شعار قسم مدونات

التكنولوجيا كرافعة للتغيير في سوريا: القطار الذكي بدون سكة نموذجًا

الكاتب: يبلغ طول القطار نحو 32 مترًا ويمكنه نظريًّا نقل حوالي 300 راكب (الجزيرة)

في عالم تتسارع فيه وتيرة التطور التكنولوجي بشكل غير مسبوق، لم تعد التكنولوجيا ترفًا، بل أصبحت ضرورة وجودية، خاصة في المجتمعات التي تعاني من أزمات مزمنة أو ظروف استثنائية.

في هذا السياق، تطلّ التكنولوجيا كأداة قوية لتجاوز العقبات التقليدية، وفتح نوافذ جديدة من الفرص، حتى في البيئات الأشد تعقيدًا، حيث تتداخل التحديات الاقتصادية، والبنية التحتية المدمرة، والقيود السياسية والاقتصادية.

سوريا، في واقعها الحالي، تمثل نموذجًا صريحًا لبلد يحتاج بشدة إلى حلول مبتكرة وغير تقليدية لإعادة بناء ذاته، وإعادة الحياة إلى خدماته الأساسية المنهكة.

من بين الابتكارات اللافتة التي ظهرت مؤخرًا، يبرز مشروع القطار الذكي بدون سكة، الذي أطلقته الصين عام 2021، حيث يمثل تجربة مبتكرة في عالم النقل الحضري

من التعليم إلى الصحة، ومن الزراعة إلى النقل، أثبتت التكنولوجيا أنها قادرة على تقليص الفجوات وتجاوز الحواجز بطرق لم تكن متاحة من قبل؛ فقد بات بالإمكان -على سبيل المثال- تقديم تعليم تفاعلي عبر الإنترنت في مناطق نائية، أو إجراء عمليات جراحية عن بُعد باستخدام روبوتات دقيقة، أو استخدام تقنيات الري الذكي لتوفير المياه في المناطق الجافة.

هذه الابتكارات لا تحتاج بالضرورة إلى بنى تحتية ضخمة، بل تعتمد على الذكاء، والمرونة، والتصميم الجيد. وهذا بالضبط ما يجعلها مناسبة لبلدان مثل سوريا، التي تعاني من دمار واسع في بنيتها التحتية، وشح في الموارد، لكنها تملك عقولًا وكفاءات قادرة على التكيف والابتكار إذا ما أُتيحت لها الظروف المناسبة.

إعلان

من بين الابتكارات اللافتة التي ظهرت مؤخرًا، يبرز مشروع القطار الذكي بدون سكة، الذي أطلقته الصين عام 2021. هذا النظام، المعروف اختصارًا بـ ART (Autonomous Rail Rapid Transit)، يمثل تجربة مبتكرة في عالم النقل الحضري.

فهو مزيج بين الترام والباص، لكنه لا يحتاج إلى سكك حديدية فعلية، بل يسير على مسار افتراضي مرسوم على الطرق باستخدام تقنيات تتبع ذكية، تشمل حساسات، وكاميرات، وأجهزةLIDAR. هذه الأجهزة تتيح للقطار تتبع المسار بدقة كما لو أنه يسير على سكة، مع مرونة كبيرة في الحركة، وقدرة على المناورة في شوارع المدن.

يبلغ طول القطار نحو 32 مترًا، ويمكنه نظريًّا نقل حوالي 300 راكب، وهو يعمل بالطاقة الكهربائية، ويُعاد شحنه خلال وقت قصير، ما يجعله خيارًا صديقًا للبيئة، وفعالًا من حيث التكاليف الأولية مقارنةً بالترام التقليدي. والأهم من ذلك، أن تشغيله لا يتطلب حفر سكك أو أنفاق، بل يمكن استخدام البنية الطرقية الموجودة مع بعض التعديلات.

