يُعتبر قطاع السياحة من بين أسرع القطاعات نموًا في الاقتصاد العالمي. إذ يأتي في المرتبة الثانية، من حيث الربحية بعد النفط، حسبما تؤكد منظمة السياحة العالمية.
السياحة تمثّل نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، و7% من الاستثمار العالمي، وكذلك 11% من الإنفاق الاستهلاكي العالمي، و5% من إجمالي الإيرادات الضريبية.
في كل 16 وظيفة هناك واحدة سياحية. كما تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنّ إجمالي المساهمة الاقتصادية للسياحة قد بلغت العام الفائت (2024) قرابة 3.3 تريليونات دولار، بينما تُعتبر السياحة في بعض الدول: المورد الرئيسي للدخل.
ولكل هذه الأسباب، فإنّ العديد من الدول تعمل بجدّ ونشاط من أجل تطوير قدراتها السياحية، وتركّز عليها من أجل تنويع اقتصاداتها.
تتطلع كازاخستان هذا العام، إلى زيادة عدد السياح الأجانب لنحو 10 ملايين سائح. ومن أجل توفير إقامة مريحة لهم، تقوم بتوفير الاتصالات المتنقلة والإنترنت بتغطية مستقرة
المملكة العربية السعودية مثلًا، وضعت ضمن برنامج "رؤية 2030″ تعريفًا مميزًا لقطاع السياحة، واصفة إياه بـ"المكون الرئيسي للتحول إلى اقتصاد لا يعتمد على الموارد".
وعلى هذا المنوال، تشكّل السياحة في كازاخستان، التي تسنى لي زيارتها قبل أشهر، أولوية اقتصادية وطنية. إذ اعتمدت الحكومة الكازاخية منذ العام 2023، مفهوم تطوير السياحة ضمن خطتها الإستراتيجية طويلة الأمد (2023 – 2029)، وذلك من خلال وضع بنى تحتية جديدة وتطوير تلك الموجودة، مع دعم الرقمنة وتحسين الخدمات واللوجيستيات.
تخطط الحكومة الكازاخية اليوم كذلك، إلى إعطاء زخم إضافي لتعزيز صناعة السياحة من خلال النقاط التي حدّدها رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف في خطته للنمو الاقتصادي طويل الأمد.
تتطلع كازاخستان هذا العام، إلى زيادة عدد السياح الأجانب لنحو 10 ملايين سائح. ومن أجل توفير إقامة مريحة لهم، تقوم بتوفير الاتصالات المتنقلة والإنترنت بتغطية مستقرة.
كما تسيّر رحلات جوية إلى الوجهات الرئيسية من جميع مناطق البلاد، عبر بناء 3 مطارات جديدة في مناطق المنتجعات مثل: زايسان، كاتون كاراجاي، وكينديرلي.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم أستانا بإنشاء ظروف مواتية لجذب رأس المال إلى الصناعة السياحية من خلال اعتماد تدابير دعم خاصة، مثل الإعفاءات الضريبية وتقديم المنح.
لا يقتصر تطوير السياحة في كازاخستان على بناء الفنادق والمطارات. بل يتعلق الأمر قبل كل شيء بتوفير أماكن قادرة على جذب الناس. فإذا لم يكن هناك أيّ معالم طبيعية أو تاريخية، فإن الاستثمار السياحي سيكون عديم الفائدة. لأنّه ببساطة لن يكون هناك أيّ شيء يستحق الذهاب لزيارته… وهذا بالطبع لا ينطبق على كازاخستان التي تمتلك كل مزايا "الدولة السياحية".
التباين بين المدن الكبرى الحديثة والسهوب البرية، يجعل تلك الدولة في قلب آسيا الوسطى جذابة حتى بالنسبة للسائح المتطوّر. تنوع المناظر الطبيعية فيها مذهل ورائع.
فمن خلال اختيار بلد واحد فقط، يمكنك الاستمتاع بجميع فصول السنة بشكل كامل، وزيارة المستوطنات القديمة والمعالم التاريخية والبحيرات الجبلية والقمم المغطاة بالثلوج والغابات الكثيفة والوديان العميقة، والسهوب التي لا نهاية لها. وكذلك مشاهدة الهندسة المعمارية المستقبلية، والمتنزهات الوطنية.
