شعار قسم مدونات

أيامي مع الطموحات (1)

الدراسة الجامعية
الكاتب: سقف طموحاتي كان عاليًا ولم أَلُم نفسي على ذلك أبدًا إذ إن علو الهمم من شيم الرجال (مواقع التواصل)

لم تكن طموحاتي سهلة يسيرة!. وأنا في المرحلة الثانوية من مساري الدراسي، سألني الأستاذ عن أمنيتي المستقبلية، كتبت -وبطريقة عفوية- على ورقة المعلومات الأولية للتلميذ: إن أمنيتي هي أن أكون رئيس جمهورية.

كان موقف الأستاذ أكثر اندهاشًا من موقفي؛ استغرب للحظات، ثم وضع أنامله على جبهته مستغربًا من هذا المجنون الذي يتمنى أن يكون رئيس جمهورية، علمًا أن النظام السياسي في المغرب ملكي وراثي دستوري.

قال الأستاذ في استغراب واندهاش: أين سعيد لحصوبي؟

قلت: أنا هو يا سيدي.

فقال لي: قرأت كل أمنيات زملائك ووجدتها معقولة، فيا ترى لماذا تريد أن تكون رئيس جمهورية؟

قلت: إنها الجمهورية الفاضلة لأفلاطون، يا سيدي.

أجاب الأستاذ في ضحك وتهكم: حسنًا، إذا كان الأمر كذلك، فهو مقبول.

في المرحلة الثانوية من مساري الدراسي، كنت أراسل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بغية الحصول على منحة دراسية تمكنني من دخول إحدى الجامعات الأميركية

لسنوات خلت بعد هذا الحادث، قرأت هذا البيت الشعري للمتنبي، والذي يجسد بطريقة فنية عسر الوصول إلى الغايات النبيلة، خاصة إذا كانت في عالم السياسة، والذي لا يدخله إلا علية القوم من الأغنياء والوجهاء وأبناء العائلات الراقية.

يقول المتنبي في هذا الصدد:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه .. تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

والحقيقة أن سقف طموحاتي كان عاليًا، ولم أَلُم نفسي على ذلك أبدًا، إذ إن علو الهمم من شيم الرجال. وإني في المرحلة الثانوية من مساري الدراسي، كنت أراسل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بغية الحصول على منحة دراسية تمكنني من دخول إحدى الجامعات الأميركية.

إعلان

كان اختياري آنذاك منصبًا على جامعة جورج تاون ذات السمعة العالمية، لكن الأقدار كانت غير ذلك، إذ إنه في السنة نفسها التي تمنيت فيها إتمام دراستي الجامعية بواشنطن، وقعت أحداث إرهابية في سفارتَي الولايات المتحدة الأميركية في نيروبي (كينيا) ودار السلام (تنزانيا).

علمت حينها أن سوء الحظ الذي طالما لازمني رفض رفضًا تامًا مفارقتي، وأن الحلم باستكمال الدراسة بأميركا قد تبخر، وذهب أدراج الرياح.. كيف لدولة تتعرض لهذا الهجوم أن تأتي بطلبة من نفس القارة؟

علمت أنه لا بد من تغيير المسار، والتوجه للدراسة في إحدى الجامعات المغربية، وفي الوقت نفسه اجتياز مباريات الوظيفة العمومية. لم يكن أمام جيلي من الشباب سوى هذين الخيارين، إذ كان القطاع الخاص في بدايات هيكلته، ولم يكن يلجه إلا أبناء العائلات الراقية؛ أيقنت أن طريقي هو -لا محالة- ولوج الفضاء الجامعي المغربي، وكنت آنذاك الأول على مستوى عائلتي ممن يتمكن من استكمال دراسته الجامعية رغم الإكراهات المادية، والتحديات الجسيمة التي كان السياق الزمكاني يزخر بها.

في الشأن الفلسطيني، انعقد لأول مرة مؤتمر دولي بواشنطن، جمع بين ياسر عرفات (عن منظمة التحرير الفلسطينية) وشيمون بيريز (عن وزارة الخارجية الإسرائيلية)

كانت هذه الطموحات تراودني في أواخر التسعينيات من القرن العشرين، وقد عرفت هذه الحقبة تطورات سياسية لا يستطيع المرء التقاط أنفاسه في زخمها. ففي المغرب، أقيم المؤتمر التأسيسي لاتحاد المغرب العربي في 17 فبراير/ شباط 1989 بمراكش، كما شهدت السنة نفسها انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989، تلته حرب الخليج الثانية بعد احتلال العراق للكويت في 2 أغسطس/ آب 1990.

كما عرفت هذه الحقبة انهيار الاتحاد السوفياتي في 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991، بعد فشل السياسة الإصلاحية للرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غوربتشوف (2 مارس/ آذار 1931 إلى 30 أغسطس/ آب 2022)، والمعروفة اختصارا بالـ"بيريسترويكا".

