والمرونة النفسية، والإيمان بإرادة الله، هي التي تقود للنتائج الإيجابية وتبعد الأفكار السلبية.
في المفهوم الإيماني، السعي واجب ومقترن بالتوكل على الله الذي بيده النتائج. أما في قانون الجذب، فقد يُنظر للسعي كخطوة ثانوية تأتي بعد "الجذب الفكري".
- خامسًا: الدعاء والتوجه الخالص لله تعالى
الاختلاف الجوهري بين المفهومين هو أن الجذب الإيماني يعتمد على حسن الظن بالله، وهو بحد ذاته عبادة، وينبع من ثقة لا محدودة بالخالق وقدرته وحكمته ورحمته. لا يعتقد المؤمن بأن أفكاره تخلق الواقع أو تجذبه بقوة ذاتية، بل أن مصدر الخير هو الله وحده، والنتائج تأتي بفضل ومنّة من الله، لا كتحصيل حاصل لآلية جذب.
الدعاء هو مخ العبادة، وهو طلب من العبد الضعيف إلى الرب القوي القادر، مع التسليم بأن الله يجيب، أو يؤخر الإجابة لحكمة، أو يدفع به سوءًا، أو يدخره للآخرة.
الدعاء يكون مقرونًا باليقين بالإجابة وحسن الظن بالله، مع الأخذ بالأسباب المشروعة والتوكل القلبي على الله. بهذا، يظل صاحب المفهوم الإيماني راضيًا وقانعًا حتى لو جاءت النتائج على غير ما يريد.
في المقابل، يصور قانون الجذب الميتافيزيقي العملية كأنها "مطالبة" أو "أمر" يرسله الفرد للكون الذي "يجب" أن يستجيب، متجاهلًا عظمة الله وقدرته وحكمته، وملغيًا روح العبودية والتسليم، ما قد يوقع في الشرك بنسبة القدرة لغير الله.
تفعيل الجذب الإيماني برحلة السعي والصلة بالله
إذن، من خلال تأكيد الغرض والنية مع صدق التوجه لله الواحد الأحد، وطلب تيسير الأسباب منه، والإلحاح في الدعاء، وتلمس الأسباب والمسببات، مع السعي والجد والاجتهاد والابتكار، وإشباع الحاجات المادية والمعنوية، وتقوية الصلة بالله، عز وجل، طوال رحلة السعي، يتم تفعيل مفهوم الجذب الإيماني بطريقة سليمة، خالية من الشرك والأوهام، ومتتبعة للسنن الكونية التي وضعها الله دون تحريف أو تشويه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.