لسنوات عديدة، تشكّلت علاقتنا مع الطعام بناءً على معتقدات وعادات مَن سبقونا.
كنا نأكل من أجل الحصول على الطاقة، ومن أجل أن ينمو الجسد ويكون في صحة جيدة.. وفي أفضل الحالات، كنا نختار الطعام بعناية لتجنب الأمراض والمشاكل الصحية.
اتّبعنا الحميات والوصفات للحصول على جسد جميل، ورشيق، ومتناسق، حيث كان الشكل الخارجي، هو المرجع الذي نقيس به صحة أجسادنا الداخلية.
في بُعدٍ آخر، لنا مع الطعام قصة مختلفة تمامًا عمّا سبق؛ فاكتساب وعي جديد لعلاقتنا مع الطعام يقودنا إلى طريق مختلف كليًّا.. طريق الاتصال بالداخل، وإعادة تقييم علاقتنا بالأكل: نوعه، وتوقيته، وكميته، واحتياجنا الحقيقي له.
عندما يصوم الإنسان تمامًا عن الطعام، مكتفيًا ببضع لقيماتٍ وماء، يدرك بعين قلبه أنه يرتفع داخليًّا، ويمتلئ بطاقة عجيبة تجعله أقوى وأكثر صفاءً
من الحاكم، أنت أم جسدك؟
في الماضي، ومع الخضوع للعادة وما هو مألوف، يصل الجسد إلى حالة من الإدمان الأعمى، حتى يُجبر صاحبه على الدخول في دوامة اللاقرار. يصبح الإنسان مُستَعبَدًا لرغبات جسده، يأكل في أي وقت، وبكميات لا حدّ لها، دون أن يكون له قرار حقيقي في اختيار طعامه أو توقيته.
لكنْ، عندما نعيد تقييم هذه العلاقة الجوهرية، يستعيد الإنسان سيطرته على نفسه.. يقرر هو متى يأكل، وماذا يأكل، وبأي قدر.. يصبح الجسد تابعًا، والإنسان هو السيد.. وهنا تكمن حريتك! إنها فرصة عظيمة للإنسان ليتأمل مصدر الطاقة داخله.
الشعور الداخلي بالفراغ أثناء الصيام يجعلك في عالم آخر، عالم من الصفاء، والتركيز، والهدوء
ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان
عندما يصوم الإنسان تمامًا عن الطعام، مكتفيًا ببضع لقيماتٍ وماء، يدرك بعين قلبه أنه يرتفع داخليًّا، ويمتلئ بطاقة عجيبة تجعله أقوى وأكثر صفاءً. وعندما يقرر أن يأكل، يختار طعامه بوعي، ويأكل بقدر احتياجه الحقيقي.
عندما تستمع إلى جسدك: كيف يستجيب للطعام الذي تناولته؟ أستقبله أم رفضه؟ وعندما تنصت لجسدك.. يصبح الطعام وسيلة لزيادة اتصالك بهذا الجسد العظيم والذكي، الذي يعي ما ينفعه فعلًا.
الشعور الداخلي بالفراغ أثناء الصيام هو شعور يجعلك في عالم آخر، عالم من الصفاء، والتركيز، والهدوء.
وتسأل نفسك سؤالًا جوهريًّا: ما الذي يدفعنا إلى التخمة؟ لماذا كنت أُجبر جسدي على التهام كميات من الطعام حتى أشعر بامتلاء يثقل أنفاسي؟ لماذا كنّا مستعبَدين لهذا الشعور؟. هذا سؤال جوهري؛ لأن حالة النهم هذه لا تقتصر على الطعام فقط، بل تمتد إلى جميع جوانب حياتنا.
هناك شيء ما يدفعنا إلى تكديس الأشياء، وجمعها، وتخزينها؛ فما الذي نجده هناك ويجعلنا نقع في حالة الإدمان هذه؟
فإذا نجحت في أن تسمو فوق الرغبة في الامتلاء وتكديس الطعام، يمكن أن يقودك هذا إلى أن تسمو فوق كل رغبة للنفس في التملك وكنز الأشياء، وتكتشف كنوزًا مدفونة تحت الفراغ.. الفراغ الكامل من كل شيء.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.