شعار قسم مدونات

تأسيس الجيش النظامي في عهد الأمير عبدالقادر الجزائري

عبدالقادر .تقرير عن أيام الفيلم الجزائري
الأمير عبدالقادر الجزائري (الجزيرة)

بعد معارك طاحنة خاضها الأمير عبدالقادر ضد الجيوش النظامية الفرنسية، أدرك ضرورة خلق جيش نظامي قوي يدعم به أهدافه الداخلية والخارجية، فاتجه إلى إنشاء جيش حديث، واهتم بتدريبه على أحدث الفنون العسكرية، وزوّده بالأسلحة المتقدمة.

وقبل أن يباشر بتحقيق هذه الفكرة عقد مجلسًا عامًا من رجال الدولة وأعيانها وأخذ موافقتهم على هذا الإجراء، ثم عمّم بلاغًا على الأهالي جاء فيه: "ليُبلغ الشاهد الغائب أنه صدر أمر مولانا ناصر الدين عبدالقادر بن محيي الدين بتجنيد الأجناد وتنظيم العساكر في البلاد كافة؛ فمن أراد أن يدخل تحت اللواء المحمدي ويشمله هذا النظام فليسارع إلى دار الإمارة في مدينة معسكر لتسجيل اسمه في الدفاتر الأميرية". (فارس الجزائر، العماد مصطفى طلاس ص 139).

كان الأمير عبدالقادر نموذجًا ومثالًا للخصال الأخلاقية الرفيعة والقتالية المحترفة؛ فقد أثار في نفوس جنوده وضباطه ومواطنيه صورًا رائعة للتفاني والإخلاص في خدمة القيم والمبادئ، والحرص على تحرير الوطن

تلقى الشعب الجزائري هذا البلاغ بارتياح كبير، وسارع الشباب وتسابقوا للالتحاق بالجيش النظامي الفتي، حتى بلغ تعداد أفراده عام (1839) ثلاثة وستين ألف مقاتل. وقد قسم هذا الجيش إلى ثلاث فرق:

  • أولًا: فرقة المشاة التي تولى قيادتها أحد مشاهير الأبطال "قدور بن بحر".
  • ثانيًا: فرقة الخيّالة، وتولى قيادتها "عبدالقادر بن عز الدين".
  • ثالثًا: فرقة المدفعية، وتولّى قيادتها "محمد السنوسي".

واختار الأمير جميع رؤساء الجند من ذوي الشجاعة والبأس والذكاء، من الذين يتحلون بالإيمان والصبر، وانتقاهم من أشراف البيوتات وزعماء القبائل، مثل محمد القوشامة وسالم الزنجي وأحمد القدور وغيرهم.

ثم وضع قوانين في كتاب سماه "وشاح الكتائب"، ضم أربعة وعشرين قانونًا لها أصول ولها فروع، وقد وُضعت جميعًا لمصلحة هذا الجيش المحمدي، ولسلامة تكوينه العسكري، ولضمان قدرته على القتال وتحمل المكاره، وللتدريب على الجهاد والصبر.

تمكن الأمير عبد القادر من الصمود بهذا الجيش الناشئ في وجه أكبر إمبراطوريات العالم الاستعماري القديم، وعلى الرغم من إمكانات فرنسا الضخمة تمكن الأمير من محاربتها سبعة عشر عامًا، استولى خلالها على أكثر من ثلثي مساحة الجزائر حاليًا، وانتصر عليها في الكثير من المعارك الطاحنة، التي بقي ذكرها يتردد حتى الآن على ألسنة الفرنسيين قبل الجزائريين، لما وجدوه من معاملة شريفة لبطل مسلم عظيم، حتى غزت أخباره بيوتهم في فرنسا نفسها، لأن الأمير عبدالقادر جسّد جميل المروءات ومحاسن الفضائل في معاملة الأسرى والجرحى من جيش أعدائه. (الأمير عبدالقادر، بديعة الحسني ص 48).

إعلان

وشكل الأمير عبدالقادر بجانب الجيش الرسمي قوى غير نظامية تعمل على حماية مناطقها، تستطيع عند الضرورة أن تنخرط في الجيش النظامي، وذلك لتلبية نداء الأمير أو خلفائه في الولايات، وهذه القوى غير النظامية كانت تتكون غالبًا من المتطوعين، وكان عليها أن تتجهز على حسابها الخاص، وكان عددها بالألوف، تزيد وتنقص.

وفيما يخص تسليح جيشه النظامي يعطي الأمير نفسه التوضيحات التالية:

"كل جنودي النظاميين كانوا مسلحين ببنادق فرنسية أو إنجليزية حصلت عليها خلال معاركنا، ومن عند الفارين من الجيش، أو بشرائها من المغرب.. وكان الكبريت يأتي من فرنسا، أما ملح البارود فكنت أجده في كل مكان خلال زمن السلم.

وكانت المدن الساحلية الفرنسية تزودني بالرصاص، وقد أعطاني المغرب منه كمية معتبرة، كما أنني تمكنت من استغلال منجم للرصاص في الونشريس".

وقد كان الأمير يسهر شخصيًا على كيفية استعمال الذخائر، ويعطي أوامر صارمة لخلفائه كي يشحّوا في عملية صرفها. (الأمير عبدالقادر وبناء الأمة الجزائرية ص 86- 87).

كان اللباس العسكري يختلف بحسب الرتب، فكان من الجوخ بالنسبة للضباط ومن الكتان بالنسبة للجنود، أما الأسلحة فكانت تشتمل على المدفع، والهاون «مهراز»، والبندقية «مكحلة»، والسيف، والحربة

هيكلة الجيش النظامي

كانت المشاة مقسمة إلى كتائب، تضم كل منها (1000) رجل يقودهم آغا، وكانت هذه مقسمة إلى سرايا، والسرية من (100) جندي ويقودها قائد، وكان يقود كل من نصفيها سياف، وكل عشرين رجلًا كان يقودهم ضابط صف، وكل عشرة يقودهم عريف يسمى جاويش.