وفي الشأن الفلسطيني، انعقد لأول مرة مؤتمر دولي بواشنطن، جمع بين ياسر عرفات (عن منظمة التحرير الفلسطينية)  وشيمون بيريز (عن وزارة الخارجية الإسرائيلية).

إعلان

أما القارة السمراء، فقد عرفت ظهور الأزمة الصومالية مع بروز شخصية الجنرال عيديد، الذي اتهم بقتل 25 من قوات حفظ السلام بالصومال، كما شهدت رواندا أعمال إبادة جماعية استمرت من 7 أبريل/ نيسان إلى منتصف يونيو/ حزيران 1994، على يد قوات الهوتو ضد أقلية التوتسي.

أما في أوروبا الشرقية، فقد ظهر التطهير العرقي في البوسنة، حيث اضطر مسلمو البوسنة للفرار بعد الطرد والتقتيل، الذي تعرضوا له على يد الكروات البوسنيين. وما أزال أتذكر الشخصية المحورية في هذه الحرب، ألا وهي شخصية سلوبودان ميلوسوفيتش، الذي اتهمته المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بتهم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.

ما أزال أتذكر أيضًا أنه في هذه العشرية (وأعني بذلك سنوات التسعينيات)، أُفرج عن قائد سياسي كبير في جنوب أفريقيا، ألا وهو نيلسون مانديلا، الذي قضى زهاء 28 سنة في سجون جنوب أفريقيا إبان فترة الأبارتايد.

ما أزال أتذكر أن السنة المحورية التي عرفت حرب الخليج الثانية، وانهيار الاتحاد السوفياتي، هي نفسها التي أُفرج فيها عن نيلسون مانديلا، ليصبح أيقونة القارة السمراء في الدفاع عن حق الشعوب في الحرية والاستقلال، على خلاف محمد سوهارتو الإندونيسي، الذي وصل إلى سدة الحكم بعد انقلاب عسكري على رئيس الوزراء السابق أحمد سوكارنو. وتظل مظاهرات الطلبة الإندونيسيين ضد سياسته التقشفية منقوشة في ذاكرتي، وقد دفعته في آخر المطاف إلى تقديم استقالته والتنحي عن الحكم.

أما الجزائر، فقد عرفت عشرية سوداء دموية، أدت إلى إزهاق أرواح الآلاف، خاصة من ساكني القرى، كما تم اغتيال الرئيس بوضياف على يد حارسه الشخصي مبارك بومعرافي، في 29 يونيو/ حزيران 1992، ومغني الراي المعروف بالشاب حسني في 29 سبتمبر/ أيلول 1994، عن عمر لا يتجاوز 26 سنة.

أما المغرب، فقد كان يرزح هو الآخر تحت ما كان يسمى بسنوات الرصاص، التي بدأت من سنة 1959 واستمرت إلى أواخر 1999.. عرفت هذه الحقبة الزمنية اختطافات عديدة، وتجاوزات في ملف حقوق الإنسان، خاصة بعد بروز معتقلات سياسية سرية كمعتقل تزمامارت.

ظهرت أغاني الفنان اللبناني مارسيل خليفة، لتؤكد هذا الألم والجرح الذي يمسّ الأمة العربية، خاصة في أنشودته "أحنُّ إلى خبز أمي"

ظلت ذاكرتي، على صغر سني وقلة تجاربي، تلتقط هذه الصور وتختزلها كالذي ينقش إكراهاته على الحجر. لقد كان الواقع السياسي المعقد، الذي أفضى إلى بروز قوة واحدة تهيمن على العالم بعد انهيار المعسكر الشرقي ونهاية الحرب الباردة، بمثابة العقدة التي أدت في آخر المطاف إلى ظهور القومية العربية، التي تدعو إلى الوحدة ولمّ الصف؛ ظهر هذا في أغانٍ عديدة، منها أغنية "الحلم العربي" -أو أوبريت "أجيال ورا أجيال"- ومنه هذه الكلمات التي حققت نجاحًا كبيرًا في الساحة العربية:

إعلان

أجيال ورا أجيال.. حنعيش على حلمنا

واللي نقوله اليوم.. محسوب على عمرنا

جايز ظلام الليل يبعدنا يوم إنّما

يقدر شعاع النور يوصل لأبعد سما

دا حلمنا.. طول عمرنا

حضن يضمنا.. كلنا كلنا

كما ظهرت أغاني الفنان اللبناني مارسيل خليفة، لتؤكد هذا الألم والجرح الذي يمس الأمة العربية، خاصة في أنشودته "أحنُّ إلى خبز أمي".

وظهرت في الحقبة نفسها مغنية لبنانية (جوليا بطرس)، دفعتها الحماسة والقومية العربية إلى غناء أنشودة حماسية تفجر لهيب الغضب العربي، إنها أغنية "وين الملايين" والتي أدتها بمشاركة مع التونسية سوسن الحمامي، والسورية أمل عرفة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان