أطلّ شهر رمضان الفضيل على المسلمين عمومًا، حيث أعلنت معظم البلدان العربية مساء الجمعة 28 فبراير/ شباط الماضي، ثبوت رؤية هلال شهر رمضان لعام 1446هـ. وعلى هذا كان السبت 1 مارس/ آذار أوَّل أيام الشهر الفضيل في معظم الدول العربية، وتحديدًا في فلسطين، وسوريا.
شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، ويعتبر أكثر الشهور الهجرية قداسة عند المسلمين؛ بسبب نزول القرآن الكريم فيه، كما أن فيه ليلة القدر، ولكونه شهر الصوم، الركن الرابع من أركان الإسلام.
ولا يقف رونق هذا الشهر على المسلمين فقط، بل يمسّ الإنسان لأي دين انتمى، لما يحمل من فضائل تحاكي الإنسانية في كل زمان ومكان، مثل التقوى والورع، ولا سيما الزكاة.
لا يزال الفلسطيني متمسكًا بأرضه، حيث يقاوم كل أنواع التهجير رغم تضييق الخناق عليه. ولكن المقاومة الحقيقية تتبدى في هذا الشهر الفضيل، إذ إنه إضافة إلى عودته إلى بيته الذي دُمر تراه متمسكًا بصومه وأداء صلاته
يتوقف الناس عامة، والمسلمون خاصة، عند هذا الشهر الفضيل في مناجاة الخالق، حيث يقوم الإنسان بمراجعة ذاتية لسلوكياته ولنواياه، علّه يجد في هذا مناسبة للتوبة.
لهذا الشهر طابعه الاجتماعي أيضًا؛ حيث من المفترض أن يعيش الإنسان نوعًا من السلام، وحدًّا أدنى من تأمين المعيشة، يراعي ما يتطلبه التحضير للاجتماع على الإفطار بعد صوم النهار كله.. هذا ما يفتقر إليه ابن غزة اليوم، بعدما مارس بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة أبشع أنواع الإبادة والتهجير بحقه.
يمارس الإسرائيلي بالتنسيق التام مع إدارة دونالد ترامب المزيد من الإفقار والحصار على القطاع، إضافة إلى الترهيب النفسي في تصريحات نتنياهو وأعضاء حكومته، حول إفشال التسوية القائمة بمرحلتها الثانية؛ إذ إن المطلوب هو دفع الغزي للرحيل، لتطبيق مشروع التهجير القسري الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي ترامب.
في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، بدأ سريان الاتفاق بين حركة حماس وإسرائيل، ويتضمن ثلاث مراحل تمتد كل منها 42 يومًا، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل استكمال المرحلة الجارية.
غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو كما يبدو يماطل في بدء التفاوض بشأن المرحلة الثانية، والتي كان من المفترض أن تبدأ في 3 فبراير/ شباط الماضي بوساطة مصر وقطر، وبدعم أميركي؛ حيث يجمع المراقبون على أن الرجل يميل إلى تمديد المرحلة الأولى، التي من المفترض أن تنتهي في مطلع شهر مارس/ آذار، إلى نهايته، أي حتى نهاية شهر رمضان الكريم، لكي يجعل من هذا الشهر ضغطًا إضافيًّا على الفلسطيني الذي يعاني الأمرَّين.
لا يزال الفلسطيني متمسكًا بأرضه، حيث يقاوم كل أنواع الترحيل ويرفض التهجير رغم تضييق الخناق عليه. ولكن المقاومة الحقيقية تتبدى في هذا الشهر الفضيل، إذ إنه إضافة إلى عودته إلى بيته الذي دُمر (كليًّا أم جزئيًّا) تراه يتمسك بصومه وأداء صلاته في هذا الشهر، في مقاومة حقيقية أمام إصرار العدو على إخضاعه بعدما تعذر ذلك في آلة الحرب التي استخدمها، وتراه اليوم يفشل في تطبيق سياسة التجويع والتخويف لحثّه على التخلي عن التزاماته الدينية والوطنية معًا.
"أن تصوم رمضان في غزة فأنت مقاوم وتحمل رسالة حقًّا".. كذلك هي الرسالة إلى العدو والعالم، بأن الغزي يلتزم بإيمانه رغم كافة الضغوط التي تفرض عليه، وهي أيضًا رسالة إلى العدو تُظهر حقيقة مدى إجرامه أمام مؤمن يرفع صلاته إلى الله متضرعًا وطالبًا السلام ونشر المحبة، وهذا من صميم رسالة الإسلام.
رمضان هذه السنة في سوريا له نكهة مختلفة، إذ إنه بعد 53 عامًا يستقبل السوريون شهر رمضان لأول مرة وهم أحرار من قبضة نظام الأسد، وتكتسي شوارعهم وأحياؤهم ببهجة جديدة لم يألفوها منذ زمن بعيد
أطلّ الشهر الفضيل على سوريا، ولكن هذه السنة بنكهة الانتصار، حاملًا استجابة لصلوات الملايين وصومهم، وتضرعهم إلى الله للتخلص من نظام بائد، مارس أبشع أنواع التعذيب بحق شعبه.
فرمضان هذه السنة في سوريا له نكهة مختلفة، إذ إنه بعد 53 عامًا يستقبل السوريون شهر رمضان لأول مرة وهم أحرار من قبضة نظام الأسد، وتكتسي شوارعهم وأحياؤهم ببهجة جديدة لم يألفوها منذ زمن بعيد، سببها زوال حقبة القمع والخوف من الاعتقال، في حين تعلو أصوات الباعة في الأسواق التي استعادت حيويتها رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
أمام هذا الوضع الصعب، أجرت الحكومة الجديدة عدة تغييرات اقتصادية، ففتحت السوق أمام المنتجات المستوردة؛ لتخفيض السعر ومنع الاحتكار.
ورغم تلك الإجراءات الحكومية فإنّ كثيرين من السوريين غير قادرين على شراء ما يلزم لتحضير الإفطار الرمضاني؛ لهذا يتوقع المسؤولون في الحكومة أن تقدِم الدول الغربية على رفع العقوبات المفروضة منذ قانون قيصر، لإظهار النية للشعب السوري بأن العقوبات فرضت زمن النظام البائد، وصار طبيعيًّا أن تزول بزواله.. ولعلّه في هذا الشهر تتحقق استجابة الدعاء للمؤمن الذي يرفع صلاته إلى خالقه.
رمضان هذا العام وحّد سوريا وغزة، حيث تحققت عودة الناس إليهما، رغم الصعوبات الاقتصادية والتحديات التي ترافق هذه العودة. لكن المؤكد أنّ الأيادي البيضاء ستكون إلى جانب هذه الشعوب، ومن كان إلى جانبها في المقاومة والنضال من أجل التحرير لن يتخلى عنها في هذا الشهر الفضيل، وعلى رأس هؤلاء دولة قطر الشقيقة.
لهذا سيبقى شهر رمضان شهر الخير والإحسان، رغم ما يسعى إليه الأعداء من ممارسات سترتد على فاعليها، لأنّ الإيمان لن يستطيع أحد سحبه ممن آمن بربه، وآمن بوطنه، ما دام أن هناك مقاومة، ودولًا تنشر السلام والمحبة، وتعمل على مساعدة الشعوب انطلاقًا من إيمانها بالله، وإيمانها بالإنسانية عامة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.