شعار قسم مدونات

خفض المخاطر: الطريق لجذب الاستثمار في سوريا

التوصيف: 2.7 مليار دولار صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر في الفترة بين يوليو وسبتمبر 2024 المصدر: مراسل الجزيرة نت المكان: القاهرة – أحد البنوك الزمن: 2025
رأس المال يبحث دائمًا عن الأمان (الجزيرة)

في عالمنا اليوم، حيث يحتل الاقتصاد مركز الصدارة في تقييم قوة الدول، تُصبح سوريا أمام فرصة استثنائية لاستعادة مكانتها الاقتصادية بعد سنوات من الحرب والتدمير. مفتاح هذه الفرصة يكمن في خفض ما يُعرف بـ"مخاطر البلد" (Country Risk)، وهو العامل الأساسي لجذب الاستثمارات وتحقيق تنمية مستدامة. فكيف يمكن لسوريا تجاوز هذه العقبة؟

ما هي مخاطر البلد؟

مخاطر البلد هي العقبة التي تجعل رؤوس الأموال تهرب بدلًا من أن تتدفق. المستثمر – سواء كان وطنيًّا أم أجنبيًّا- يبحث عن الأمان قبل الربح؛ ولأن رأس المال بطبيعته "جبان"، فإنه لن يتحرك نحو سوريا ما لم تتوافر ضمانات للاستقرار.

البيئة الاستثمارية ترتكز على استقرار سياسي عميق، وتُعتبر المخاطر السياسية العاملَ الأكثر حسمًا في جذب أو نفور رؤوس الأموال، وهي تشمل عدم الاستقرار السياسي الناتج عن الصراعات، والانقلابات، أو الاحتجاجات التي تهدد الأنظمة الحاكمة

المغتربون السوريون – الذين يشكلون شريحة ضخمة من أصحاب رأس المال السوري- يراقبون عن بُعد، منتظرين لحظة يشعرون فيها بالأمان لاستثمار أموالهم داخل الوطن.

المخاطر السياسية: حجر الأساس للاستقرار

البيئة الاستثمارية ترتكز على استقرار سياسي عميق، وتُعتبر المخاطر السياسية العاملَ الأكثر حسمًا في جذب أو نفور رؤوس الأموال، وهي تشمل عدم الاستقرار السياسي الناتج عن الصراعات، والانقلابات، أو الاحتجاجات التي تهدد الأنظمة الحاكمة، وهي أيضًا ترتبط بالمخاطر السيادية كالتأميم أو المصادرة دون تعويض عادل.

كل ذلك شكل تهديدًا للثقة الاقتصادية، وهو ما شهدته سوريا خلال فترة حكم النظام السابق، حين أُعيدت صياغة القوانين بطريقة غامضة تخدم مصالح نخبوية على حساب الدولة.

إعلان

الابتزاز المالي من قِبل النظام السابق أدى إلى تآكل قاعدة الاستثمار وهروب رأس المال، ليبقى الاقتصاد حبيس حلقة مفرغة من التراجع.

لا يقتصر الأمر على القوانين؛ فالأمان السياسي يعتمد على إصلاح شامل للجيش والأمن. الجيش السوري الذي تحول إلى تجمع فصائل تخدم مصالح خاصة، يجب أن يُعاد تشكيله كقوة وطنية موحدة تمثل رمزًا للوحدة والاستقرار.

بالمثل، المؤسسات الأمنية والإدارية بحاجة إلى إعادة هيكلة جذرية، حيث تصبح الشرطة والأمن الداخلي أدوات لحفظ الأمن وخدمة المواطنين بعيدًا عن الفساد والقمع، مع ضمان كفاءة وشفافية الإدارة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمستثمرين المحليين والدوليين.

إن المخاطر السياسية ليست مجرد تهديد اقتصادي بل هي تحدٍّ لاستعادة الثقة الوطنية والدولية، ودون معالجة جذرية لها ستبقى أي خطط لإعادة الإعمار أو جذب الاستثمار مجرد وهْم.

المخاطر الاقتصادية: العملة والأسواق

المستثمرون يبحثون عن استقرار العملة، معدلات تضخم منخفضة، وسياسات مالية واضحة. إذا كانت العملة المحلية تنهار، فإن أموال المستثمرين تتبخر، وسوريا خلال الأزمة شهدت انهيارًا كبيرًا في قيمة الليرة السورية، ما جعل أي استثمار مغامرة خاسرة.. التضخم المرتفع، والديون الهائلة، والضرائب غير المتوقعة كلها مؤشرات تدفع المستثمرين للابتعاد.

المخاطر الاجتماعية: بيئة الاستثمار والمجتمع

الاحتجاجات، النزوح الداخلي، البطالة المرتفعة، الإضرابات العمالية والتوترات الاجتماعية.. كلها تزيد من تعقيد المشهد الاستثماري.

المستثمرون لا يريدون سماع قصص عن نزاعات داخلية تعيق الإنتاج، هذا يتطلب إطلاق برامج تنموية تعيد توطين النازحين وتخلق فرص عمل، مع تعزيز الحوار المجتمعي لتخفيف التوترات.

