لم يكن وقوع الاختيار على "اقرأ" كأول كلمة أوحيت إلى قلب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عفويًّا؛ بل كان توجيهًا إلهيًّا مدروسًا لضبط مسار البشرية نحو العلم. فالعلم ضياء يبدد ظلمات الجهل ويهدي الأمم إلى التحرر والتقدم والرقي.
فلا يخفى على أحد أهمية القراءة التي هي الأساس الذي تُبنى عليه العقول، ويتحقق به النهوض الإنساني. وقد أدرك البشر قيمتها منذ القدم، فتناولتها الكتب والمقالات والأبحاث بوصفها ضرورة لا غنى عنها، ما يجعل الحديث عن أهميتها أمرًا محسومًا لا يقبل الشك ولا الجدال ولا المعارضة.
في الوقت الذي يواجه فيه العالم العربي العديد من التحديات في مجالات متنوعة، تظل القراءة أساسًا لا غنى عنه لتنمية الفكر وتعميق الرؤى؛ فإن إعادة الاهتمام بالكتب والمكتبات، والابتعاد عن الثقافة الاستهلاكية السطحية التي تروجها وسائل الإعلام الحديثة، هما ركيزة أساسية لضمان نهضة حقيقية
ولكن المؤسف أن الاختلاف حول أهمية القراءة كأولوية وقوة تأثير ما زال قائمًا، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي ما زالت ترى فيمن يمارسون القراءة فئة منفصلة عن الواقع، متمسكة بالأزمنة البعيدة والقصص الخيالية، وكأنهم بهذا يرتكبون فعلًا غريبًا يناقض طبيعة الإنسان!
فأين نحن من قول الإمام أحمد بن حنبل -رضي الله عنه-، حين قيل له في آخر عمره: "مهلًا عليك يا أبا عبدالله، لقد طلبت العلم حتى بلغت من العمر عتيًّا". فقال كلمته الشهيرة: "من المحبرة إلى المقبرة"!؟
ناهيك عن هذا، فإن الواحد منا أصبح يظن أن التقنيات، التي اكتسحت المشهد مع التقدم الذي شهده عصرنا الحالي، هي الوسائل الأحدث والأكثر عصرية للثقافة والعلم والمعرفة، في حين تجده يتفنن في إهدار وتبديد وقته بلا فائدة تُذكر؛ فيمر الوقت وهو يتنقل بين قنوات التلفاز وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي التي تتعدد وتتنوع.
إذ صار تصفح منشورات الفيسبوك بديلًا عن قراءة الكتب، وأصبح التنقل بين المواقع الإلكترونية كأنه زيارة للدواوين والمكتبات القديمة، بل باتت المكتبات المنزلية مجرد ديكور لالتقاط الصور ومشاركتها على الإنستغرام، بينما جرى إغلاق المكتبات المدرسية.
وهذا التدهور هو ما يفسر جزءًا من تأخر المجتمعات العربية في مجالات العلم، والحضارة، والثقافة.. فكيف لمن لم يدرك تاريخه أو يفهم واقعه أن يكون قادرًا على التنبؤ بمستقبله؟
إذا كانت الشعوب المتقدمة قد حققت ما وصلت إليه بفضل اهتمامها بالتعليم والبحث العلمي، فإننا أيضًا قادرون على استعادة مكانتنا بين الأمم إذا ما عدنا إلى الكتاب والقراءة وجعلناهما أساسًا لبناء ثقافتنا
ففي الوقت الذي يواجه فيه العالم العربي العديد من التحديات في مجالات متنوعة، تظل القراءة أساسًا لا غنى عنه لتنمية الفكر وتعميق الرؤى؛ فإن إعادة الاهتمام بالكتب والمكتبات، والابتعاد عن الثقافة الاستهلاكية السطحية التي تروجها وسائل الإعلام الحديثة، هما ركيزة أساسية لضمان نهضة حقيقية.
القراءة تفتح آفاقًا واسعة للمعرفة التي تؤثر بشكل عميق ليس فقط على الأفراد، بل على المجتمعات ككل، إذ تساهم في تشكيل جيل قادر على التحليل النقدي، والإبداع، وتقديم حلول مبتكرة للمشاكل التي يواجهها.
من أجل تحقيق نهضة حقيقيَّة، من الضروري أن نعيد تعريفَ القراءة في مجتمعاتنا العربية.. بدلًا من أن نعتبرها مجرد ترفٍ أو هواية، يجب أن ننظر إليها كأداة أساسية لتطوير العقول وتعزيز قدراتها، ما يسهم في بناء مجتمع متقدم وقادر على مواجهة التحديات.
إذا كانت الشعوب المتقدمة قد حققت ما وصلت إليه بفضل اهتمامها بالتعليم والبحث العلمي، فإننا أيضًا قادرون على استعادة مكانتنا بين الأمم إذا ما عدنا إلى الكتاب والقراءة وجعلناهما أساسًا لبناء ثقافتنا، كما قال الإمام أحمد بن حنبل "من المحبرة إلى المقبرة"، لنواصل هذا الطريق الذي لا ينتهي في سعينا للعلم والمعرفة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.