كل هذا ينتظر ضيوف كازاخستان، التي تضمّ أكثر من 25 ألف معلم من التراث التاريخي والثقافي، وتجعل البلاد متحفًا حقيقيًا في الهواء الطلق.
كما تتضمّن قائمة التراث العالمي لمنظمة "اليونسكو"، ستة مواقع كازاخية، هي: ضريح خوجة أحمد ياساوي، وسهول سارياركا، وبحيرات شمال كازاخستان، وطريق الحرير العظيم، والنقوش الصخرية في تانبالي، وتيان شان الغربية، وصحاري توران.
أمّا بالنسبة للتراث الثقافي غير المادي لـ"اليونسكو"، فإن قائمتها في كازاخستان تتضمن 13 عنصرًا، من المسكن التقليدي للبدو (اليورت) إلى الصيد بواسطة الصقور.
كما يغطي التآزر بين الموقع الجغرافي الفريد والتاريخ الغني والدعم الحكومي، جميع أنواع السياحة تقريبًا، كتلك البيئية والترفيهية والتعليمية والرياضية والصحية.
على سبيل المثال، تتضمن السياحة البيئية الانغماس في الطبيعة. حيث تضمّ البلاد قرابة 79 معلمًا طبيعيًا، و50 محمية طبيعية، و13 حديقة وطنية، و16 محمية، و5 مناطق محمية منتشرة في مساحات شاسعة من كازاخستان، وتبلغ مساحتها الإجمالية قرابة 9٪ من إجمالي مساحة البلاد (بحجم بريطانيا العظمى). كما تمتلك كازاخستان مقومات السياحة الرياضية وتسلق الجبال والتزلج.
على بُعد 15 دقيقة فقط بالسيارة من وسط مدينة ألماتي، في مضيق زايليسكي ألاتاو على ارتفاع 2260 مترًا، يقع منتجع شيمبولاك للتزلج، الذي يتميز بمناخ معتدل يشهد أكبر عدد من الأيام المشمسة، مع الحفاظ على غطاء ثلجي كثيف طوال أشهر السنة.
على بعد 200 كيلومتر من ألماتي كذلك، تقع واحدة من عجائب كازاخستان، وهي كائن طبيعي فريد من نوعه هو "وادي شارين" الصخري، الذي تشكّل بفعل الظروف الطبيعية على مدى آلاف السنين ويملك خصائص جيولوجية، تجعله "الأخ الأصغر" لوادي غراند كانيون الأميركي، أحد أكبر الوديان على هذا الكوكب.
السياحة في كازاخستان، هي "مُحرّك" للتحول الاقتصادي، ومعلم من معالم التراث الطبيعي والثقافي الغني الذي يجعل البلاد "وجهة جذابة" للسياح من جميع أنحاء العالم
من ذاك الوادي يمكن رؤية مناظر "مرّيخية" مماثلة في غرب البلاد (منطقة بوزهيرا)، حيث التضاريس غير الأرضية عبارة عن سلسلة من الجبال المتبقية ذات الأشكال المختلفة التي كانت ذات مرة، قاعَ محيط تيتي القديم. أمّا السهوب، فكانت موطنًا للحيوانات القديمة التي يمكن العثور على بقاياها حتى يومنا هذا.
وبفضل خصائصها العلاجية الغنية بالموارد الطبيعية (الينابيع الساخنة، والطين العلاجي، وما إلى ذلك)، أصبحت كازاخستان أيضًا مكانًا للسياحة الصحّية، حيث المصحات المنتشرة على الشواطئ اللازوردية لبحيرة ألاكول وبحر قزوين، وفي مناطق المنتجعات بوروفوي وبايانول، وكذلك على سفوح جبال زايليسكي ودجونجارسكي ألاتاو الخلابة، التي تُستغل في علاجات الطين والماء "البانتوثيرابي"، إضافة إلى المنازل المخصصة للاستجمام والتعافي والاسترخاء واستنشاق الهواء النقي بعيدًا عن صخب المدن.
السياحة في كازاخستان، كما في بقية الدول حول العالم، هي "مُحرّك" للتحول الاقتصادي، ومعلم من معالم التراث الطبيعي والثقافي الغني الذي يجعل البلاد "وجهة جذابة" للسياح من جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يستمر ازدهار السياحة فيها، كي تجذب الملايين من الناس على مدار الفصول الأربعة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.