شعار قسم مدونات

كيف يمكن للفن أن يُعالج تشوهات المجتمع؟

من الخيال العلمي إلى الدراما.. 10 روائع سينمائية هوليودية لا تفوّت مواقع التواصل - reddit.com
الإعلام يجب أن يتحول إلى قوة محورية، لتصحيح الصور النمطية السلبية التي تُفرض على المسلمين في الغرب (مواقع التواصل الاجتماعي)

في عصرٍ تتداخل فيه قوى الثقافة والإعلام مع التحديات الاجتماعية، يبرز الفن كجسرٍ للتواصل الحقيقي، يحمل بين طياته رسائل إنسانية صادقة، تُعيد تعريف الهوية وتُبرز جمال التنوع واحترام الاختلاف.

ومن بين أبرز الأصوات التي استطاعت أن توظف الفن لتصحيح الصور النمطية سماح صافي بايزيد؛ المخرجة التي رسمت بجرأة ملامح جديدة للإعلام الأميركي المسلم.

الدراما التي تعالج قضايا المجتمع نفسه يكون لها تأثير عميق وطويل الأمد، لأنها تلامس هموم الناس بشكل حقيقي، بينما الدراما المعربة تبقى مجرد تسلية أو وسيلة لتسلية الجمهور، مثل الوجبات السريعة

بين الفن والتأثير الاجتماعي

سماح صافي بايزيد، المخرجة السينمائية التي تجمع بين الجذور الأردنية والأصالة الأميركية، تصنع بلغتها منصة حوار مختلفة بين الشرق والغرب.. درست اللغة الإنجليزية التطبيقية في العاصمة الأردنية عمان، ثم انتقلت إلى نيويورك وتابعت الدراسة في كتابة السيناريو والإخراج السينمائي.

منذ انطلاق مشوارها في عام 2011، استخدمت سماح أدواتها الإبداعية لتطوير الشراكة المجتمعية بين مختلف أطياف المجتمع الأميركي، مع تركيزٍ خاص على الجالية المسلمة.

تركّز سماح على إنتاج محتوى هادف يُسلط الضوء على قضايا إنسانية وثقافية، ويساهم في إحداث تغيير إيجابي. وقد شاركت في تأسيس شركة Light Art VR، إحدى الشركات الرائدة عالميًّا في صناعة الترفيه بتقنية الواقع الافتراضي، والتي توسع أنشطتها في أكثر من 23 دولة.

إعلان

وتعد أعمالها السينمائية، التي تمزج بين الفن والتأثير الاجتماعي، منصةً لتسليط الضوء على القضايا الإنسانية والثقافية، وتقديم رسائل تبعث على الأمل والتغيير الإيجابي، وتصحيح الصور النمطية حول الجالية المسلمة في أميركا.

الفن كأداة لتغيير الصور النمطية

تؤكد سماح صافي في حديثها أن الإعلام يجب أن يتحول إلى قوة محورية، لتصحيح الصور النمطية السلبية التي تُفرض على المسلمين في الغرب، خاصة بشأن ما يتعلق بالمرأة التي غالبًا ما تُصوَّر كضحية ضعيفة أو مضطهدة.

وتضيف: «نحن بحاجة إلى أعمال تروي قصصًا تُعرّف المجتمع بالإنسان المسلم، تُبرز نجاحاته وتحدياته، وتوضح كيف يمكن للهوية والاندماج أن يتعايشا دون فقدان الخصوصية الثقافية».

إن هذا النهج لا يتوقف عند حدود الشاشة؛ فقد استطاعت سماح أن تُعيد رسم صورة الطفل المسلم الأميركي في أعمالها، حيث يصبح رمزًا للثقة بالنفس وللقيادة والتحدي في مواجهة الأحكام المسبقة.

"سوبر آدم": قصة الهوية والتحدي

يُعد مسلسل "سوبر آدم" أحد أبرز أعمال سماح صافي، فهو يروي قصة عائلة أميركية مسلمة مكونة من أب مهاجر وأم أميركية، وطفليهما آدم وياسمين. ويعكس المسلسل التحديات اليومية التي يواجهها الأطفال في بيئة تتصارع فيها العنصرية مع الصور النمطية المغلوطة عن الهوية الإسلامية.

