"أبغض الحلال عند الله الطلاق" هذا الحديث النبوي الشريف يدل على أن ترك الطلاق أفضل إذا لم تدعُ الحاجة إليه، وما جعلني أكتب هذا المقال هو قراءتي عنوان كتاب يشبه مقولة "الطلاق انطلاقة نجاح باهر"!
لا أريد ذكر اسم الكتاب ولا المؤلفة حتى لا يُحسَب عليَّ ترويجٌ، ولا أريد ذكر ما يروّج له عن احتفاليات الطلاق، والإعلان عنه كأنه فرصة العوض الجميل، وبداية الحياة الرائعة الناجحة، وأن الزواج هو مقبرة السعادة.
نحن أصبحنا نخاف على أنفسنا وأبنائنا من الكتب أيضًا، فأنت مطالب بأن تدفع ابنك للقراءة، ولكنك مطالب أيضًا بمعرفة ما يقرأ
ولا أريد أيضًا تصوير الطلاق على أنه نهاية الحياة وبداية المأساة وفشل يضاف إلى حياة الفرد.. الطلاق ليس فشلًا ولكنه مشكلة، خصوصًا في حال وجود أطفال، وهو عقبة تترك أثرها في الشخص، والبعض يمرضون ويحتاجون إلى دعم ومساعدة.
وهو لا يعني أيضًا أن الدنيا ستفتح لك الأبواب على مصراعيها، وهو تجربة لا تستدعي كتابة كتاب يحفزك على الطلاق، ويصوره كتجربة نجاح تواجه بها المجتمع! ثم أي مجتمع؟
لقد تطورنا ولم يعد أحد مشغول بأحد، كل شخص مشغولٌ بدنياه ومشاكله الخاصة.. ستثبت لمن؟ وتواجه من؟ واجه نفسك وتحدَّ نفسك وانشغل بها، ودعك من الانشغال بنظرات الناس؛ فأنت تتعامل مع مجتمع من مختلف الأطياف والطبقات والثقافات.
الدنيا انفتحت على بعضها، ولا أتوقع أنه إذا خاض شخص تجربة الطلاق فقد وُضع تحت المجهر كالسابق؛ فالموضوع لا يستدعي كتابة كتاب لوصف الطلاق كتجربة ناجحة وباب للعوض الذي يغلقه الزواج، ولكن لا أستغرب ذلك؛ فنحن في زمن يُلهث فيه وراء النقود، وأنا إذا دفعت المبلغ اللازم سأنشر ما أشاء من الكتب التي تحمل أفكارًا لا يعلم بها إلا الله.
لماذا أصبح الزواج يُصوَّر على أنه ارتباط ثقيل وروتين ممل ومصدر للمشاكل، والطلاق يُصوَّر على أنه سعادة وانفتاح وحرية؟ لا أعرف حرية من ماذا؛ فالإنسان منذ اليوم الأول في حياته عليه واجبات وارتباطات، والتزامات الحياة لا تخلو من ذلك.
الزواج له متطلبات ومشكلات والتزامات، والطلاق له متطلبات وعقبات ومشكلات والتزامات، وإذا كنا نقارن حياتنا بما نشاهده على الشاشات -باختلاف أنواعها- فهنا المشكلة الحقيقية، هنا الفراغ الذي يؤدي بصاحبه في النهاية إلى فراغ روحي ونفسي أكبر، سواء أكان متزوجًا أم مطلقًا، والمشكلة أن تتحول تفاهة الشاشات إلى ثقافة تُكتب في كتب، ويروج لها على أنها غذاء روحي ثمين، ويرفد قارئه بتجربة نفيسة.
إني أحن بصدق إلى روائيين وكُتّاب مثل كنفاني والعقاد وغيرهما، ممن كانوا عندما يؤلفون الكتاب يأخذون على عاتقهم مسؤولية فكرهم الواعي، وإثراء قارئهم بمختلف المعلومات والأفكار التي تغذي الروح فعلًا.
أما اليوم، فنحن أصبحنا نخاف على أنفسنا وأبنائنا من الكتب أيضًا، فأنت مطالب بأن تدفع ابنك للقراءة، ولكنك مطالب أيضًا بمعرفة ما يقرأ.
كل إنسان له تجربته، والطلاق تجربة صعبة، وأحيانًا لا يوجد حل آخر، لكنها تختلف عما نشاهده على الشاشات.. وسواء اخترت الزواج أو الطلاق، كن على قدر المسؤولية
عندما كنت في عمر ابنتي، كانت القصص البوليسية والألغاز تُعتبر من الأشياء التي لا تثري قارئها، ولا تسمن ولا تغني من جوع، ولكني عندما أجد ابنتي اليوم تقرأ كتابًا يدعو للطلاق، ويمثله على أنه تجربة رائعة ونجاح أتحدى به المجتمع، أتساءل: كيف ستتحمل مستقبلًا أعباء الزواج ومسؤولية الأسرة؟ لقد أصبح الإنسان مطالبًا بمتابعة كل كتاب وقصة ومقالة، فلم يعد الخطر قادمًا فقط من الشاشات، بل أيضًا من الكتب.
إذا كان الطلاق ممتعًا والحرية رائعة إلى هذا الحد، فلماذا نتزوج؟ للإنجاب الشرعي مثلًا؟! إذا أنجبنا فمن سيربي؟ هل ستكون التربية أفضل عندما تكونين "سينغل ماما" أو "سينغل داد"؟ إن الفكرة كبيرة، وتندرج تحتها نشأة جيل لا يتحمل مسؤولية نفسه، فضلًا عن أن يتحمل مسؤولية فرد. الموضوع معقد ويحمل الكثير من الأفكار الهادمة للمجتمع وتفكك الأسر.
أعود وأقول إن كل إنسان له تجربته، والطلاق تجربة صعبة، وأحيانًا لا يوجد حل آخر، لكنها تختلف عما نشاهده على الشاشات… وسواء اخترت الزواج أو الطلاق، كن على قدر المسؤولية، ولا تعمم تجربتك على أنها إكسير السعادة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.