كان على قادة هذه التشكيلات أن يتفقدوها؛ الآغا يوم السبت، والسياف يومَي الخميس والسبت، أما الجاويش فكان عليه أن يتفقد رجاله كل يوم صباحًا ومساءً. وقد كان الانضباط صارمًا جدًا، ويراعى تطبيقه بمنتهى الدقة، وكانت مواده مجموعة في شكل قانون عام أقامه وكتبه الأمير نفسه.

كما كان سلم الرتب محترمًا بمعنى الكلمة، وكانت كل مخالفة يعاقب عليها الجندي عقابًا شديدًا، وكان على الجندي أن يحافظ على نظافة سترته التي كان مسؤولًا عنها، وكذا كانت الحال بالنسبة للسلاح الذي في حوزته، وكانت العقوبة على الإخلال بهذه القوانين تتراوح ما بين السجن إلى الحكم بالإعدام، وهذا الأخير كان يقام في حالة الخيانة أو الفرار في زمن الحرب، مرورًا بنزع الرتب والعقوبات الجسدية.

وكان للجندي الحق في أخذ مرتب، وكان الخيالة يتلقون ضِعفه، ويتلقى غذاءه عينًا ووفيرًا في زمن السلم، ولكنه كان يخفض في زمن الحرب إلى بعض الكعك أو الروينة، المصنوعة من طحين القمح المقلي.

وكان على كل شارة علامة مكتوبة:

  • كان الآغا يحمل شارة "الصبر مفتاح النصر".
  • ويحمل السياف شارة "لا أضرَّ من المخالفة وعدم الطاعة".
  • أما شارة رئيس المدفعية فكانت "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".

وكان اللباس العسكري يختلف بحسب الرتب، فكان من الجوخ بالنسبة للضباط ومن الكتان بالنسبة للجنود، أما الأسلحة فكانت تشتمل على المدفع، والهاون «مهراز»، والبندقية «مكحلة»، والسيف، والحربة. (الأمير عبدالقادر، علي الصلابي، ص126)

يقر كل كتّاب سيرته -بمن فيهم الفرنسيون- أنه كان نزيهًا، وأنه كان يملك أقصى درجات الشعور بمكانة وقيمة الأموال العامة، وأنه لم يعرف سوى خدمة القضية التي كان يعلم أنها عادلة، ضاربًا بذلك أسمى مثال للتفاني والشجاعة الخارقة

وكان موظفون سامون يديرون هذه الورشات، وكان المعلمون خاصة من الأجانب يدرِّسون المهنة العسكرية للشباب المجندين، وكانت هناك مكافآت مخصصة للذين يلمعون، كما كانت تدفع معاشات للمصابين ولعائلات الذين قتلوا في المعارك، وكان هناك وسام لمكافآت الأعمال البطولية، هو صفيحة معدنية تحمل نقش (3 أو 5 أو 7) ريشات حسب أهميتها، ولهذا كانت تسمى "ريشة"، وكانت الشمسية الرمز المميز للسيادة، وهي التمييز الوحيد الذي حظي به الأمير نفسه، وكان يحملها فارس عندما يكون الأمير راكبًا أو أحد من المشاة عندما يكون مترجلًا، وكان في الحالتين محاطًا بالحامية السوداء.

إعلان

وكان العلم يحتوي على لونين هما الأخضر والأبيض، وكان هذا اللون الأخير يشكل دائرة طرزت في وسطها يد مفتوحة، وقد استوحي منه العلم الجزائري الحالي، والفرق الوحيد يأتي في استبدال اليد بهلال أحمر ما بين اللونين الأبيض والأخضر اللذين بقيا.

ولكي تثبت روح التضحية والانضباط في هذا الجيش فقد كان قانونه العام يُقرأ لكل الوحدات مرتين وأحيانًا ثلاث مرات في الشهر، كما كانت الشعارات التي يتضمنها تخاط على أكمام الجنود والضباط على حد سواء.

نذكر من بينها: "لا أنفع من التقوى والشجاعة" على الكتف اليمنى للآغا، وعلى اليسرى: "لا أضرَّ من المخالفة وعدم الانضباط".

وكان الأمير عبدالقادر نموذجًا ومثالًا للخصال الأخلاقية الرفيعة والقتالية المحترفة؛ فقد أثار في نفوس جنوده وضباطه ومواطنيه صورًا رائعة للتفاني والإخلاص في خدمة القيم والمبادئ، والحرص على تحرير الوطن من المحتلين الغزاة.

ويقر كل كتّاب سيرته -بمن فيهم الفرنسيون- أنه كان نزيهًا، وأنه كان يملك أقصى درجات الشعور بمكانة وقيمة الأموال العامة، وأنه لم يعرف سوى خدمة القضية التي كان يعلم أنها عادلة، ضاربًا بذلك أسمى مثال للتفاني والشجاعة الخارقة، وكل ميزاته كانت مدونة في القانون العام لكي يتخذ منه مثالًا يحتذى، وعلى هذا المنوال فقد كان يذكر خصوصًا أنه لم يسحب أبدًا من الأموال العامة للإنفاق على شؤونه الخاصة، وأنه كان دائمًا يُرجع إلى الخزينة العامة كل الهدايا التي كانت تُقدّم له، لأنه كان خادمًا وفيًا للدولة وليس لمصالحه الخاصة. (الأمير عبدالقادر وبناء الأمة الجزائرية ص 88- 89).

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان