إذا كانت أسماء الله تعالى أبوابا مشرعة لجوانب المعرفة والخشية، فإن اسم "المؤمن" يحمل بين حروفه سرا إلهيا عظيما، فهو الذي يؤمن عباده من الخوف، ويفيض على قلوبهم طمأنينة الإيمان، ويصدق وعده لخلقه بالحفظ والرعاية.
فما أعظمه من اسم يذكرنا بأن الأمان الحقيقي لا يكون إلا تحت ظل الإيمان به، وأنه سبحانه هو مصدر السكينة والثقة لمن توكل عليه وأيقن بأنه لا يخلف الميعاد!. وهذا الاسم العظيم يدعونا لنقف وقفة إجلال وتعظيم، ونستلهم منه الدروس والعبر، فنتأمل كيف أن الله تعالى يؤمن أولياءه في الدنيا والآخرة، وكيف أن الإيمان به هو أعظم زاد للمؤمنين.
من معاني "المؤمن": الذي ينشر الأمن بين عباده، وورد هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ [سورة قريش: 4]، ومن على عباده بنعمة الأمن
جاء هذا الاسم "المؤمن" في آخر سورة الحشر: ﴿هو الله الذي لا إلٰه إلا هو الملك القدوس السلٰم المؤمن﴾ [الحشر: 23]، ومن معانيه: المصدق الذي إذا وعد وفى بوعده، ﴿ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد﴾ [سورة آل عمران: 9]، فهو ينجز لعباده في الدنيا الرزق والعفو والعافية، ويوافيهم بثواب أعمالهم الصالحة في الدار الآخرة، وهو الذي يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيب آمالهم، كما في الحديث القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء».
وهو «المؤمن الشاهد بوحدانية ذاته»، كما قال سبحانه: ﴿شهد الله أنه لا إلٰه إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إلٰه إلا هو العزيز الحكيم﴾ [آل عمران:18]، وهو الذي أمن عباده من أن يقع عليهم في الآخرة جور أو ظلم؛ كما قال تعالى: ﴿اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم ۚإن الله سريع الحساب﴾ [الغافر:17]، وقال سبحانه: ﴿فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون﴾ [ يس: 54].
وهو سبحانه يجير المظلوم من الظالم، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، فهو يؤمن المظلوم، أي: يحميه وينصره ويمنحه الأمن والأمان؛ كما قال تعالى: ﴿قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون﴾ [المؤمنون: 88].
استحضار أن الله سبحانه وتعالى لم يزل في كل عصر يقيم لعباده الدلائل الواضحات والآيات الباهرات الدالة على تفرده بالخلق والإيجاد، واستحقاقه للاختصاص بالعبادة، ومعرفة مدى ظلم العباد حينما ينسبون أفعال الخالق إلى الطبيعة الصماء التي لا تملك من أمرها شيئا
ومن معاني «المؤمن»: "الذي ينشر الأمن بين عباده"، وورد هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف﴾ [سورة قريش: 4]، ومن على عباده بنعمة الأمن، ووعد المؤمنين الصادقين الخائفين أن يبدل خوفهم أمنا: ﴿وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا﴾ [النور: 55]، وكذلك في الآخرة، فيؤمن خوفهم بالعطاء والرحمة، والسكينة والجنة، كما ورد في قوله تعالى: ﴿فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم﴾ [سورة الطور: 27].
وقال عن أهل الجنة: ﴿ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون﴾ [الأعراف: 49]، فنفى عن أهل الجنة الخوف والحزن، وأبقى لهم الحب والرجاء، وهذا دليل على علو مرتبتهم وتفوقهم. ومن معاني «المؤمن»: "الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال والجلال والجمال، وأرسل الرسل وأنزل الكتب بالإيمان، وأقام الحجج والبراهين على صدق رسله وأنبيائه فيما بلغوا وأخبروا، عليهم السلام" (مع الله، سلمان العودة، ص79بتصرف).
قال الإمام الغزالي: "المؤمن: هو الذي يعزى إليه الأمن والأمان، بإفادته أسبابه وسده طرق المخاوف. ولا يتصور أمن وأمان إلا في محل الخوف، ولا خوف إلا عند إمكان العدم والنقص والهلاك، والمؤمن المطلق هو الذي لا يتصور أمن وأمان إلا ويكون مستفادا من جهته سبحانه وتعالى". (المقصد الأسنى، الغزالي، ص70 بتصرف).
الاطمئنان إلى أن سبيل الحق واضح المعالم، مبتدؤه معروف وكذلك منتهاه، فمن آمن بالحق وصدق به فثوابه الجنة وعدا صادقا من الله، والله لا يخلف الميعاد
آثار الإيمان بهذا الاسم
أولا: استحضار أن الله سبحانه وتعالى لم يزل في كل عصر يقيم لعباده الدلائل الواضحات والآيات الباهرات الدالة على تفرده بالخلق والإيجاد، واستحقاقه للاختصاص بالعبادة، ومعرفة مدى ظلم العباد حينما ينسبون أفعال الخالق إلى الطبيعة الصماء التي لا تملك من أمرها شيئا، ولا تملك لغيرها موتا ولا حياة ولا نشورا، وتجدد هذه الآيات أمر يدل على الشارع، ويشهد له الواقع: ﴿سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه علىٰ كل شيء شهيد﴾ [فصلت:53].
ثانيا: إحسان الظن بالله سبحانه وتعالى، والثقة فيما عنده، وتفويض الأمور إليه في جميع الأمور، وانتظار الفرج منه، لأن الله سبحانه وتعالى لا يخيب من رجاه، وقد جاء في الحديث القدسي قوله تعالى: «أنا عند ظن عبدي بي» (رواه مسلم).
ثالثا: الاطمئنان إلى أن سبيل الحق واضح المعالم، مبتدؤه معروف وكذلك منتهاه، فمن آمن بالحق وصدق به فثوابه الجنة وعدا صادقا من الله، والله لا يخلف الميعاد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا ريب أن الله تعالى وعد المطيعين بأن يثيبهم ووعد السائلين بأن يجيبهم، وهو الصادق الذي لا يخلف الميعاد. قال الله تعالى: ﴿والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا﴾ [النساء: 122]، وقال سبحانه: ﴿وعد الله لا يخلف الله وعده ولٰكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ ]الروم: 6]"، فحري بمن أدرك ذلك أن يمضي في طريق الحق المبين، لا يلتف عنه ولا يحيد ( معجم أسماء الله الحسنى، إسلام ويب، 176039).
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.