لقد كثر الحديث حول موضوع المرأة القوية المستقلة، فبات موضوعًا تتناقله الألسنة في الشوارع والصفحات في المواقع، وكلٌّ يتكلّم حسب منطلقه ومرجعيته الفكرية، وهذه تختلف بين شخص وآخر. وهدفنا من خلال الكتابة بشكل عام هو استنارة العقول وتبيان الحقائق، لعلنا نساهم في التنوير والاستفاقة ما استطعنا.
يمكن القول إن هذا الموضوع شائك نوعًا ما ومتعدد الصيغ نظرًا لكثرة الحديث فيه؛ ولكن من الأفضل والأحسن أن ننظر إليه من الناحية الموضوعية والواقعية، لنرى الحقائق ونتجنب الغوغاء التي تخرجنا عن المسار السوي.
المرأة العاقلة المتوازنة هي التي ترى أنه لا تعارض بين وظيفتها ونجاحها المهني والشخصي، وبين مهمتها الفطرية الطبيعية؛ فإذا وفّقت بين هذين العنصرين أصبحت امرأة متوازنة بأتم معنى الكلمة
نعلم بديهيًا أن المرأة مخلوق عاقل مثله مثل الرجل، ولها خصائصها النفسية والجسمية والسيكولوجية، التي تختلف جميعها عن هذا الأخير. وللمرأة الدور الفطري البارز في المجتمع، وهو تنشئة الأجيال، وتربية الأبناء، وحسن رعايتهم وتعليمهم، وإرشادهم للطريق السوي.
ويمكن القول إن هذه المهام مشتركة مع الرجل، لكن للمرأة -شئنا أم أبينا- ميزة عظيمة في طبع بصمتها داخل نفوس أبنائها أكثر من الرجل بمراحل؛ وهنا ستصدق تلك المقولة الشهيرة "الأم مدرسة إذا أعددتها أعدت شعبًا طيب الأعراق".
والآن، بعدما بيّنّا الجانب الفطري للمرأة، آن الأوان أن ندخل في موضوعنا، ونعالج بعض النقاط، مع توضيح بعض الأمور التي نراها جديرة بالذِّكر.
إن المرأة العاقلة المتوازنة هي التي ترى أنه لا تعارض بين وظيفتها ونجاحها المهني والشخصي، وبين مهمتها الفطرية الطبيعية؛ فإذا وفّقت بين هذين العنصرين أصبحت امرأة متوازنة بأتم معنى الكلمة، ولن تجد معيقات.
إن المرأة قوية عكس ما يروج لها؛ فهي قوية في ممارسة مهامها الأصلية كأم ومربية أجيال، ناهيك عما إذا كانت تمارس مهامَّ أخرى تخصها خارج بيتها، فهذه قوة حقيقية.
ونقول إن المرأة ضعيفة إذا ما قارنّا قدراتها بقدرات الرجل في المهام المخصصة للرجل؛ ونعني بها المهام الجسمية والعقلية التي تتطلب رجلًا في الميدان. والعكس صحيح؛ فالرجل إذا ما وضعناه في مواجهة المهام المخصصة للمرأة سيصبح ضعيفًا، لأن تلك المهام -وبكل بساطة- موجهة للمرأة بالدرجة الأولى.
إذًا، ما نفهمه هنا أن صفة الضعف مقرونة بعدم توافق المهام المقرونة لكل جنس، وهذا ما يؤدي إلى وقوع كل طرف في حالة من غياب التناسق والتكامل مع المهام التي هو بصدد مُمارستها.
إلى الآن، يبدو لنا أن كل شيء طبيعي وفي محله، ولكننا سنتطرق في هذا الجزء من المقال إلى النقطة التي أراها جوهر الإشكال، وهي مشكلة الوعي بالمفهوم التقليدي للأنوثة عند المرأة التي حققت الاستقلالية
منبت المرأة المستقلة
إننا ببحثنا عن الأسباب الموضوعية التي تجعل المرأة عمومًا مستقلة في حياتها، نجد أن تلك الأسباب متعلقة بالوسط الذي ترعرعت فيه هذه المرأة، وقد قسمنا هذا الوسط إلى نوعين سنقوم بذكرهما وشرحهما أدناه:
- النوع الأول، يتمثل في تلك المرأة التي كبرت وترعرت وسط عائلة غنية، وفي وسط مشجع على تحقيق الإنجازات وإبراز الذات بشكل كبير؛ فيمكن القول إن هذه المرأة ربما وجدت كل الدعائم الأساسية التي تمكنها من السعي وراء طموحاتها وتحقيق أهدافها.