من الناحية التقنية، فهناك العديد من الملاحظات على هذا النظام: فأولًا، لا يزال انتشاره العالمي محدودًا، ولم تُسجّل له تجارب كبيرة خارج الصين حتى الآن. كما أن التقنية مملوكة لجهة واحدة، ما قد يُعقّد مسارات الشراء والتشغيل مستقبلًا

الفرص والتحديات: رؤية متوازنة

عند النظر إلى الحالة السورية، يبدو هذا النوع من الابتكارات مثالًا عمليًّا لما يمكن اعتماده لتجاوز التحديات المحلية، خاصة في مجال النقل داخل المدن؛ فالنقل العام في سوريا يعاني منذ سنوات من التدهور وازدحام الطرق وغياب التخطيط الحضري الفعّال، ويُضاف إلى ذلك التكاليف الباهظة لإعادة بناء البنية التحتية التقليدية، مثل مترو الأنفاق أو الترام.

لكن هذا الخيار -بطبيعة الحال- لا يخلو من التحديات مثل شح الكهرباء والعقوبات الاقتصادية التي قد تعيق استيراد بعض المكونات التقنية أو التكنولوجية، كما يُضاف إلى ذلك نقص الكفاءات المحلية في مجال تشغيل وصيانة مثل هذه الأنظمة الذكية.

غير أن هذه التحديات -وإن بدت صعبة- ليست مستحيلة التجاوز؛ فحلول الطاقة الشمسية مثلًا يمكن أن تُستخدم لدعم تشغيل محطات شحن القطار بالإضافة للكهرباء العامة، خاصة في بلد يتمتع بكمية وافرة من الإشعاع الشمسي سنويًّا.

إعلان

أما العقوبات، فيمكن الالتفاف عليها من خلال التعاون مع دول صديقة، أو عبر تصنيع بعض المكونات محليًّا بدعم من الجامعات ومراكز البحث. أما ما يخصُّ الكفاءات، فبإمكان برامج التدريب والتأهيل السريع أن تسد الفجوة، خاصة إذا تم العمل بالتعاون مع الجامعات السورية أو مبادرات القطاع الخاص.

أما من الناحية التقنية، فهناك أيضًا العديد من الملاحظات على هذا النظام: فأولًا، لا يزال انتشاره العالمي محدودًا، ولم تُسجّل له تجارب كبيرة خارج الصين حتى الآن. كما أن التقنية مملوكة لجهة واحدة، ما قد يُعقّد مسارات الشراء والتشغيل مستقبلًا.

من الناحية التقنية، أظهرت تجارب سابقة أن العجلات الثقيلة قد تتسبب في تآكل الطرق بشكل متسارع على طول المسار المكرر، ما قد يتطلب تعزيز البنية التحتية للإسفلت وبالتالي زيادة التكلفة.

ومع ذلك، فإن هذه التحديات لا تلغي القيمة التجريبية للنظام، بل تؤكد أهمية التفكير الواقعي: لا كخيار فوري وشامل، بل كخيار قابل للتكييف ضمن بيئة معينة وضمن شروط مدروسة.

الحلول الذكية لا تتعلق فقط بالأدوات، بل بكيفية استخدامها. وفي الوقت الذي تبدو فيه مشاريع البنية التحتية الكبرى بعيدة المنال، تظل التكنولوجيا فرصة ممكنة لزرع بذور التغيير، شرط أن تُزرع بعقلانية

التجريب الذكي بدلًا من التعميم السريع

بناءً على ما سبق، قد يكون الخيار الأمثل هو إطلاق مشروع تجريبي مصغر في إحدى المدن السورية، على مسار محدود، لدراسة فاعلية النظام في السياق المحلي من حيث الكفاءة، والكلفة، والصيانة.

يمكن لهذا المشروع أن يكون بوابة لاختبار قدرة السوريين على تكييف التكنولوجيا الحديثة ضمن بيئتهم، وتقييم ما إن كانت هذه الابتكارات قادرة فعلًا على تجاوز العقبات البنيوية والاقتصادية.

إن الحلول الذكية لا تتعلق فقط بالأدوات، بل بكيفية استخدامها. وفي الوقت الذي تبدو فيه مشاريع البنية التحتية الكبرى بعيدة المنال، تظلّ التكنولوجيا فرصة ممكنة لزرع بذور التغيير، شرط أن تُزرع بعقلانية، وأن تُروى بالإرادة، وأن تُحصد بتقييم واقعي.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إعلان

إعلان