يجب أن تكون القوانين مرنة ومستقرة؛ لضمان حماية حقوق المستثمرين على المدى الطويل؛ إذ لن يجازف المستثمرون في بيئة تُصادر فيها الأصول، أو تتغير فيها القوانين بشكل مفاجئ

البنية التحتية: الأساس الذي يُعيد تشغيل عجلة الاستثمار

البنية التحتية هي العمود الفقري لأي اقتصاد.. الطرق، الموانئ، شبكات الكهرباء، والاتصالات، كلها دُمرت خلال الحرب.

المستثمرون، سواء كانوا وطنيين أم أجانب، لن يأتوا لبناء مشاريعهم إذا لم تكن هناك بنية تحتية موثوقة؛ إعادة بناء هذه البنية يجب أن تكون أولوية وطنية، ليس فقط لجذب الاستثمارات الأجنبية، ولكن أيضًا لتحفيز المستثمرين السوريين في الداخل والخارج على الإسهام في إعادة إعمار بلادهم.

إعلان

أيضًا، أحد أهم الدروس المستخلصة من التجارب العالمية هو أهمية الإصلاحات القانونية والبيئية لجذب الاستثمار.. تحتاج سوريا إلى بناء بيئة استثمارية شفافة، حيث تُزال البيروقراطية، ويتم تسهيل العمليات التجارية للمستثمرين المحليين والدوليين.

إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون القوانين مرنة ومستقرة؛ لضمان حماية حقوق المستثمرين على المدى الطويل؛ إذ لن يجازف المستثمرون في بيئة تُصادر فيها الأصول، أو تتغير فيها القوانين بشكل مفاجئ.

لماذا الاستثمار الأجنبي المباشر مهم؟

الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI)، هو عملية تقوم فيها الشركات أو الأفراد من خارج البلاد باستثمار رأس المال بشكل مباشر في مشاريع داخل الدولة المستقبِلة؛ مثل بناء مصانع، وتأسيس شركات، أو تطوير مشروعات بنى تحتية.

يتميز هذا عن غيره من الاستثمارات بأنه يشمل السيطرة الإدارية على العمليات، ما يعني أن المستثمرين الأجانب يشاركون بشكل مباشر في تطوير الاقتصاد المحلي، ولا يجلبون معهم فقط رأس المال، بل أيضًا التكنولوجيا الحديثة، والخبرات الإدارية، والعلاقات التجارية الدولية.

يجب السيطرة على التضخم، فتخفيف عبء الديون وتقديم حوافز ضريبية يجعلان سوريا مكانًا جذابًا للاستثمار

بالنسبة لسوريا، الاستثمار الأجنبي المباشر ليس مجرد أداة اقتصادية، بل هو شريان حياة لاقتصاد مدمر يعاني من ندرة في الموارد ورأس المال. بعد رحيل نظام الأسد والتحرر من حكم دام حوالي ستين عامًا، ارتبط خلاله اسم سوريا بالفساد، والاحتكار، وسوء الإدارة، تأتي الحاجة الملحة لإعادة بناء الثقة الدولية.

تاريخيًّا، كانت "الحركة التصحيحية"، التي أطلقها النظام في السبعينيات، بداية لتدهور المؤسسات الاقتصادية وتحويلها إلى أدوات لخدمة النخبة الحاكمة، ما أدى إلى تآكل الثقة في مناخ الأعمال السوري. ثم جاءت الحرب التي استمرت 14 عامًا لتدمر البنية التحتية بشكل كامل، بما في ذلك الطرق، والموانئ، وشبكات الكهرباء، والمياه، ما جعل إعادة الإعمار تحديًا هائلًا.

إعلان

خفض المخاطر: خطة عمل

نظريًّا، يبدو الأمر واضحًا، لكن تنفيذه لا يخلو من التعقيد.. الاستقرار السياسي يجب أن يكون الأولوية الأولى، الحكومة بحاجة إلى تعزيز سيادة القانون وضبط التغيرات العشوائية في السياسات، البنية التحتية القانونية تحتاج إلى تحسين شامل بما في ذلك إنشاء مركز وطني للتحكيم الاقتصادي والتجاري، يكون متخصصًا في تسوية النزاعات بسرعة وفاعلية، وتقليص الاعتماد على القضاء بقدر الإمكان.

على الجانب الاقتصادي، يجب السيطرة على التضخم، فتخفيف عبء الديون وتقديم حوافز ضريبية يجعلان سوريا مكانًا جذابًا للاستثمار. البنية التحتية بحاجة إلى إعادة بناء شاملة، من الطرق إلى شبكات الكهرباء والاتصالات. العلاقات الدولية يجب أن تعزز الثقة من خلال معاهدات استثمارية ثنائية واتفاقيات تجارية.

الخاتمة: الطريق نحو الأمان

رأس المال يبحث دائمًا عن الأمان، وإن أهم خطر تواجهه البلاد حاليًّا هي المخاطر السياسية؛ لذلك فنحن بحاجة إلى جيش يحمل راية الوطن وليس رايات متفرقة، جيش يوحّد ولا يفرّق، يعمل ليكون حاميًا للاستقرار ورمزًا للسيادة.

وبجانب الجيش، يجب أن تُعاد هيكلة مؤسسات الأمن الداخلي لتصبح أدوات لخدمة المواطن، لا أدوات قمع تُعمّق الانقسام.

هذا هو الأساس الذي سيعيد بناء الثقة بين الشعب والدولة، ويُظهر للعالم أن سوريا تعود أقوى وأكثر توحدًا، ويتيح خفض مؤشر مخاطر البلد لجذب الاستثمارات الأجنبية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان