شعار قسم مدونات

الرأسمالية وتجار الحشيش (2)

كيف ستتعامل طالبان مع زراعة الأفيون؟
كما كان هناك ضغط ممارَس على الصين بسبب الأفيون كانت الماكينات الجديدة تمارس ضغطًا مشابهًا على العمال (رويترز)

بعد قرابة عقد وعامين من معاهدة (نان جنج) التي تلت حرب الأفيون الأولى، والتي تمتع الجانب البريطاني بموجبها بحق بيع الأفيون في الصين دون أي معوقات من الحكومة الصينية، فإن أرباح بيع الأفيون -وعلى عكس التوقعات- لم تكن مرضية بالشكل الكافي، فقرروا تعديل الاتفاقية، حيث أقامت الحكومة البريطانية عريضة جديدة طالبت فيها بالمزيد من التسهيلات، على اعتبار أن التسهيلات السابقة لا تكفي، لذا أرادوا مثلًا إلغاء رسوم النقل الداخلية للشركات الأجنبية التي تنقل الأفيون، وفتح المزيد من الموانئ لتسهيل دخول الأفيون، وأشياء أخرى.

رفضت الصين الاعتذار، واستمرت في احتجاز السفينة مع ثلاثة من أفراد الطاقم، ما جعل بريطانيا تقرر الرد على طريقتها، حيثُ دمَّر الأسطول الإنجليزي أربعة حصون صينية، وأطلق على المدينة وابلًا من القنابل

ما كان للصين أن ترفض شيئًا من تلك التعديلات، فكما لم تكن موافقتهم على المعاهدة الأولى خيارًا، لم تكن موافقتهم على تلك التعديلات خيارًا أيضًا!

أصبح هذا الوضع كارثيًّا، والضغوطات تتزايد على رؤوس الصينيين مع مرور الوقت. ومع استمرار الضغط انفجر الصينيون أخيرًا، ففي عام 1856 أسرت قوات المارينز الصينية في مدينة (كانتون) إحدى سُفن الأسطول البريطاني، التي كانت تُبحر داخل المياة الصينية، مُعتبرين ما حدث مُخالفًا للاتفاقيات، فقاموا باعتقال طاقم السفينة البريطانية واحتجاز السفينة.

هذا الأمر لم يعجب الإنجليز، فأرسل القنصل البريطاني في مدينة كانتون خطابًا إلى الإمبراطور الصيني يُطالب فيه بالإفراج الفوري عن السفينة، وتقديم اعتذار رسمي للملكة عن إهانة العلم (حيث تمَّ القبض على السفينة وعليها علم بريطانيا)، لكن هيهات، فلم تكن تلك السفينة إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد رفضت الصين الاعتذار، واستمرت في احتجاز السفينة مع ثلاثة من أفراد الطاقم، ما جعل بريطانيا تقرر الرد على طريقتها، حيثُ دمَّر الأسطول الإنجليزي أربعة حصون صينية، وأطلق على المدينة وابلًا من القنابل، لتبدأ ما ستُعرف فيما بعد بـ"حرب الأفيون الثَّانية".

إعلان

لم يكن ردّ الصينيين مُسالمًا هذه المرة، حيث واجهوا تلك الحملة بما لديهم، فحاصرت سفنهم المدينة، وافتعلوا حرب شوارع لتخفيف الضغط عن السُّفن الصينية المحاصِرة للإنجليز، ووضعوا على كل رأس بريطانية مكافأة مالية، ما اضطرَّ البريطانيين إلى الخروج من المدينة خوفًا على أرواحهم.

أدت الهزيمة في تلك الحرب إلى تقويض سيادة الصين على أراضيها، وفرض المزيد من النفوذ الأجنبي عليها، وأصبح البريطانيون يمرحون مع أفيونهم داخل المدن الصينية كما يشاؤون

بعد الاتفاقية الأولى، التي دخلت بريطانيا على إثرها الصينَ عبر أفيونها، كانت قد انضمَّت لها بعض القوات الأميركية والروسية، لكن هذه القوات انسحبت من المواجهة بعد نشوب الحرب في (كانتون)، فلم يكن دخولها الصين من البداية إلا للاستفادة من تجارة الأفيون، وبدا أن ثورة الصينيين ستُفسد كل شيء!

لكن بعد انسحاب الأخيرتين، أعلنت فرنسا الانضمام للتحالف البريطاني في مواجهة الصين، لتعاود قوات الحلفاء قصف مدينة (كانتون) ذات المليون نسمة من جديد، وتنجح في السيطرة على المدينة بشكل كامل، وتم إطلاق سراح باقي الطاقم المحتجَز، وعُرفت تلك المعركة فيما بعد باسم "معركة كانتون".

أدت الهزيمة في تلك الحرب إلى تقويض سيادة الصين على أراضيها، وفرض المزيد من النفوذ الأجنبي عليها، وأصبح البريطانيون يمرحون مع أفيونهم داخل المدن الصينية كما يشاؤون.

كانت هذه الهزيمة بمثابة المسمار الأخير في نعش الدولة الإمبراطورية في الصين، فبسبب حربي الأفيون الأولى والثانية زاد الاستياء الشعبي من الحكومة، وهو ما أدى إلى ظهور حركات تمرد أضعفت بشكل كبير نفوذ الإمبراطور، ما أدى فيما بعد إلى حرب أهلية أسقطت الإمبراطور، واستمرت بعد ذلك لعدة سنوات.

