تنقضي العشر الأولى من أيام رمضان المبارك، والتي لا تلبث فيها إلا وتردد مع غروب الشمس ودخول وقت الإفطار: "اللهم لك صمت، وعلى رزقك أفطرت، وبك آمنت، ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله"، لتدخل في مرحلة الراحة بعد أن ذهب الظمأ عنك بدايةً بعد عناء يوم متعب ومشمس بعض الشيء.
ويأتي القرآن في آيات وصف الجنة {وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}، يعني: أن تصاب بالعطش من شأنه أن يُذهب عنك النعيم، فيسعى الإنسان جاهدًا لأن ينال عظيم الجزاء شريطة عظم الفعل والعمل.
في غزة تتلخص أيضًا قصص الظمأ، بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من الحرب الطاحنة، التي خلفت وراءها كثيرًا من الشهداء والجرحى، وتركت الكثير من الجراح الغائرة في الصدر، ما رُوي منها وما لم يُروَ
حتى في العلاقات بين الناس، شائعٌ بينهم أن يدعو كلٌ للآخر أن يشرب من حوض النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الذي اختص الله به الأنبياء، ومن شرب من يد النبي لا يظمأ بعدها أبدًا، فالحديث يأتي مصدقًا أيضًا؛ فعن سهل بن سعد قال: سمعت النبي -صلَّى اللَّه عليه وسلّم- يقول: "أنا فَرَطُكُم على الحوض، فَمَنْ وَرَدَه شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدًا..". تأتي هذه الشربة بعد أن يشتد الكرب على الناس، وتدنو الشمس من الرؤوس، ويتمكن العطش من الناس.
سيذهب الظمأ وتبتل العروق وتثبت الكرامة
لا تتوقف الأحاديث والأقوال عن الظمأ، ويتجلى في أقوال الشعراء والأدباء والكتاب والسياسيين السعي وراء الارتواء الذي يعاكس الظمأ في مفهومه، فتنساب أحرفهم في التوصيف.
اليوم، كثيرون باتوا ظمأى.. ليس للماء، وإنما لكرامة تصونهم وتقيهم، يضربون في الأرض يبتغونها، يصارعون الحياة لإعلاء كلمة الحق، يواجهون الصعاب من أجل الحرية، يرفضون الذل والعار ويقاتلون ويقتلون.
اليوم أصبح الظمأ لأشياء من حولهم يتوقون إليها.. ظمأ لأمنٍ فُقد من دارهم، لشجاعة بعد خوف ورعب وبؤس، لغنًى بعد فقر مفتعل، ولعدالة ومساواة.. أصبحوا بحاجة إلى إنسانية!. الناس اليوم غريبون حتى في أوطانهم.
الراحة تؤخذ لا تطلب، الراحة هي السعي وراء نيل الكرامة والحرية، الراحة تأتي في مرحلة الآخرة، الراحة تكون حيث يكون الظمأ في أعلى مستوى له
وفي غزة تتلخص أيضًا قصص الظمأ، بعد أكثر من خمسة عشر شهرًا من الحرب الطاحنة، التي خلفت وراءها كثيرًا من الشهداء والجرحى، وتركت الكثير من الجراح الغائرة في الصدر، ما رُوي منها وما لم يُروَ، تتضمن المعنى الحقيقي للظمأ، لغير الماء والأكل والشرب، كانوا ظمأى للنصر، والموقف الحازم، والدعم غير المنقطع، والمؤازرة، كانوا يواجهون الظمأ يوميًا، منهم من مات لأجله، ومن تحامل، ومنهم من يظمأ إلى الحرية بعد الاعتقال القسري لأبنائه وأولاده أو حتى نفسه.
وشاهد العالم كله مقدار الفرحة المرتسمة على وجوه من حُرروا من سجون الاحتلال بعد أن ذاقوا الويلات، ومنهم من أطل عليه عميد الأسرى بعد أن قضى 4 عقود في الأسر، خرجوا مرفوعي الرؤوس لأنهم أدركوا معنى أن تنال حريتك بعد ظمأ السنوات.
ولا يقل شأنًا الحديث عن السودان الذي يذوق الويلات من حرب أهلية، نكلت بالأهالي والناس، وهجّرتهم إلى الفناء، وقد ظن من يذبح ويقاتل أن آلاته المدمرة تروي ظمأ الناس بالتخويف أن اسكتوا أو تُذبحوا، لم يعرفوا أن الارتواء بالنسبة لهم كرامة تتخطى حاجز القتل والدمار.
وسوريا اليوم، بعد عقد ونيف من ثورتها، تشرب كأس الحرية بعد ظمأ طال دماء كثيرين، وهجر أهلها، وذبح أطفالهم ونساءهم، وسجن كثيرين، وغيب كثيرين، إلا أنهم نالوا ما سعوا إليه وتمنوا، حتى وإن رافق الحرية قليل من العثرات، إلا أنها حرية، ويعرف معناها من ذاقها.
الراحة تؤخذ لا تطلب، الراحة هي السعي وراء نيل الكرامة والحرية، الراحة تأتي في مرحلة الآخرة، الراحة تكون حيث يكون الظمأ في أعلى مستوى له.
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}.. ويحيا الإنسان بكرامته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.