من خلال حلقات مثل "I’m Leaving" (أنا مغادر) و"Slice of Life"، يُظهر المسلسل كيف يواجه كل فرد من أفراد العائلة شريحة من الضغوط والمواقف اليومية التي تعكس واقع المسلم الأميركي؛ ففي إحدى الحلقات يقرر "آدم" ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية في المدرسة، رغم تعرضه للتنمر بسبب هويته، فيُثبت للجميع أن الإرادة والشخصية القوية قادرتان على تجاوز كل العقبات.

بأسلوبٍ ممتع وجذاب، استطاع المسلسل أن يجذب 100 ألف متابع ومليون مشاهدة خلال شهرين فقط من عرضه، مُؤكدًا رسالة واضحة حول أهمية الاعتزاز بالهوية والانتماء، دون الانصهار الكامل في المجتمع.

إعلان

الفن والإعلام والدراما: بين التسلية والرسالة

على صعيد آخر، تناولت سماح التباين الملحوظ بين الدراما المعربة والدراما الأميركية؛ فقد أشارت إلى أن الدراما العربية، رُبما بسبب الضغوطات السياسية ونقص الحرية الكافية لرواية القضايا الحقيقية، غالبًا ما تتحول إلى وسيلة للتسلية البحتة، تشبه الوجبات السريعة، وتفتقر إلى العمق الاجتماعي والإنساني.

وفي المقابل، تنتقد سماح الأعمال الأميركية التي تُظهِر المسلمين بصورة نمطية، مرتبطة دومًا بالإرهاب أو العنف، ما يخلق حالة من الخوف والتشكك تجاههم.

وتضيف: "الدراما التي تعالج قضايا المجتمع نفسه يكون لها تأثير عميق وطويل الأمد، لأنها تلامس هموم الناس بشكل حقيقي، بينما الدراما المعربة تبقى مجرد تسلية أو وسيلة لتسلية الجمهور، مثل الوجبات السريعة".

ووفقًا لسماح، فإن هذه الأعمال تكون سطحية، وتفتقر إلى أي عمق اجتماعي أو إنساني، ما يجعلها تساهم في خلق صور مغلوطة عن المجتمعات التي يُفترض أن تمثلها.

كما أشارت إلى أن معالم الدراما الأميركية الحديثة، كما تجسدها إنتاجات مثل CODA، وSeverance، وSilo، تُبرز قدرة القصص الإنسانية المشوقة على جذب الجمهور، دون الاعتماد على العنف أو الجنس والأبطال الخارقين، ما يشير إلى أن الجمهور ذكي ويعرف ما يريد.

تحديات صناعة الإعلام: مزج المتعة بالرسالة

فإذا لم يستمتع الجمهور فلن يستقبل الرسائل؛ لهذا نتبع منهجية "البسكويت والكريمة"، حيث يتم تقديم العمل بشكل ممتع، لكنّ في جوهره قيّمًا هادفة. فأكبر تحدٍّ هو القدرة على المزج بين المتعة والرسالة، وهما عنصران أساسيان في نجاح أي عمل إعلامي.

وكشفت عن أن هذا المبدأ كان وراء النجاح الذي حققه "سوبر آدم"، حيث "عملنا على أن يكون المحتوى مسليًا، وفي الوقت نفسه يحمل رسائل قوية ترتبط بالقيم الإنسانية والاجتماعية".

يجب أن يكون العمل الإعلامي مسليًا في تقديمه، لكنه يحمل في جوهره قيمًا إنسانية واجتماعية عميقة، تلامس هموم الناس وتثير تفكيرهم، كما قال والت ديزني: "أفضل أن أُسلّي الناس على أمل أن يتعلموا شيئًا، بدلًا من أن أُعلّمهم على أمل أن تتم تسليتهم".

في عالم صناعة الأفلام، تتركز اهتمامات كبرى شركات الإنتاج على تحقيق أرباح ضخمة في شباك التذاكر، متجاهلة في كثير من الأحيان التأثير الاجتماعي العميق لأعمالها

السوشيال ميديا: التوثيق والتغيير في عصر السوشال ميديا

وصفت سماح عصر السوشيال ميديا بأنه "عصر استثنائي"، حيث أصبح لكل فرد القدرة على إنتاج واستهلاك المحتوى الإعلامي بسهولة، ما يزيد من المسؤولية الجماعية في رفع صوت القضايا الإنسانية والاجتماعية.

