هل الصراع بين العرب والكرد في سوريا قدر محتوم؟ أم إنه نتيجة لسياسات تلاعبت بالمكونات السورية لخدمة أجندات خارجية؟
لطالما كانت العلاقة بين العرب والكرد في سوريا قائمة على التعايش المشترك؛ حيث جمعتهم روابط اجتماعية من جيرة ومصاهرة ومصالح اقتصادية، لكن العقود الأخيرة شهدت توترات سياسية غذّتها سياسات البعث سابقًا، ثم حزب العمال الكردستاني عبر ذراعه السوري "قسد". ومع ذلك، ورغم اتساع الهوة، لا تزال هناك فرص حقيقية لإعادة بناء الثقة بين المكونين، استنادًا إلى الروابط التاريخية التي لم تنقطع.
روجت بعض القوى السياسية الكردية لفكرة أن "العرب جميعهم دواعش"، وهي مقولة غير دقيقة، لأن تنظيم الدولة لم يكن تنظيمًا عربيًا، بل هو جماعة متطرفة عابرة للحدود، ارتكبت الفظائع بحق الجميع، عربًا وأكرادًا وإيزيديين وسريانًا
قبل الثورة: تعايش رغم التمييز
قبل عام 2011، ورغم التمييز الذي مارسته السلطة بحق الأكراد، مثل قانون الإحصاء الذي جرّد بعضهم من الجنسية، لم يكن هناك صراع مباشر بين المكونين، بل شارك العرب والأكراد جنبًا إلى جنب في المظاهرات الأولى للثورة، في القامشلي والحسكة وغيرهما، مطالبين بالحرية والكرامة لكل السوريين.
لكن مع تصاعد النزاع، استغلت بعض الأطراف -سواء من النظام أو الفصائل المتشددة أو القوى الكردية المسيطرة- الانقسامات القومية لتعزيز نفوذها، ما أدى إلى تأجيج الصراعات الداخلية.
تنظيم الدولة واستغلال الورقة القومية
روجت بعض القوى السياسية الكردية لفكرة أن "العرب جميعهم دواعش"، وهي مقولة غير دقيقة، لأن تنظيم الدولة لم يكن تنظيمًا عربيًا، بل هو جماعة متطرفة عابرة للحدود، ارتكبت الفظائع بحق الجميع، عربًا وأكرادًا وإيزيديين وسريانًا.
لكن استغلال هذا الخطاب أدى إلى مزيد من الانقسامات، بدلًا من توحيد السوريين ضد الإرهاب بمختلف أشكاله.
رغم هذه التحديات، فإن العلاقات الاجتماعية بين العرب والأكراد لم تنقطع، فما زالت هناك جيرة طيبة، وعلاقات قرابة، وتداخل اقتصادي بين المكونين
"قسد" والهيمنة السياسية
مارست قوات سوريا الديمقراطية (قسد) دورًا في تعميق الفجوة؛ حيث تبنت خطابًا قوميًّا متشددًا، وفرضت واقعًا سياسيًّا لا يعكس التنوع الديمغرافي في المناطق التي تسيطر عليها، خاصة الحسكة ودير الزور. كما أن ارتباطها بحزب العمال الكردستاني التركي جعلها محل رفض من شريحة واسعة من السوريين، سواء العرب أو حتى الأكراد، الذين لا يؤيدون مشاريعها السياسية.
المسألة أوسع من العرب والأكراد
ليس الصراع في سوريا محصورًا بين العرب والأكراد، بل يشمل جميع المكونات السورية، مثل السريان، والآشوريين، والدروز والإيزيديين، الذين يعانون من تداعيات الحرب والانقسامات السياسية. لذلك، لا يمكن لأي حل أن يكون قائمًا على تسويات جزئية، بل يجب أن يكون شاملًا، يعيد صياغة مفهوم المواطنة على أسس جديدة.
رغم الخلافات: روابط التعايش لا تزال قائمة
ورغم هذه التحديات، فإن العلاقات الاجتماعية بين العرب والأكراد لم تنقطع. فما زالت هناك جيرة طيبة، وعلاقات قرابة، وتداخل اقتصادي بين المكونين. وهذا الإرث المشترك هو ما يمكن البناء عليه في المستقبل.
لا يمكن بناء مستقبل سوريا على أساس القومية الضيقة أو المحاصصة الطائفية، بل يجب أن يكون قائمًا على التعايش المشترك والمواطنة الحقيقية، حيث يحصل كل فرد على حقوقه دون تمييز، وتُبنى دولة عادلة تحترم تنوعها، وتوحد جميع أبنائها تحت راية الوطن
نحو حوار وطني شامل
لا يمكن تجاوز هذه الخلافات إلا عبر حوار وطني حقيقي، لا يقتصر على العرب والأكراد فقط، بل يشمل جميع مكونات الشعب السوري، ويرتكز على:
- الاعتراف بحقوق جميع السوريين دون تمييز.
- رفض المشاريع الانفصالية التي تهدد وحدة البلاد.
- تعزيز مفهوم المواطنة بدلًا من التقسيمات القومية والطائفية.
سوريا تتسع للجميع
وفي الختام، إن مستقبل سوريا ليس للعرب وحدهم، ولا للأكراد فقط، بل هو لكل السوريين، بكل مكوناتهم، من عرب وكرد وآشوريين وسريان وكلدان، وجميع الطوائف والإثنيات الأخرى.
لا يمكن بناء مستقبل سوريا على أساس القومية الضيقة أو المحاصصة الطائفية، بل يجب أن يكون قائمًا على التعايش المشترك والمواطنة الحقيقية، حيث يحصل كل فرد على حقوقه دون تمييز، وتُبنى دولة عادلة تحترم تنوعها، وتوحد جميع أبنائها تحت راية الوطن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.