- أما الصنف الثاني، فهو الصنف المغاير للصنف الأول؛ ففي هذا الصنف نجد أن المرأة قد عاشت معاناة الفقر، وذاقت شيئًا من شقاوة الحياة، وكانت الأمل الوحيد لعائلتها، فضحّت من شبابها ووقتها من أجل كسب لقمة العيش لها ولعائلتها، إذ أجبرتها الظروف على فعل كل ما في وسعها من أجل نفسها وعائلتها، ومع مرور الوقت ستصل إلى مبتغاها وتحقق ذاتها.
إن المتمعّن سيلاحظ أن كلا النموذجين يؤدي إلى نتيجة واحدة، ألا وهي "الاستقلالية"؛ لذا نقول إن المرأة عمومًا قد مرّت بهاتين المرحلتين حتى أصبحت كذلك، إما أنها كانت الملاذ الوحيد لعائلتها فأجبرتها الظروف الاجتماعية على الخروج ومواجهة الحياة لكسب لقمة العيش، وإما أنها تربت و ترعرعت وسط عائلة ذات نمط عيش محاط بتحقيق الأهداف وإبراز الذات.
إلى الآن، يبدو لنا أن كل شيء طبيعي وفي محله، ولكننا سنتطرق في هذا الجزء من المقال إلى النقطة التي أراها جوهر الإشكال، وهي مشكلة الوعي بالمفهوم التقليدي للأنوثة عند المرأة التي حققت الاستقلالية.
إن الصنف المتعلق بفكرة الضعف في ممارسة الدور الفطري للمرأة غالبًا ما يكون من أتباع وناقصي فكر، أو أنهم لا يستوعبون قيمة الدور الذي مُيّزت به المرأة في المجتمع؛ فالخالق له حكمة في خلقه
مشكلة الوعي بمفهوم الأنوثة
إن النقطة التي أراها تشكل محور المشكلة هي أن المرأة العاملة المستقلة، سواء من الصنف الأول أو الثاني، غالبًا ما تقع في معضلة الجهل بالدور الحقيقي للمرأة؛ فقد غيّر من مفهوم الدور التقليدي لها وأُدرج فيه عنصرُ الضّعف، وعنصر الضعف قد شوه المفهوم الأصيل، فمهام المرأة الفطرية -كما نعلم جميعًا- تتعلق بالاهتمام بالأسرة وتنشئة الأجيال بدرجة أولى.
هذه المهمة صار يروَّج لها على أنها مخصصة للمرأة الضعيفة التي لم تحقق ذاتها؛ وهذه الفكرة المغلوطة يروّج لها في الإعلام والسوشيال ميديا عن طريق المؤثرين والمؤثرات، وكذلك الحركات المناقضة للفطرة البشرية.
والأنثى لا يمكن أن تكون ضعيفة، وهي التي تنشئ أجيالًا وتزرع قيمًا وتغرس مبادئ!. أليس في هذا قوة؟ وهكذا أصبحت المرأة المستقلة تقحم نفسها في مهام رجولية، وتنهمك في تحقيق إنجازاتها الشخصية، فتتناسى دورها الأساسي كأنثى.
فوجب القول إن المشكلة هنا ليست في كون المرأة عاملة ومستقلة، بل المشكلة تكمن في انعدام الوعي الصحيح بالأنوثة، ودور الأنثى الفطري في العائلة والمجتمع، كما أن اقتران عنصر الضعف بالمفهوم التقليدي للأنوثة جعل هذا الأخير بعيدًا عن نطاقه الأصلي المفعم بالقوة.
إن الصنف المتعلق بفكرة الضعف في ممارسة الدور الفطري للمرأة غالبًا ما يكون من أتباع وناقصي فكر، أو أنهم لا يستوعبون قيمة الدور الذي مُيّزت به المرأة في المجتمع؛ فالخالق له حكمة في خلقه، وقد أقرن لكلٍّ دوره، وللمرأة قوة فطرية لممارسة دورها كما للرجل قوة فطرية لممارسة دوره، وإذا حدث الخلط وغيّرت المقامات، فهنا سيجتثهما الضعف والهوان، ويقعان في صراعات أبدية.
وخلاصة القول هي أن كل ما ذكرناه سابقًا ستستوعبه تلك المرأة المثقفة نِعم الثقافة، والواعية بدورها في المجتمع، والمتيقنة أنه لا ضعف ولا هوان في ممارسة مهمتها الفطرية التي مُيّزت بها، وحتى إن سعت إلى استقلاليتها فهي تعرف مكانها الحقيقي بسبب صلابة فكرها وثقافتها، فتنجو في الأخير بنفسها، ولن تدع مجالًا لأصحاب الفكر الهشّ والمناقضين للفطرة الإنسانية أن يهددوا مكانتها العليا.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.