يحذّر خبراء في الصحة النفسية من أن الآثار النفسية للقصف الإسرائيلي على قطاع غزة ستلازم الأطفال لسنوات قادمة، رغم اتفاق وقف إطلاق النار المتزامن الذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني 2025.
ويقول أطباء نفسيون إن الأطفال في غزة يعانون من سلسلة أعراض نفسية مرتبطة بالخوف والصدمات، مثل الاكتئاب، والقلق، والاضطرابات السلوكية، والتبول اللاإرادي، وعصبية المزاج، إضافة إلى نوبات الهلع التي تلاحقهم حتى أثناء النوم.
كما أن تكرار مشاهد الدمار وفقدان الأحبة، إلى جانب التنقل المستمر بين أماكن الإيواء، يرسّخ مشاعر عدم الأمان لديهم.
تزداد الأوضاع النفسية للأطفال بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول تعقيدًا، بسبب حجم العنف غير المسبوق الذي تعرض له القطاع
ويجسد الطفل عبدالله المجايدة حجم هذه المعاناة، إذ تمكن بعد بحث مضنٍ بين أنقاض منزله المدمر من العثور على شهاداته الدراسية.. بدا عبدالله متأثرًا وحزينًا، وقال: "شايفين كيف كنت وكيف صرت؟"، في إشارة إلى التحول الكبير الذي طرأ على حياته.
ويضيف أنه يشتاق إلى مدرسته وأصدقائه، بعد أن حرمته الحرب من أبسط حقوقه في التعليم واللعب والحياة الطبيعية.
وتزداد الأوضاع النفسية للأطفال بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول تعقيدًا، بسبب حجم العنف غير المسبوق الذي تعرض له القطاع.
فقد أدى القصف المكثف والاستهداف المتكرر للمناطق السكنية إلى تفاقم حالة الخوف والصدمة بين الأطفال، ما يزيد من احتمالية تعرضهم لاضطرابات نفسية مزمنة إذا لم تُوفر لهم الرعاية اللازمة.
ويحذر الأخصائي النفسي محمد أبو السبح من أن الأطفال الذين تعرضوا لـ"صدمات هائلة" خلال الحرب قد يصبحون أكثر ميلًا إلى العنف.
ويشير إلى أن "الاضطرابات النفسية تظهر غالبًا عبر اضطرابات سلوكية سيئة وعنيفة، إذ تؤدي الحروب إلى زيادة العنف لدى الأطفال، سواء في المدارس أو داخل البيوت".
ويضيف أن غالبية الأطفال في قطاع غزة "يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب السلوك"، محذرًا من أن هناك "نسبة كارثية" منهم بحاجة إلى إعادة تأهيل نفسي، ويقول: "أنا غير متفائل، هذه الحرب ستنشئ جيلًا عدوانيًا وعنيفًا يميل إلى الكراهية".
ويرى مختصون في علم النفس التربوي أن استمرار التعرض لأصوات القصف وأخبار الدمار يخلق لدى الأطفال حالة من "التطبيع مع العنف"، ما يجعلهم أكثر قابلية لتبني سلوكيات عدوانية كرد فعل دفاعي.
على المؤسسات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان إدراج الدعم النفسي ضمن أولويات الإغاثة في قطاع غزة، لضمان بناء جيل سليم قادر على المساهمة في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وسلامًا
كما أن الفقدان المتكرر لأفراد الأسرة والأصدقاء يترك جروحًا نفسية يصعب علاجها، ما لم تقدَّم لهم الرعاية اللازمة في الوقت المناسب.
من جانبها، تقول المديرة التنفيذية لليونيسف، السيدة راسل: "لقد حذَّرت اليونيسف منذ مدة طويلة من أنَّ نقص المأوى وشح الأغذية والرعاية الصحية والتدهور الشنيع للصرف الصحي، والآن يضاف إليها الشتاء.. كل ذلك يعرّض حياة جميع الأطفال في غزة للخطر.
كما أنَّ المواليد الجدد والأطفال الذين يعانون من مشاكل طبية مستضعفون بصفة خاصة. يجب على أطراف النزاع وعلى المجتمع الدولي أنْ يتصرفوا بسرعة لإنهاء العنف، وتخفيف المعاناة، وتحتاج الأسر إلى نهاية لهذه المعاناة وهذه الحسرة، اللتين لا يمكن تصورهما".
ويؤكد الأطباء على ضرورة توفير دعم نفسي عاجل وبرامج تأهيلية متخصصة، تساعد الأطفال على تجاوز آثار الحرب واستعادة توازنهم النفسي والاجتماعي.
ويشددون على أهمية تكثيف جهود الجهات المحلية والدولية لإنشاء مراكز دعم نفسي واجتماعي تتابع حالات الأطفال بشكل مستمر، إضافة إلى توفير بيئة آمنة تساعدهم على العودة إلى حياتهم الطبيعية، بما في ذلك استئناف الدراسة والاندماج في المجتمع.
ويضيف المختصون أن على المؤسسات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان إدراج الدعم النفسي ضمن أولويات الإغاثة في قطاع غزة، لضمان بناء جيل سليم قادر على المساهمة في بناء مجتمع أكثر استقرارًا وسلامًا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.