إعلان

وقد شهدنا خلال تغطية حرب غزة فارقًا كبيرًا بين نقل الأحداث على يد الناس وصناع المحتوى والمؤسسات، ما يبرز أهمية الإعلام الاجتماعي كأداة حيوية للتوثيق والتغيير.

فسماح -بجانب أعمالها السينمائية- تُعد أيضًا من الأصوات المؤثرة في تمكين المرأة العربية، حيث تستخدم منصاتها الإعلامية لمشاركة تجربتها في صناعة الأفلام وريادة الأعمال، ملهمةً بذلك العديد من الشابات في العالم العربي لتحقيق أحلامهن وكسر الحواجز.

السياسة والاقتصاد والإعلام: تحقيق التوازن

في عالم صناعة الأفلام، تتركز اهتمامات كبرى شركات الإنتاج على تحقيق أرباح ضخمة في شباك التذاكر، متجاهلة في كثير من الأحيان التأثير الاجتماعي العميق لأعمالها. وهنا يكمن التحدي خاصةً للشركات المستقلة التي لا تصنع الفن لأجل الفن إنما لأجل الرسالة.

نحو معالجة أكثر عمقًا للقضايا الاجتماعية

بات تعميق التخصصات في مجال كتابة النصوص الإعلامية، لا سيما تلك التي تتناول القضايا الاجتماعية، ضرورة ملحّة في ظل التطورات المتسارعة في صناعة المحتوى.

في هذا السياق، أكدت سماح صافي على أهمية توظيف الكتابة المتخصصة عند تناول موضوعات حساسة، مثل العنصرية، لضمان تقديم صورة أكثر تكاملًا وواقعية.

وأوضحت أن المزج بين الأبعاد النفسية والاجتماعية في المعالجة الدرامية يساهم في خلق أعمال أكثر تأثيرًا، بعيدًا عن التناول السطحي أو النمطي.

في ظل تحديات العصر الرقمي، تتجلى الحاجة إلى إنتاج أعمال تعكس الواقع بعيدًا عن القوالب الجاهزة، وتفتح المجال أمام روايات أكثر صدقًا وتمثيلًا للتجارب الحقيقية

وترى صافي أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب تعاونًا وثيقًا بين الكتاب والخبراء في مجالات متعددة، لضمان نقل القضايا الاجتماعية عبر الأعمال الفنية بمنهجية دقيقة، تدمج بين الطابع الترفيهي والفائدة المجتمعية.

الفن جسر للتواصل والتغيير

في عالمٍ تتقاطع فيه السرديات الإعلامية مع الأجندات السياسية والثقافية، يبقى الفن الصوتَ الأصدق والأكثر تأثيرًا في إعادة تشكيل الوعي الجماعي.

ومن خلال عدستها الإبداعية، أثبتت سماح صافي بايزيد أن الفن لا يقتصر على الترفيه، بل هو سلاحٌ ناعمٌ قادر على تصحيح الصور النمطية، وخلق واقعٍ أكثر تنوعًا وشمولية.

إعلان

فالمسؤولية اليوم تكمن في تحويل الإعلام إلى منصةٍ تُعالج الظواهر الاجتماعية، خاصةً حول المهاجرين في الغرب، وتصحيح الأحكام المسبقة السائدة.

كما أن صناعة المحتوى اليوم لم تعد مجرد وسيلة لنقل الأحداث أو الترفيه العابر، بل أصبحت مسؤوليةً أخلاقية تستدعي مزيجًا من التخصص والجرأة والرؤية الإنسانية. فكل مشهد، وكل كلمة، وكل قصة تُروى.. كل ذلك يمكن أن يكون نقطة تحول في إدراك المجتمع لذاته وللآخرين.

وفي ظل تحديات العصر الرقمي، تتجلى الحاجة إلى إنتاج أعمال تعكس الواقع بعيدًا عن القوالب الجاهزة، وتفتح المجال أمام روايات أكثر صدقًا وتمثيلًا للتجارب الحقيقية.

تقول صافي: "الكلمة أثر"؛ فما يتركه الفن اليوم سيظل محفورًا في الذاكرة الجماعية، يصنع الجسور بين الثقافات، ويضيء الطريق نحو فهمٍ أعمق وإنسانيةٍ أشمل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان