ألقى الله على وجوه أهل الحديث النبوي نضارة، يتلألأ إشراقها فيدركها الجميع، الشيخ الحويني، رحمه الله، أحد أئمة الهدى هؤلاء الذين نهلوا من أنوار الحديث النبوي وارتووا من زلال موسوعاته ومصنفاته حافظًا لأسانيدها في عصرنا الحديث، متفنّنًا في روايتها، على وفق الوصف: وكان في الحديث لا يُبارى .. كأنما نشَأ في بُخارى وذلك هو السر الكاشف عن هذا..
كان ملمح القمر المضيء أمامك يقابلك كلما طالعت الشيخ، وقد بدأ ينثر من كنانة العلم ويتجول بين رياض الحديث النبوي الغض، وقد قال أحد الأقدمين في وصف الأسانيد ما بينك والنبي، صلى الله عليه وسلم، إلا أن ترفع ستارها فتصل إلى الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، فكان الاصطفاء أن تقضي حياتك هكذا بهذه الدرجة من القرب النبوي، وهكذا عاش الحويني.
يوم رحيل الحويني هو يوم كيوم رحيل الحافظ ابن حجر والنووي والبخاري وباقي السلسلة النيّرة الذين أقدم الحويني اليوم إلى أفيائهم وبقي كرسي العلامة المحدث بعده يرثي شيخه ويثير الأسى
ما بين "حدثنا وأخبرنا وأنبأنا" يجد السرور الذي لو علمه الغافلون عن هذه الأسرار لقاتلوا منافسة عليها، حيث عبر عن ذلك قديمًا شيوخه من علماء السلف فبقي المعنى خالدًا تتناقله العصور والحقب، وفي كل حقبة يطلع على الدنيا أعلام من هؤلاء الأعلام الذين اختطفت ألبابهم البلاغة النبوية ومضامينها الشرعية والفقهية فكانوا أهلها الذين عكفوا في محاريبها وضربوا قبابهم وخيامهم في منازلها ما يودون أنَّ لهم بها حُمرَ النَّعم، وأبو إسحاق أحد هالاتهم المشعة، فانظر في موروثه ومصنفاته تجد الخبر اليقين، وما صفحات اليوتيوب كذلك منك ببعيد!
يوم رحيل الحويني هو يوم كيوم رحيل الحافظ ابن حجر والنووي والبخاري وباقي السلسلة النيّرة الذين أقدم الحويني اليوم إلى أفيائهم وبقي كرسي العلامة المحدث بعده يرثي شيخه ويثير الأسى والحزن:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصَّفا .. أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وحلَّ الجسد الكريم بضريحه، الذي يصدق عليه قول القائل:
يا قبرُ لو نبَتَ الحديث ببلدة .. نبتَ الحديثُ عليك والقرآن
فأكرم وأنعم!..
كان من زينة الدنيا أن يقول الرجل حدثني مالك، ومن زينة الأوقات في زماننا أن تثني ركبتك في مجالس الحديث للحويني
بذلك الصوت المجلَّل ببركة الحديث النبوي وبتلك الدروس الفريدة والفوائد والفرائد كان الشيخ أبو إسحاق ينقش اسمه في الدنيا بثبات وهمُّه نحسبه والله حسيبه أن ينال الدرجات العليا في الآخرة جوار شيوخ الحديث ممن بلغت به الأحاديث أقصى الفراديس، وحطوا رحالهم بها مسرورين يرون الحبيب المصطفى ليس بينهم وبينه ترجمان، وقد قيل لأحدهم صف لنا نعيم الجنة فقال فيها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إنها اللحظة التي يحبسون أنفاسهم طيلة حياتهم شوقًا إليها فإذا ظفروا بها فما يأسفون على شيء فاتهم قبلها أبدًا.
كان من زينة الدنيا أن يقول الرجل حدثني مالك، ومن زينة الأوقات في زماننا أن تثني ركبتك في مجالس الحديث للحويني، وقد حظيت بمجلس الشيخ في مكان درسه في السد بالدوحة فكانت معارف الحديث النبوي نهرًا سائغًا تتهادى أمواجه، يتطرق للجرح والتعديل ويسدي المعلومات والفوائد، ويحدثنا عن شيوخ الإسلام، لا أنساه وهو يتحدث في المجلس بالسد عن ابن العربي.
لا أغبّت قبرك الرحمات شيخنا أبا إسحاق.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.