دوَّن ماركس الكثير من الملاحظات على الأنظمة الرأسمالية، أوردها لاحقًا في كتاباته وبيانات حركته الجديدة، أراد ماركس أن يحقق العدل في تقسيم الثروات الهائلة التي يمتلكها الأغنياء، وكان يأمل أن تكون تلك البيانات محرّكًا لثورة على الرأسماليين

على الجانب الآخر من المعركة، حيث ماكينات الثورة الصناعية في أوروبا، لم تكن عواقب زيادة نفوذ النظام الرأسمالي على تجارة الأفيون فقط، فكما كان هناك ضغط ممارَس على الصين بسبب الأفيون، كانت الماكينات الجديدة تمارس ضغطًا مشابهًا على العمال، ما أدى إلى ظهور أصوات كثيرة تنادي بحقوق العمال، سعيًا منها لتحقيق توازن بين جهود العمال ومدخولاتهم السنوية، لكن تلك الأصوات لم تلقَ آذانًا، فقد كان أصحاب النفوذ هم أنفسهم أصحاب رؤوس الأموال، ما جعل الأمر يتطلب أكثر من مجرد دعوات!

إعلان

في فرنسا عام 1844، الفيلسوف الروسي كارل ماركس يقابل الاشتراكي الفرنسي فريدريك إنجلز، فيتبادلان الأفكار حول الاقتصاد السياسي، ويلاحظ ماركس تشابه أفكارهما، لتبدأ بينهما صداقة طويلة الأمد دامت حتى وفاة ماركس، يسافر الصديقان إلى بروكسل عام 1847، وينضم ماركس لحزب العدالة السرِّي هناك، في خطوة تمهيدية للإعلان عن نظامه الجديد. وبالفعل، في عام 1848 يعلن ماركس عن البيان الشيوعي الأول، الذي عقَبته بيانات عدة، في إعلان لميلاد نظام جديد.

دوَّن ماركس الكثير من الملاحظات على الأنظمة الرأسمالية، أوردها لاحقًا في كتاباته وبيانات حركته الجديدة، أراد ماركس أن يحقق العدل في تقسيم الثروات الهائلة التي يمتلكها الأغنياء، وكان يأمل أن تكون تلك البيانات محرّكًا لثورة على الرأسماليين، وهو ما لم يتحقق إلا بعد وفاته؛ فبعد اندلاع الحرب الأهلية الروسية عام 1917، كان الحزب البلشفي المحرك للثورة يتبنى أفكار ماركس، ولا يخفى عليكم ما حدث، فقد سيطر الحزب بقيادة "لينين" ومساعدة العمال والفلاحين على حكم روسيا، وتأسيس الاتحاد السوفياتي سنة 1922.

كان للصين من هذا التغيير نصيب أيضًا، فبعد انتهاء الحرب الأهلية استطاع الحزب الشيوعي الصيني السيطرة على الحكم عام 1949، وأعلن عن تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

ظن الجميع أن انتصار الشيوعية سيجلب النعيم للشعوب الكادحة، لكنه -على العكس- لم يجلب لهم إلا المزيد من الشقاء. كان السبيل لتحقيق الأفكار الماركسية يتطلب أن يكون هناك وصيّ على الشعب، لتنظيم أعمال الصناعة والزراعة، ولجمع المداخيل وإعادة تقسيم العائدات على ما يراه صائبًا للشعب، سواء في بناء مرافق عامة أو لدعم السلع الأساسية، أو حتى إعادة ما يتبقى على شكل علاوات للشعب، ما يعني أن للرئيس والرفاق أعضاء الحزب حق التصرف في كل موارد البلاد (مع افتراض حسن النية في هؤلاء الرفاق).

إعلان

لكن تلك الطريقة -وكما هو متوقع- جعلت الحاكم طاغيةً لا يمكن المساس به، ومصير كل من يعارضه الموت أو السجن، حتى إنهم سجنوا وقتلوا أغلب الأطباء البارزين في روسيا في تلك الفترة، ويقال إنه عندما مرض ستالين لم يجدوا طبيبًا جيدًا يداويه حتى مات.

في النهاية لم تتحقق الأفكار الماركسية، لكن الرأسمالية كذلك لا تستقيم دون تنظيم، فهل هناك طريقة لضمان الحفاظ على حقوق الشعب؟

أدى تفرد الحاكم بالقرار إلى ظهور الكثير من الكوارث الإنسانية.. مجاعات وأوبئة أودت بحياة الملايين، وربما كان أكثرها تأثيرًا ما حدث في تشيرنوبل. ففي عام 1986م، في مقاطعة "بريبيات" شمالي أوكرانيا التابعة للاتحاد السوفياتي، وفي صباحٍ لا يختلفُ كثيرًا عن الصباحات التي نعيشها هذه الأيام، كان العالم على موعد مع أول وأكبر الكوارث النووية على الإطلاق، انفجار في المفاعل الرابع من مفاعلات تشيرنوبل، يؤدي إلى خسائر كثيرة في الأرواح، وإصابة جميع المُتواجدين في المنطقة بأمراض مميتة، حتى صُنفت المنطقة التي حدث فيها الانفجار باعتبارها أخطر الأماكن على وجه الأرض، بالإضافة إلى التلوث الشديد الذي نقلته السحب إلى جميع أوروبا والعالم.

كشفت هذه الكارثة عن هشاشة جدران الاتحاد السوفياتي، ما أدى إلى سقوطه عام 1991، لتسقط معه أقوى معاقل الشيوعية في أوروبا.

في النهاية لم تتحقق الأفكار الماركسية، لكن الرأسمالية كذلك لا تستقيم دون تنظيم، فهل هناك طريقة لضمان الحفاظ على حقوق الشعب؟ ربما نعرف في المرة القادمة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان